الدولة والسلطة في سورية الانتقالية

غسان المفلح
أحد أهم التناقضات التي تواجه سورية الانتقالية هو التداخل بين بناء الدولة وبناء السلطة. هذا التناقض كيف ستحله النخب السورية في السلطة الانتقالية وخارجها؟ ربما يخطر في البال سؤال بديهي: ألم يكن هنالك دولة في سورية قبل سقوط الأبد الأسدي؟ قبل الإجابة والدخول على متن الموضوع، لابد من المرور على الفارق بين الدولة والسلطة.
الدولة لكل التعريفات:
الدولة لها أركان دائمة نسبيا أما السلطة فهي زائلة ومتحركة. وقد تتوالى وتتعاقب. الدولة تقوم على ثوابت ثلاثة: الأرض والشعب و قانون أساسي ينظم السلوكيات والعلاقات، بينما تكون السلطة الإدارة القانونية للدولة.
أي أن السلطة ما هي إلا آلة تسير أمور الدولة بموجب القوانين والشرائع التي تسن من قبل المجلس التشريعي أو ما يسمى البرلمان وقد تختلف المسميات من إلى أخرى. الدولة في تعريفها كائن حيادي تجاه أفزادها. متساوون بالحقوق والواجبات.
في الأنظمة عموماً يتم أحيانا الاعتداء على حيادية الدولة. في التجربة السورية استطاعت الأسدية كسلطة قمعية وفاسدة باختصار ان تجعل الدولة دولتها. باتت هي الدولة والسلطة معا. هذا تاريخ يعرفه السوريون جيدا.
لهذا عندما انهارت هذه السلطة، وجد الشعب السوري نفسه أمام شكل من أشكال اللا دولة، واللاسلطة والانفلات والسلاح المنتشر الذي تركه جيش الأسد في الشوارع.
بات المطلوب بناء الدولة من جهة وبناء السلطة الانتقالية من جهة أخرى. هنا بدأت تناقضات السلطة الحالية تظهر. في الخلط بين بناء الدولة وبناء السلطة. المطلوب اعادة بناء الدولة والسلطة معا.
الدولة في اس وجودها حيادية لا تخضع او من المفترض أنها حيادية تجاه مواطنيها كما ذكرت. الذي جرى مثلا بناء على قضم الدولة لصالح مشروع السلطة وفهمها، بدأ بالاعلان الدستوري: استثناء مواطنها المسيحي من حقه ان يصير رئيسا منتخبا للبلاد. فقط من حق المسلم من أي طائفة حصرا.
مثال آخر نتيجة للوضعية السورية وفهم السلطة، كانت التعيينات العسكرية والأمنية من لون واحد وضيق جدا. في هذه الوضعية الحساسة والخطرة كما هي في الواقع وكما تراها السلطة مفهوم مؤقتا بوصفها ايضا سلطة انتقالية.
لكن من غير المفهوم التعيينات في دوائر الدولة المدنية أن يأتي غالبا من لون واحد،أيضا هذا اعتداء على الدولة ذاتها. هذا على الصعيد الداخلي.
على الصعيد الاقليمي والدولي كان اداء السلطة لصالح مشروع الدولة والسلطة معا. هذا الأمر يتلاقى مع ما اسميته منذ السقوط اننا لانزال أمام سلطة فوق سورية.
بمعنى أنها اتت في سياق دولي واقليمي داعم لها من جهة وله اشتراطاته من جهة أخرى. هذه الاشتراطات لم تتضح معالمها بعد في الحقيقة. أيضا في هذا السياق نقول: لا يمكن أن تتسورن السلطة إلا بمشروع الدولة الجديدة وبناء عقد اجتماعي جديد من خلال دستور مدني واضح.
كنت أشرت في كتابات سابقة عن تناقضات السلطة الحالية. لكن من وجهة نظري أن أخطر التناقضات هذه هو سيطرة مشروع السلطة على مشروع بناء الدولة ومشروعيته، من خلال عقد اجتماعي جديد يثبت حيادية الدولة بشكل مستدام.
من أهم ما يساعد الآن على ترسيخ مشروع الدولة هو الحرية السياسية المتوفرة حتى الآن. وهنا دور النخب السورية كلها في المشاركة من خلال نشاطاتها والتركيز على بناء مشروع الدولة. طبعا ما يحدث الآن أن معظم النخب المعارضة للسلطة هي ضد السلطة بمعزل عن أداءها لاعتبارات عدة ومتنوعة، ولست بوارد تعدادها. أيضا تناولت بعضها سابقا.
نحن أمام تشكيل حالة تستوجب ضغطا من أجل تبني مشروع الدولة وفقا للنموذج التركي. هذا النموذج قد احتك به المواطن السوري طيلة سنوات الثورة. هذا يساعد في ايجاد شعبية سورية له.