“الخميني” وقد فاز بـ “إعلام حيادي / موضوعي / وبدقة”
مرصد مينا
إنه “الحياد الإعلامي”، وسيتبعه مفردتين “الدقّة / الموضوعية”، وكانت بي بي سي، هي نموذج “الحياد، الدقّة الموضوعية”، هكذا درج الكلام، وهكذا تكرّس حتى بات غير قابل للمناقشة، غير أن ثالوث “حياد / دقّة / موضوعية”، لابد ويتحوّل إلى الهامش بعد أن احتل المتن، والتحوّل سيكون حصراً في “الملمات الدولية الكبرى”، ونموذج التحوّل إياه، قد نصادفه في عشرات الأمثلة، ولا بد أن “الثورة الإسلامية” في إيران كانت نموذج انزياح المتن إلى الهامش، فيوم قررت بريطانيا إزاحة الشاه من شاهنشاهيته، يوم وقعت الاضطرابات الإيرانية تمهيداً للثورة الإيرانية، فقد تحوّلت البي بي سي عن حيادها للتعاطف مع الاحتجاجات بمواجهة الشاه، وبانحياز صريح للخميني، وبدا أن القسم الفارسي في البي بي سي يتجاوز الثالوث إياه لصالح الخميني..
وزير الخارجية البريطاني آنذاك “جورج براون” فسّر الأمر على أن الخدمات باللغات الأجنبية للبي بي سي، تخضع لآراء العاملين فيها ولا تمثل لا البي بي سي ولا بريطانيا، هذا كلام غريب وكاذب فكل أقسام البي بي سي تخضع لقواعد واحدة، ولكن ما حصل بالفعل أن البي بي سي انحازت للخميني وهذا جاء باعتراف صريح من “بكر معيد” الرجل الذي رقي ليصبح مديراً للبي بي سي، وهو صحفي ومترجم إيراني، ومن مؤلفاته كتاب “حياة آية الله الخميني”، وهو كتاب لابد وحمل انبهاراً بشخص الخميني، وهو صحفي يتحدّر من ثقافة دينية / شيعية.
“اندرو وايتلي”، وكان كبير مراسلي البي بي سي من طهران، يعترف وبتفاخر أن تقاريره الإخبارية من إيران ساهمت في التعجيل بانتصار الخميني، كما يعترف بأن البي بي سي قفلت بواباتها بوجه أنصار الشاه محمد رضا بهلوي، ولم تتح لهم مساحة أو صوت.
مدير مكتب الشاه آنذاك تسوّل البي بي سي أن تمنح أنصار الشاه فرصة، ولكن بوابات المحطّة الأكثر رواجاً وانتشاراً وشهرة لم تفتح له الباب، تلك بعض من “الحياد / التوازن / الموضوعية”، والسؤال كان :
ـ لماذا الانحياز للخميني.
مصلحة بريطانيا كانت تشتغل على هزّ سلطة الشاه، وتقليص غروره، ما منح الخميني الساحة الإعلامية، وهي الساحة التي لابد لرجل “قُم” أن يستأثر بها، مع أن الحركات الاحتجاجية على الشاه كانت قد شملت التيارات اليسارية، وتيارات قومية فارسية، وهي تيارات اطفأها الإعلام إلى الدرجة التي بات “صوت الخميني هو الصوت الذي لايعلوه صوت”، وهكذا لعبت البي بي سي دوراً بالغ الانجراف مع التيار الإسلامي الصاعد، والذي تحوّل لاحقاً إلى امتلاك إيران والفتك بكافة القوى السياسية التي ناهضت الشاه وصولاً إلى أن قام الخميني بإعدام مرافقيه من اليساريين في طريق عودته من باريس إلى طهران، ليستولي على السلطة ما بعد ما اطلق عليه “ثورة الكاسيت”، لتنسى حقيقة البي بي سي، ودورها في إطلاق يد الخميني على الشاه والثورة معاً، وليلتهمهما كليهما، وهذه واحدة من امثلة “الحياد / الدقّة / الموضوعية”، وهي واحدة من التجارب الإعلامية التي ستتكرر بدءاً من أمريكا اللاتينية، وصولاً إلى سقوط بغداد وطائر البجع الذي يستحم بالنفط ليكتشف العالم متأخراً، أن ليس ثمة طائر بجع يغتسل بالنفط، فمجمل الصورة “طائر من لدائن”، ولعبة كاميرا.
واليوم ها هي غزة، وها هو الإعلام.
“حيادية / دقّة / موضوعية “، فارتكابات حماس، وبلا شك لن تبرأ من “الفاشية” وبكل ما تعنيه الفاشية، غير أن حكومة بنيامين نتنياهو، لم تكن سوى الجانب المقابل، المتماثل، ولتكون الحرب في غزة، هي جولة في دماء المدنيين، مُطلّق مدنيين، أما الإعلام فما زال :
ـ لمالكه.
نتمسمر بمواجهة الشاشة، نفعل ذلك لنكون:
ـ مستودعات لتجميع الكذبة.
ثمة كذبة كبيرة عشناها، ونعيشها، وسنعيشها.
ليس صعود “الخميني” ولعبة البي بي سشي ، اكثرها “حيادية / موضوعية ودقّة”.. هي ذي بي بي سي وإعلام الثالوث “يصنع الخميني”، هذا عن بي بي سي بريطانيا، فماذا عن فرنسا؟
لن يختلف الامر كثيراً.
لقد صنعوا لنا الخميني، واليوم يصنعون لنا ضدّه.