ذلك هو “إسلام” نبيه بري
مرصد مينا
مضى على اختطاف الإمام موسى الصدر قرابة أربعون عاماً، طيلتها كان الكلام من حركة أمل ومن بعدها حزب الله، لايكفّ عن مصطلح “تغييب الإمام” مع ربط هذا “التغييب” بالراحل معمّر القذافي، باعتبار الاختفاء ابتدأ من ليبيا، والتغييب وقع على أيدي سلطة القذافي.
ما من إثبات يؤكد بالقطع، وما من نفي يؤكد بالقطع، غير أن المؤكد و “بالقطع” أن الإمام الصدر كان ذو مزاج “عربي” تبعيته لحوزة “النجف”، وهذا بلا شك سيتعارض بالكثير مع حوزة “قم” التي فتحت الطريق كلّ الطريق لـ “فرسنة” الخطاب الشيعي جزئياً، بما جعل من الخمينية هي “الوعد الإلهي المنتظر”.
وما ثبت بالقطع أن لبنان في مرحلة السبعينيات وصولاً لخروج الجيش السوري، كانت ملعباً لكل أجهزة الاستخبارات العالمية دون استثناء “التايوانية” على حد تعبيرات زياد الرحباني الساخرة، وبقي الحال على هذا الحال، مع فوز الاستخبارات السورية بوضع يدها على لبنان ابتداء ببقالياته امتداداً إلى مجموعات الأحزمة الناسفة التي فجّرت بالحريري، ولم تعف جورج حاوي من مفخخاتها، ومضت بعيداً في الاغتيال السياسي حتى بات ميشال سماحة، الرجل الانيق، ومتتبع الموضة والغارق بالأزياء والتهام “الصبّارة”، يشتغل ناقلاً للمفخخات التي يفوّضه بحملها علي مملوك، ثم يأتي اكتشافها باعتبارها واحدة من العمليات الخائبة التي كلّف بها وزير خائب، وبالنتيجة فقد كان لبنان وعبر حقبة طويلة ملعباً للقتل والقتل المضاد، بما يجعل من القذافي واحداً من اللاعبين ولا يؤكد بالقطع أنه من اختطف الإمام الصدر، كما ليس ثمة ما ينفي.
بيت القصيد ليس هنا، بيت القصيد، أن للقذافي أولاد ذكور من بينهم “هانيبال”، وهذا الابن لم يكن يتجاوز السنتين يوم اختطف الصدر، أو يوم اغتيل، أو يوم غاب، وابن السنتين ليس بوسعه الفرار من اللفافة وتنفيذ عملية اغتيال، وها هو اليوم بات شاباً سجيناً في لبنان بعد أن اختطفه نبيه بري من حليفه بشار الأسد، في عملية يُفتَرض أن تشكّل إهانة لبشار الأسد وأجهزته، أقلّه لأن هانيبال كان ضيفاً على بشار ما بعد سقوط القذافي وانتصار المعارضات على أبيه، وهي المعارضات التي استولت فيما استولت على وثائق الاستخبارات الليبية، ولم تقع يدها على مايوّثق لاختطاف الصدر، مع أنها لابد وترغب في بسط يدها على أيّ ما يثبت أن للقذافي يد في اختطاف الرجل، وحتماً هذا لايبرئ القذافي، غير أنه يحكي بالعقلية التي اختطفت هانيبال ردّاً على اختطاف لا يد لهانيبال فيه ونعني اختطاف الصدر.
اختطف هانيبال، وقبل اختطافه كانت حركة أمل قد فرضت على لبنان، كل لبنان قطع العلاقات الليبية / اللبنانية، ما يعني محو ليبيا من الخارطة اللبنانية، وهذا “حقّ دولة” وليس من حق حركة أو حزب سياسي يفرض على بلد ما القطع مع بلد آخر، ولو كان الأمر كذلك لكان من حق سعد الحريري قطع علاقات لبنان مع الجارة سوريا وإغلاق سفارتها، ولكان من حقه سحب السفير اللبناني من دمشق والحجر عليه بمنزله، تماماً كما من حق ميّ شدياق أن تفعل ذلك وقد فعلت بها مفخخات بشار الأسد ما فعلت.
“هانيبال” الآن سجيناً وقد طال سجنه وتداعت صحته وهو الرجل الـ “بلا آباء” فليس ثمة من يحكي بشأنه، غير أن حكايته لابد وتسرد جملة حكايات، من بينها حكاية يرتّبها سؤال:
ـ أيّة بنية أخلاقية لحركة أمل؟ بل وأيّ بعد إسلامي في هذه الحركة التي تحاسب ابناً على ما ارتكب أباه؟ هذا إذا كان الأب مرتبكاً.
الثأرية، والكيدية، بل والعدمية الأخلاقية، تلك هي محددات حركة امل، الشقيق الضد لحزب الله، وقد فرّقتهما حروب حقول التفاح وجمعتهما عقيدة الكراهية، تلك العقيدة التي لابد ستدوم في جمعهما.