fbpx

أي مستقبل لحراك الجزائريين بعد استقالة بوتفليقة؟

بإعلان استقالته رسميا من منصبه كرئيس للجمهورية في الثاني إبريل/نيسان الجاري، يكون الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قد أنهى حكماً دام لمدة عشرون عاما مستهلكاً أربع عهدات رئاسية، ورغم أن الجزائريين مع بداية حراكهم كان شعارهم الأبرز “لا للولاية الخامسة”، بيد أن تطور الأحداث وتمسك الرجل بترشحه في البداية، وبتمديد ولايته بعد ذلك، أمر دفع بالجزائريين إلى رفع سقف مطالبهم برحيل رموز النظام كاملاً مرددين شعار “يرحوا قاع” أي يرحلوا جميعا. وفي مشاهد تاريخية وغير مسبوقة، صنع الجزائريون منذ 22 فبراير/شباط الماضي، وعلى مدار سبعة أسابيع من عمر الحراك ملحمة نضالية لفتت أنظار العالم، فالجزائريون الذين اكتووا بنار الإرهاب خلال سنوات التسعينات يبدو أنهم حفظوا الدرس جيداً، وتأكدوا أن الجنوح للعنف من أي جهة كانت سيعصف بأي حركة مطلبية مهما كانت قوتها، وشرعية  مطالبها، لذلك كان شعار حراكهم منذ بدايته ملتزما بشعار “سلمية سلمية”، فرغم أن كبرى المدن الجزائرية على غرار العاصمة شهدت مسيرات مليونية إلا أنه لم تسجل أية حوادث عنف أو مواجهات مع قوى الأمن التي تعاملت بحكمة مع الحراك، ودليل السلمية أن المتاجر والمحال كانت مفتوحة أمام السيول البشرية الجارفة في الشوارع الرئيسية للعاصمة وكبريات المدن. الهبّة الجزائرية غير المتوقعة، والتي أحيت شعباً كان إلى وقت قريب ينظر إليه على أن شعب ميّت استكان للظلم، ولا يدافع عن حقوقه المهضومة خلال العشرون عاماً الماضية، والتي تم فيها هدر قرابة الألف مليار دولار دون تحقيق التنمية المنشودة، بل على العكس شهدت الجزائر انتشاراً غير مسبوقة لظاهرة الفساد، وبروز مختلف المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، هذه الهبّة فاجأت الجميع، وأربكت أركان النظام الذي وجد نفسه ودون سابق أمام تيار شعبي جارف يحاول اقتلاعه من الجذور، لذلك حاول المراوغة منذ البداية ربحا للوقت من خلال البحث عن إيجاد بدائل للخروج من عنق الزجاجة. ممارسات المراوغة، ومحاولة الالتفاف على الحراك الشعبي، كانت بقرار الرئيس بوتفليقة أو محيطه من المستفيدين من استمراه لضمان مصالحهم سحب ترشحه وإلغاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الثامن والعشرين نيسان/إبريل الجاري، لكنه بالمقابل حدد للجزائريين خارطة طريق لتغير النظام أبرز معالمها تنظيم مؤتمر وطني جامع تحت اسم “الندوة الوطنية”، التي تعهد بأن تكون فرصة للمعارضة من أجل مناقشة معالم النظام الجديد بالتوافق مع الموالاة، على أن يشكل هذا المؤتمر بعد المشاورات الواسعة هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات ومراقبتها، وهو المطلب الذي لا طالما رفعته المعارضة خلال السنوات الأخيرة لكن رمته السلطة وراء ظهرها، وبعد ذلك يتم تحديد موعد للانتخابات الرئاسية في غضون عام لن يكون فيها أي بوتفليقة مترشحا.W خارطة الطريق السابقة لم يقبلها الجزائريون ورفضوها جملة وتفصيلاً، فبوتفليقة أكد لهم في رسالة سحب الترشح أنه سيرعى بنفسه تلك الإصلاحات خطوة بخطوة، ما يعني أنه سيستمر كرئيس لعامين آخرين على أقل تقدير، ما يعني أيضاً تمديدا غير مباشر لولايته الرئاسية، وهو الطلب الذي رفضه الحراك قبل ذلك ورفضه مرة أخرى. تمسك بوتفليقة بفكرة الاستمرارية ولو لمدة عام، خلقت قناعة للجزائريين بأن بوتفليقة ومن معه يحاولون ربح الوقت لوضع ترتيبات تضمن استمرار نظامه بعد مغادرته لقصر الرئاسة بالمرادية، وهو السبب المباشر الذي دفع بهم إلى رفع سقف مطالبهم عاليا بضرورة ذهاب كل رموز النظام، وهو ما أعلن عنه الحراك بعد استقالة بوتفليقة رسميا بضغط من المؤسسة العسكرية التي أصدرت بيانا حاسما في الثاني مارس /آذار الجاري وصفت فيه محيط بوتفليقة بـ “العصابة”، مؤكدة وقوفها إلى جانب مطالب الشعب، وذلك بعد بيان سابق اقترحت فيه قيادة الأركان برئاسة الفريق أحمد قايد صالح الاستجابة لمطالب الشعب، وتجاوز الأزمة بتطبيق المادة 102 من الدستور، التي تنص على إعلان شغور منصب الرئيس لأسباب صحية، وهو الاقتراح الذي تم تجاهله من معسكر الرئيس والمجلس الدستوري المخول قانونا في إعلان الشغور الرئاسي. ورغم نجاح الجزائريين في الإطاحة ببوتفليقة الذي كان قاب قوسين أو أدنى من المكوث كرئيس مدى الحياة، إلا أن ثمة تساؤل مهم وبارز في المشهد الجزائري يتعلق بما بعد العهد البوتفليقي؟