بين الرئيس المؤرخ والرئيس الفيلسوف
نبيل الملحم
يطل الرئيس السوري في حوار مع سكاي نيوز عربي، مُربَكاً، أما الحوار فيطال ماضي البلاد وقد جاوز العقد من الزمن، رأى فيه الرئيس السوري بأن مجموع معارضيه في البلاد، كامل البلاد لايتجاوز مئة ألف معارض، أما باقي السكان فلابد وأنهم من أنصاره المعروفين بجماعة “منحبك”.
الرقم مشوش ويدعو إلى التساؤل، فإذا لم تتجاوز أعداد معارضيه المئة ألف من أصل ٢٧ مليون سوري، فما مبرر اعتقال ما يزيد عن ربع مليون سوري؟
يصح هذا فقط إذا كانت أجهزة استخبارات الرئيس قد اعتقلت أنصار الرئيس!!
أما قتلى الاشتباكات والمداهمات والبراميل فقد جاوز المليون فيما الملايين “طفشت” في براري البلاد ريثما تصعد زوارق الموت في هجرة يمكن اعتبارها من تراجيديات العالم الكبرى.
أكثر من ذلك فقد أصرّ الرئيس السوري بأنه كان بالغ الجدية في عدم مغادرة البلاد، مضيفاً لغة التصدي الواثقة وهي اللغة التي جعلت جفنه لا يهتز، وأصابعه على الزناد كذلك، والكثير من المحيطين به، يعلمون تمام العلم بأن الرئيس كان قد أعدّ حقائبه للرحيل خلال الأيام الاولى للانتفاضات والاحتجاجات الشعبية، ولولا تدخل “حزب الله” حصراً، وحسن نصر الله على وجه الخصوص لانتقل الرئيس من قصر المهاجرين إلى موطن للجوء قد يكون موسكو، ما جعل من “حسن نصر الله” عكّازة مكوثه في القصر، وجعل منه لاحقاً الرئيس المنتصر، دون نسيان دخول موسكو على خط الجبهات، فيما الإيرانيون يشتغلون على خلق أقدام من الفولاذ لرئيس كادت أقدامه أن تتحول إلى أقدام من فخّار.
حواره مع سكاي نيوز، بمثابة تأريخ يكتبه مؤرخ يرى الحدث من وراء الستارة لامن صالة المسرح، كما لو أنه شاهد لاشريك، وإذا كانت شهادته على هذا النحو من “شهادة الرغبة” فحتماً “شاهد الرغبة” لا يرقى إلى مرتبة مؤرخ، فالتاريخ لا يحتمل صيغة “نصف حصل”، فإما أنه حصل، وإما أنه لم يحصل، وبالنتيجة فالمؤرخ إما يحصل على “الدرجة التامة” في امتحان التاريخ وإما يسقط كمؤرخ، ومعضلة بشار الأسد أنه يرغب في مقعد المؤرخ ليضيف لصفة الرئيس صفة جديدة هو بغنى عنها أقله لشحوب في الذاكرة أو لكذب في الطباع، وهي سمة سبق والتصقت بالرئيس وكان الملك السعودي الراحل عبد الله قد قالها في وصف الرئيس.
حوار بكامله استغنى عن “المستقبل” وامتد إلى الماضي، فلم ينجد الماضي بمعرفة حقائق الماضي، ولم يفتح للمستقبل نافذة للسوريين، وحين نقول المستقبل فالمستقبل طافح بالعناوين.
عناوين قد تبدأ بلقمة الناس، وقد تمتد إلى الحرب والسلام، وقد تطال في طريقها رؤية رئيس بلد لبلد مدمر يتطلب الرحيل عنه أو الإعمار فيه، فما الذي قاله الرئيس؟
استنسخ نفسه، هذا هو الحل فقدم نسخة عن بشار الأسد.. نسخة مكررة عن خطاب القسم الذي لم يف به، ونسخة عن سياسي يحكي بالفلسفة ليكون فيلسوفاً بين السياسيين وسياسي بين الفلاسفة ليضيّع الرئيس والفيلسوف.
معضلة سوريا ستستمر.
هذا إذا لم تعالج معضلة “السيد الرئيس”.