المملكة وقد رقصت أعلى من الموسيقى
مرصد مينا
أن تصفّر عداواتك فهذا أقصى ما يمكن أن يصل اليه نظام (عاقل)، غير أن لتصفير العداوات اشتراطات أولها أن يكون الطرف الثاني من المعادلة قادر على “تصفير عداواته”، وهذا لاينطبق ولا بحال على إيران، الجارة الأكثر إعمالاً للخراب في المملكة العربية السعودية بدءاً من جهيمان واحتلاله الكعبة إلى اللحظة الإيرانية في اليمن الذي لم يعد سعيداً وقد حلّ فيه الحوثي بكل اللعنات.
هو الأمر كذلك اليوم، ولم يكن سوى هذا في أمسه أقلّه والأمير محمد بن سلمان كان قد وصفها بـ “أيدولوجية متطرفة منصوص عليها في دستوره وأن السعودية هدف رئيسي للنظام الإيراني”.
والحال كذلك ما الذي تغيّر في طهران؟
الملالي مازالوا الملالي، وتصدير الثورة هو واحد من أعمدة حكمتهم وقد ابتعدوا فيها وصولاً الى سوريا ولبنان واليمن، وليس بعيداً أن يحطوا رحالهم في الصحراء الغربية، ما يعني أن تجاوز الخلافات لابد ويكون بـ “تجاوز العقيدة”، فمن عليه أن يتجاوز عقيدته؟
المملكة أم الملالي؟
ليست زلّة لسان، أو هي زلّة لسان لانعلم، ولكن وزير خارجية المملكة في مؤتمره الصحفي المشترك مع وزير خارجية إيران، وخلال مؤتمره الصحفي أمس وصف الخليج العربي بـ “الخليج الفارسي”، ما يعني أن الخطوة باتت واسعة في التطبيع مع إيران بما يجعل الراقص يتجاوز الموسيقى.
ربما لم يحسم الخليج تسميته بعد.. خليج عربي أم خليج فارسي، غير أن الاحتيال على اللغة وارد وممكن في حال أن اللغة لم تحسم مصائر الجغرافية، وبهذا فقد تخطو اللغة نصف خطوة أقله لسلامتها كأن يقول:
ـ الخليج.
وكفى.
هو اليوم في الأدبيات السياسية “الخليج الفارسي”، أقلّه هذا ما ثبّته وزير خارجية المملكة، والسياسة في محصلتها لغة، ولو لم تكن كذلك لفاز “البكم” في حقيبة وزارة خارجية المملكة المتحدة التي لاتغيب عنها الشمس، فللسياسات ضروراتها غير أن الضرورة لا تعتدي على الفضيلة إلى الحد الذي تلغي فيه حقائق الجغرافية إذا أشكل علينا التاريخ.
للمملكة ضروراتها، ومن الضرورات التي لابد دفعتها لعناق الإيرانيين:
ـ حرب اليمن وهي اللهيب الذي ينال المملكة ولا يطال إيران.
ـ لعبة السوق والمصالح وضرورات الجوار.
وربما الأهم من هذا وذاك التلويح لإدارة بايدن وقد قللت من شأن المملكة، أن للمملكة خياراتها، وهي الخيارات التي تتعدى السوط الأمريكي، ليكون للمملكة صوتها في لعبة السياط.
حسناً، أن تنفض المملكة الغبار الأمريكي عن ردائها، والأحسن أن يسعى العالم الإسلامي إلى حاضنة إسلامية تمتلك الموارد والسواحل والتاريخ، بما يحيلها إلى منطقة منافسة أو موازية للنمور الصفر، والمجموعة الأوربية، وسطوة الأمريكان، غير أن مجموع الـ “حسناً” هذه ستبدو مجازفة بالغة الخطورة، وهي خطرة مرتين:
ـ مرة إن رقص الراقص بما يزيد عما تقتضيه الموسيقى.
ومرة إذا راهن على قدرته ركوب حصانين معاً، فالانكليز يقولونها:
ـ من يركب حصانين معاً ، ينفشخ.
فهل تعتزم المملكة ركوب الحصان الأمريكي في البحث عن أمنها، ومعه تعتزم ركوب الحصان الإيراني المعادي على طول الخط للأمريكان؟
هي عملية حسابيه صرفة، ولا ندري كيف يحسبها السعوديون.