، وهل استقالة بوتفليقة تعني زوال نظام حكمه؟ وهل تعني هذه الخطوة أن الحراك حققا نجاحا كبيراً وسيعود الجزائريون إلى منازلهم، أم أن استقالة الرجل مجرد خطوة لخطوات أخرى ربما أكثر تعقيداً وصعوبة، وتتعلق برحيل رموز نظامه الذين تغلغلوا في مفاصل الدولة، وبات لهم نفوذ من الصعب جدا احتواءه. الرهان الأول الذي يواجه الحراك هو من يخلف الرئيس بوتفليقة على رأس الدولة الجزائرية؟ وكيفية استخلافه؟ وهل يتم الاحتكام للدستور الذي ينص في مادته 102 على تعيين رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح كرئيس مؤقت لمدة ثلاثة أشهر، يتولى خلالها الإشراف على الانتخابات الرئاسية، والمعروف عن بن صالح أنه من الرجل الثقات لدى بوتفليقة، وبالمقابل لا يمكن بعد تطبيق المادة 102 من إجراء أي تعديل حكومي، في حين أن الحكومة التي تم تعيينها قبل يومين من استقالة بوتفليقة لا تحظى بالشرعية لدى الجزائريين كونها حكومة معينة من طرف ما يسمى بـ “القوى غير الدستورية” والتي استولت على صلاحيات بوتفليقة بعد مرضه منذ 2013. استمرار الحكومة وتعيين بن صالح كرئيس مؤقت ذلك يعني أن النظام القديم هو الذي سيتولى ترتيبات ما بعد بوتفليقة، أي التحضير وتنظيم الانتخابات الرئاسية القادمة، الأمر الذي يرفضه الجزائريون بشكل قاطع، ويطالبون برحيل جميع رموز النظام القائم، لأن عودة هؤلاء تعني عودة النظام القديم، لكن هذه المطالب في الواقع تصطدم بالشرعية الدستورية، وفقا للمادتين 102 و104 واللتان تنصان على تعيين بن صالح كرئيس بالنيابة وعدم إقالة الحكومة، وهذا الأمر لا يمكن تجاوزه إلا بقرار سياسي يتجاوز العمل بالدستور، كما يمكن تجاوزه بتطبيق المادة السابعة والثامنة من الدستور، واللتان تنصان على أن الشعب هو مصدر كل سلطة،  وهي المواد التي اقترح الجيش بضرورة تطبيقهما في آخر بيان لقيادة الأركان والذي دعا فيه الى التطبيق الفوري للمادة 102. الرهان الآخر يتعلق بالحراك نفسه، وإمكانية تعرضه للانقسام بسبب تباين الرؤى فيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية، ومن هو المرشح لقيادتها، فمع تماطل النظام في الاستجابة لكل مطالبه تبدأ هذه الرؤى في التباين أكثر، مما يهدد الحراك بالانقسام، بعد أن كانت الوحدة من عوامل نجاحه. فخلال الأيام الأولى من الحراك اقترح البعض تعيين قيادة للحديث باسم المتظاهرين وهي الفكرة التي رفضها الجزائريون، واعتبروا أن تعيين ناطقين باسم الحراك سيسهل من عملية احتواءه، واقترحوا ابقاء الحراك مفتوحا لجميع فئات الشعب دون تحديد ممثلين، لكن وبعد أن استقال بوتفليقة بدأت معالم الانقسام في البروز من خلال محاولة البعض قطف ثمار الحراك باقتراح وترشيح أسماء لقيادة المرحلة الانتقالية بناء على توجهات ايديولوجية وحزبية، لذلك هذه المسألة ينبغي تجاوزها بهيئة رئاسية مشتركة تظم عدة أسماء لا تمتلك طموحاً سياسياً للترشح لمنصب الرئيس مستقبلاً، على أن تتولى هذه الأسماء الترتيب لتنظيم رئاسيات في أجواء انتخابية شفافة وذات مصداقية، وهذا الخيار هو الوحيد الذي يبعد الحراك عن الاصطفاف الايديولوجي والحزبي الضيق. ويبقى دور المؤسسة العسكرية في رسم المشهد السياسي حاسماً، فدون ضغط الجيش لم يكن الرئيس بوتفليقة ليقدم استقالته، ورغم أن خطوة الجيش كانت في إطار دستوري وتحت مطالب الشعبية التي نادت بضرورة تدخل الجيش لحماية المتظاهرين، والضغط على السلطة القائمة لإجبار الرئيس ومحيطه على تطبيق المادة 102 من الدستور، إلا أن هناك مخاوف من استمرار تدخل الجيش مستقبلاً في المشهد السياسي، لذلك الرهان الأكبر هو ضرورة إبقاء دور المؤسسة العسكرية منحصراً فقط في مرافقة عملية التحول الديمقراطي، ودون التدخل في رسم معالم المرحلة المقبلة، أو مواصلة دورها التقليدي والمتمثل في صناعة الرؤساء لأنه في هذه الحالة ستكون خطوة استقالة بوتفليقة مجرد انقلاب ناعم على الرئيس بمباركة شعبي. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى