تركيا بلا دكتاتور
على ما تحمل تركيا من “مشاكل” و “ازمات”، غير أن لامشاكلها ولا ازماتها تعيق النظر إلى مايمكن تسميته بـ “الإنجازات” في فضاء “العالم الإسلامي”، وبالوسع البدء بـ :
ـ المشهد الحالي للانتخابات التركية وهو باختصار ، تجربة تعكس رحلة طويلة لنموذج سياسي عرف كثيراً من التحولات والتعثرات والدماء حتى استقر على أن يحل استقطابه الأساسي بين العلمانيين والدينيين بدولة القانون والديمقراطية.
ـ قوة النموذج التركي أن بدايته الأولى كانت إقصائية، ولكنها في الوقت نفسه، فصلت الدين عن السياسة، وهي قيمة ظلت باقية على مدار 100 عام، هي عمر الجمهورية التركية، رغم تغير نظمها الحاكمة.
أما التيارات المحافظة فقد انتقلت من تجاربها الأولى، التي كانت تقوم أساساً على العداء للجمهورية العلمانية، وكانت ترغب في هدمها، إلى التطبيع الكامل مع جوهر مبادئها، ورفعت الخصومة بين المتدينين وبين الجمهورية العلمانية، وهو إنجاز كبير.
أما الجيش فقد انتقل من الانقلابات الخشنة الدموية والقاسية في عامي 1960 و1980 إلى «الانقلاب الناعم» في 1997، لينتقل في مرحلة لاحقة بثكنات بعيداً عن الشارع والحياة السياسية، فلا الجيش التركي الحالي هو جيش ستينات القرن الماضي من حيث انخراطه في السياسة، ولا هو الجيش العثماني الذي حكم قبضته على البلاد.
ـ اشتد ساعد اليد الحاضنة العلمانية نفسها أصبحت الاسلاميين على السياسة غير أن قبضتهم لم تستطع الغاء العلمانيين من الدولة والمنافسة على إدارة بدءاً من البرلمان إلى رئاسة البلاد.
وبالنتيجة هذا حال تركيا اليوم، تنافس سلمي ستتجلى أهميته في الانتخابات التي يتنافس فيها كل الأقطاب والفاعلين السياسيين وقد استفادوا من خبرة المائة عام الماضية، دون المبالغة بالقول أن الاستقطاب العلماني – الديني اختفى، ولكنه أصبح أساساً بين علمانية ليبرالية متصالحة مع الدين وتقبل المتدينين وغير المتدينين، وتيار محافظ عرف أن الدين سيظل حاضراً في المجال العام كمنظومة قيم أخلاقية وثقافية، وليس آيديولوجية دينية سياسية، وأن الجيش أصبح مؤسسة، حتى لو أثرت في السياسة، ولكنها لا تدخل بشكل مباشر فيها، وهذا في حد ذاته يجعل الانتخابات الأخيرة تؤسس لمرحلة أكثر نضجاً ومدنية في الخبرة السياسية التركية.
النموذج التركي اليوم، قد يضاف إلى النموذج السنغافوري، وقد يشكل علامة فارقة في البلدان الإسلامية التي تبحث عن “الهوية” وتضيّع الادوات، واليوم أي سيفوز بالانتخابات التركية لن يكون بمستطاعه أن يكون:
ـ السيد الدكتاتور.