الخاسر والرابح.. وحدهم قتلاها خاسرون
مرصد مينا
سيبدو كلاماً مجازفاً القول إن جميع أفرقاء “حرب غزة” رابحون، ووحدهم قتلاها خاسرون.. قد يكون الأمر على هذا النحو وبالوسع طرح العناوين:
ـ إسرائيل رابحة، أقلّه بفعل سياقة معظم “الغرب” إلى خندقها، دون إغفال حجم الكوارث التي تسببت بها لغزة مع احتمالات واسعة لفتح بوابات تهجير السكان ما يعزز يهودية الدولة، كما بالوسع إضافة أنها “حرب نجاة” لبنيامين نتنياهو وقد خرج من محاكمة كان يمكن أن تطيح بمستقبله السياسي، ما يعني إلى مصر سلفة أولمرت.
ـ إيران رابحة، فالضحايا ليسوا من جيشها ولا من حرسها الثوري، فيما باتت مفاتيح هذا الشرق بيدها.. تفتح باب الحروب، وتعطّل مسيرات السلام، وتأخذ على عاتقها احتلال “المركز” الإسلامي لتتحول إلى ناطقة باسم “الأقصى” والقدس.
ـ الولايات المتحدة رابحة أقلّه بعودة أساطيلها إلى المتوسط لتقول “هذا البحر لي”، ناسفة قصيدة الراحل محمود درويش.
ـ حزب الله رابح، فقد انتقل لبنان بكلّيته إلى قبضة حزب الله، حتى بات لبنان ينتظر إطلالة لحسن نصر الله يدرك ما بعدها بوصلة المصير.
ـ حماس رابحة، وقد انتزعت شرعية السلطة الفلسطينية عبر “شرعية السلاح”.
ـ القوى الإسلامية التي كانت على الهامش، ارتفعت إلى المتن، وليس ثمة مناسبة صالحة لموقعها الجديد كما حرب غزة.
الكل رابح، والكل يموّل:
ـ مصانع الأسلحة الرابحة، فالسلاح “خردة” دون أن يعثر على أسواق، وكلّما ارتفعت أعداد الجثث ارتفعت معها قيم السلاح.
ـ وفي آخر أيام الحرب يوم يُقرّر المتقاتلون وقف الحرب، ستكون التسوية الكبرى، التسوية التي لا تنجزها سوى “أنصاف الحروب” والواضح من الغامض في حرب غزة أنها لن تكون سوى نصف حرب بضحايا أشنع الحروب، لتكون محطة للتسويات.. تسويات قد تحمل “حلّ الدولتين”، الحل الذي ربما يطوي صفحة الحروب المكشوفة، وربما قد لا يتزحزح عن واقع “هدنة ما بين حربين”، وكل ذلك في الغياب شبه الكامل لقوى السلام في شرق المتوسط هذا، وهي القوى التي لا عنوان لها حتى اللحظة، وربما سيكون من الإسرائيليين من يدركون قيمتها، أقله لأنه مع كل حرب يتدحرج إلى خنادقها سؤال “الوجود” بالنسبة للإسرائيليين، وليس صدفة أن نقرأ في “ها آرتس”، ما يستوجب القراءة، وبالوسع اقتطاع مقال لـ “ميخائيل سفارد”، فقد يلقي ضوءاً ما، ضوء يستوجب الحوار:”الفساد الأخلاقي آلية تغذي نفسها، وتبرر ذاتها…بالنسبة لنا نحن، الاسرائيليين، فرضنا على الفلسطينيين 25 سنة من اللجوء، و56 سنة من الاحتلال، وفرضنا على ملايين من سكان غزة 16 سنة من الحصار – كل ذلك أدى إلى تآكل مبادئ الأخلاق لدينا، والى تطبيع الواقع الذي يقول، إن هناك بشراً أقل قيمة؛ اقل قيمة بكثير…إسرائيل، الآن، دولة ومجتمع، فيها الدعوات لمحو غزة…والتي يأمر فيها وزير الدفاع بقطع المياه والغذاء والوقود عن مليوني إنسان…النضال من اجل إنهاء الاحتلال واستقلال الشعب الفلسطيني جزء من النضال العالمي لحماية حقوق الإنسان للجميع، وليس العكس…لكل إنسان حقوقه الأساسية التي لا يجوز انتهاكها…الحرية الفلسطينية وتقرير المصير تهدف إلى تعزيز واقع يتمتع فيه الناس بحماية حقوقهم ويكونون أحرارا في إدارة حياتهم كما يريدون” .
هذا صوت إسرائيلي، فمن سيلاقيه من العرب على الضفة الأخرى؟
إذا أدركنا حقيقة من الخاسر في مثل هذه الحرب، ومن ثم من الرابح فيها سنلاقيه.
كل أطراف الحرب رابحون.
وحدهم قتلاها كانوا الخاسرين.