النازحون في عين الكارثة
مجددًا تعلو الأصوات بخصوص النازحين واللاجئين السوريين، مايتصل باللاجئين قد يختلف وإلى حد ليس قليلاً عن موضوع النازحين، فاللاجؤون بمعظمهم من السياسيين أو ممن يتعرضون لمخاطر أمنية في بلدهم سوريا، اما موضوع النازحين فقضيتهم متشعبة تبدأ من مدنهم وقراهم المدمرة ولا تنتهي بالنزوح لأسباب ضيق العيش في سوريا وبالدوافع المعيشية.
الأعلى حدة من بين الأصوات، الصوت التركي، ومن ثم وبموازاته اللبناني، ففي تركيا قرابة ثلاثة ملايين نازح أو يزيد، والحال كذلك في لبنان باختلاف أن تركيا بلد باقتصاد متين ومساحات شاسعة وبعدد سكان كبير يحتمل هذا العدد من النازحين، ومعظمهم من أصحاب الحرف والمهن وكذلك ممن أسسوا لأعمال تنعش الاقتصاد التركي ولا تأكل من رصيده.
المشكلة العالقة هي في لبنان، فلبنان المأزوم لابد وترتفع أزماته مع كل مولود جديد وقادم جديد حتى ولو كان من أم وأب لبنانيين، فكيف إذا ماكان من بلد آخر سواء كان جارًا أم بعيدًا.
الطبيعي أن تشتغل القوى السورية المعارضة، على عودة النازحين إلى بلدهم لجملة أسباب، اول هذه الأسباب أنه كلما نزح سوري من أرضه استأثر النظام بمكانه، فتفريغ البلد من السكان كان واحدًا من استهدافات النظام الذي لايسره أفواه تهتف ضده وتاكل من خيرات بلدها، والمعارضة حتى اللحظة تشتغل على تشجيع الهجرة كما اشتغلت منذ اليوم الاول للثورة وهذا قصور في الرؤيا وخدمة لنظام يربح بدون أن يضطر إلى تقديم رؤيا، هذا أولاً، وثانيًا على الناس إعادة تعمير بلدهم ولو جزئيًا بالعودة إلى بلدهم، فالعائد سيعمّر بيته، حتى ولو بالترميم أو بالتأجيل، فإعادة الإعمار الشاملة لن تكون مادامت هذه السلطة قائمة وليس ثمة دولة او رأسماليات تقدمت ولو بخطوة واحدة إزاء تعمير بلد، توقفت المعارك فيه غير أن الحرب مازالت واردة وممكنة وقائمة ولا احد يعرف متى وكيف ستنفجر.
كل هذا سيضاف إلى أن الجار اللبناني غارق، والغارق لايسعف غارقًا، وبالنتيجة لابد من تخفيف الحمل عن اللبنانيين وقد باتت مسالة النزوح تجارة تشتغل عليها منظمات أهلية كما شخصيات حكومية، وباتت مصدرًا مضافًا للفساد في بلد استقراره سينعكس آجلاً أم عاجلاً على استقرار جارته.
النازحون إلى تركيا سيختلف وضعهم ولا يختلف توظيفهم، أما عن أوضاعهم فمعظمهم يشتغل بالقطاعات المنتجة، حتى بلغت الاستثمارات السورية في تركيا أرقامًا فلكية، هذا عن وضعهم، اما الاستثمار بهم، فلابد ويشتغل عليه الرئيس أردوغان، مرة انتخابيًا ومرة في تصدير مشكلتهم إلى المجموعة الأوروبية التي طالما هدددها بـ “سنلقي السوريون في وجوهكم”.
مسألة النازحين هذه تتطلب رؤى عقلانية، لاكيدية سياسية، وحتى اللحظة، كل مايدور في فلك مسالتهم هو الكيد السياسي بما يعني توظيف مسالتهم توظيفًا سياسيًا مبتعدًا عن الجانب الإنساني ومتجاهلاً حجم الجحيم الذي يعيشونه، وحجم العبء الذي يلقونه علىى اللبنانيين.
قليلاً من الحكمة، بل كثيرًا من الحكمة هو مايتطلبه النظر في مسالة النازحين السوريين.
الاتجار بهم كان من مصلحة النظام.
كارثة أن يلتقي النظام ومعارضاته في بازار واحد ومزاد واحد.
إنها “عين الكارثة”.