الواقع الانتقالي السوري والممكن

غسان المفلح
تدخل دولي مزمن في المنطقة عموماً وسورية خاصة. تدخل دولي لايستطيع السوريون تجنبه. فهل يستطيعوا الحد من أضراره وتوسيع فوائده على الوضعية السورية الانتقالية؟
في لحظات كثيرة من التاريخ تكون الدول أحياناً انطلاقاً من مصالحها جمعيات خيرية لبلد ما أو منطقة ما. بخلاف المقولة التي ترددها نخبنا” أن الدول ليست جمعيات خيرية”. ساعطي مثالين:
الأول: نهضة ما يعرف بدول النمور السبع” “النمور السبع” (Seven Tigers) هو مصطلح اقتصادي يطلق على مجموعة من الدول في شرق آسيا وجنوب شرق آسيا، وهي دول شهدت نموًا اقتصاديًا هائلاً في فترة الثمانينيات والتسعينيات.
وتضم هذه الدول: تايوان، وهونغ كونغ، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية (النمور الأربعة)، بالإضافة إلى ماليزيا، وإندونيسيا، والفلبين”. هذه النمو كانت تقف خلفه أمريكا والدول الغربية عموما من أجل مواجهة المعسكر الشرقي. مما أتاح استفادة هذه الدول من هذه الاستراتيجية الغربية. كان هدف الغرب الأساسي أسقاط السوفييت وهذا ما جعل هذه الدول حلفاء من جهة، وتم اسقاط السوفييت من جهة اخرى واستفادت هذه الدول.
مثال كوريا الجنوبية تحولت من دولة يحكمها عسكر وفاسدة وقمعية إلى دولة سامسونغ وكيا وهونداي وصناعة التكنولوجيا. وسجلت تنافسا مذهلا في سوق الدراما العالمي. كوريا لديها قاعدة أمريكية ضخمة تعدادها 28500 عسكري.
الثاني: تركيا مع حزب العدالة والتنمية الذي نهض بتركيا على كافة الصعد بدعم امريكي. استفادت تركيا من هذا الدعم ولا تزال.
هل سورية الآن يمكن أن تأتي في نفس السياق؟ أم أن هذا الدعم يصير باتجاه تمزيق سورية على حد زعم بعض المعارضين للسلطة الجديدة؟ تالياً كيف يمكننا قراءة المشهد التدخلي الدولي في سورية في ظل وجود إسرائيلي وتركي؟ تنافس أو تكاملي ليس مهما الآن.
ما هي إمكانيات سورية أن تنهض دون هذا السياق الدولي بزعامة أمريكا؟ هل أمريكا تريد تمزيق سورية؟ أم أن هنالك تغيراً نوعياً في الاستراتيجية الأمريكية حيال المنطقة؟ أيضا هل السلطة الجديدة تستوعب هذا الامر؟ هل لديها الإمكانية كي لا تنخرط بأي محور مطروح؟ باعتقادي على المستوى الدولي العام لا يوجد سوى محور أمريكي له السيادة العليا على المنطقة.
رغم وجود بعضاً من سيادات اقليمية كتركيا وإسرائيل. في ظل هذه الأجواء الدولية والاقليمية ما هو الممكن وكيف يمكن أن تتصرف السلطة والفعاليات السورية عموما؟
نأتي للوضع الداخلي أياً تكن السلطة الحالية، ما هو برنامج معارضتها؟ لأنني أمام نقلة مهولة حدثت. هذه النقلة لها مستويات عدة بعد سقوط الأسد، لكن الاهم الآن هو مستوى الحرية السياسية. الحرية السياسية هذه منذ ستة أشهر بدأت تعطي بعض ثمارها الخجولة: لم يعد الشعب يسكت عن أي خطأ وتحول الواقع الافتراضي السوري إلى ورشة نقدية تتابع تفاصيل التفاصيل في سلوك السلطة ونخبها.
بات من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تستطيع السلطة أي سلطة سحبها. هل يمكن أن تجتمع نخب المعارضة على شعار واحد: هو تطبيق النموذج التركي في النظام السياسي ودولة القانون والحريات؟ أم ستبقى مشتتة مشغولة بتريندات أكثرها كذباً وتلفيقاً؟ هل ستنتج المعارضة أجيالاً منظمة تعتمد العمل في أجواء الحرية السياسية هذه؟ وما هي الممكنات المتاحة امامها؟
جميع النخب المسلح منها وغير المسلح يطالب بدولة مدنية ديمقراطية. حسنا لماذا لا تتشكل هيئة سورية عابرة للأديان والطوائف والاثنيات لكل هذه الاطراف وتنشط في هذه الأجواء؟
الرئيس الشرع لم يعد قائدا لهيئة تحرير الشام المنحلة، بل صار رئيسا لسورية، هكذا تتعامل معه كل دول العالم. مع ذلك من حقنا أن نناضل لتنحيته. لكن الرئيس الشرع هو معبراً عن قضيتين في أذهان ومشاعر الشارع الأكثري في سورية: الأولى انتصار الثورة والثانية خوف هذه الاقلية من عودة ما لسلطة أسدية من أي نوع كان.
لهذا هي مستعدة أن تدافع عن الوضع الجديد ضد أي تهديد حتى لو كلفها ذلك عشرات الوف الضحايا. هل هذه القضية تأخذها هذه المعارضة بعين الاعتبار في خطابها وممارساتها الإعلامية؟ هل فصائل السويداء تشكل نموذجا لمعارضة ديمقراطية؟
هل قسد تمثل هذا النموذج أيضاً؟ هل المنظمات العلوية المتكثرة تمثل هذا النموذج لمعارضة مدنية ديمقراطية؟ في حال كان الجواب بنعم أم بلا، ما هو البرنامج لتحقيق ذلك؟ هل بالسلاح أم بالنضال السلمي؟ بالتالي ما هو الممكن بالسلاح وما هو الممكن بالنضال السلمي؟
على صعيد السلطة كثيرة هي مطباتها وتناقضاتها التي عرضت رأيي فيها في كتابات سابقة كثيرة. مع ذلك نحتاج لمتابعة هذا الملف في سياقات قادة.