أخر الأخبار

سوريا.. سلطة ما فوق وطنية في بؤر حرب أهلية

غسان المفلح

هذه المادة وهذا العنوان ليس حكم قيمة على السلطة وقادتها، بل هو توصيف إجرائي فقط، الغاية منه توضيح بعض الافتراضات التي اعتقد تساهم في معرفة الوضعية السورية. طبعا يمكن للمرء استخدام مفهوم ما فوق سورية كبديل اجرائي أيضا.

بين نهاية عام 2011 و2012 كادت الثورة أن تسقط الأسدية لولا التدخلات الدولية. هذه التدخلات تزعمتها أمريكا أوباما، وسوقتها في تحويل سورية إلى محرقة للأسد وحلفائه. توجت هذه التدخلات باحتلال الثورة من قبل أربع جيوش أمريكا روسيا إيران وتركيا.

وتوجت هذه الاحتلالات باتفاقيات خفض التصعيد مايو/أيار 2017. بين روسيا وإيران وتركيا ووافق عليها الأسد والمعارضة من جهة، ومنحتها أمريكا الشرعية من جهة أخرى.

أمريكا والتحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش” تركز في الجزيرة السورية، اعتماداً على ما عرف بقوات “قسد”. وفي الشمال السوري كانت فصائل الجيش الوطني التي بات قرارها تركيا تقريبا. مع وجود لـ”جبهة النصرة” في إدلب وبعض الجزر في هذا الشمال. جبهة النصرة بزعامة “الجولاني”. التي تحولت في النهاية إلى “هيئة تحرير الشام” ووضعت على قائمة الإرهاب طبعاً.

بقي الأسد فيما تبقى من مناطق يتقاسم النفوذ فيها مع ميليشيات إيران وحزب الله والروس. ترافقت اتفاقيات خفض التصعيد 2017 مع استمرار هجوم روسي اسدي على مناطق الشمال، حيث الطيران الروسي كان حاضرا في قصف أهلنا في الشمال.

الهجوم الذي كان يعد خرقا لهذه الاتفاقيات. كما منح هذا الوقت لاستقرار نسبي لحكم “هيئة تحرير الشام” في حكم إدلب وتشكيل حكومة إنقاذ فيها.

استمر هذا الوضع قائما حتى بدأت “هيئة تحرير الشام” عمليتها المسماة “ردع العدوان” في 27 نوفمبر تشرين الثاني 2024 وانتهت في 8 ديسمبر كانون الأول 2024. يوم هروب الأسد الى موسكو، وهروب جيشه واختفائه.

وتسلمت هيئة تحرير الشام السلطة في دمشق. إذا كانت تركيا قد احتوت كل فصائل الجيش الوطني، ولم تستطع احتواء هيئة تحرير الشام. السؤال من كان الناطق باسم هيئة تحرير الشام في اتفاقية خفض التصعيد؟ أو باسم “قسد”؟ كونهما لم يشاركا في هذه الاتفاقيات؟ ومن ضمنه أيضا عدم ابتلاع قرارها من قبل تركيا؟ بالنسبة لي كنت اعتقد منذ تلك الأيام أن أمريكا هي التي تحمي الهيئة.

بالطبع هنالك من يعتقد أن من يحمها تركيا، هذا الاعتقاد سائد فقط في أوساط الفضاء الكردي السوري و”قسد”. كان دوما موقع خلاف. واستمر هذا الاعتقاد حتى الآن. أن تركيا هي الحاكم. هذا أيضا غير صحيح لكنه مفسر بالنسبة لي. بغض النظر عن هذا النقاش، وعن هذه الافتراضات. اتفاقيات خفض التصعيد 2017 بين إيران وروسيا وتركيا. عبرت عن وزن كل دولة في الملف السوري. حيث حولته أمريكا أوباما من ثورة إلى ملف مزمن للقتل الأسدي وحلفائه ولتعفين الوضعية السورية برمتها.

أو ما اسميته أيضا تزمين الوضعية كخيار أمريكي منذ نهاية عام 2012. بين التزمين والتعفين قطعت أمريكا أوباما وعدا لأطراف التزمين بأنها لن تتدخل، لكن لا أحد يقترب من “قسد” ولا من هيئة تحرير الشام في إدلب ولا من فصيل احرار الشرقية في قاعدة التنف.

هذه المقدمة لتوضيح فكرة بسيطة، أن سوريا تحت رقابة شديدة أمريكية إسرائيلية ودول أخرى. أليست أمريكا من سهلت قيام غرفتي الموم والموك في تركيا والأردن تحت عنوان مساندة الجيش الحر؟ أوقفهما ترامب عام 2018.

معظم قراء النظام الأسدي يقرون أن هذا النظام حول سورية إلى بؤر حروب أهلية مادية او رمزية. حاولت الثورة الخروج من هذه التركيبة. ليس موضوعي الحديث عن نجاح الثورة من عدمه. ما أردت قوله في هذه المقدمة كي أشير إلى أن سورية كانت تحت المجهر الدولي وخاصة الأمريكي- الإسرائيلي ولاتزال وستبقى.

أتى التحرير في سورية وتسلمت سلطة جديدة دمشق، هل كانت هذه الدول لا تعرف من هي هيئة تحرير الشام؟ ماهي الوضعية السورية؟ هل البنية اللوجستية للقوى المحررة وخاصة الهيئة لا تعرف أمريكا وبقية الدول بها؟ إذا كانت المهمة اخراج إيران من سورية ولبنان، وهذا ما تم في سورية تقريبا، كما اذكر أن أول وفد استقبله الرئيس احمد الشرع كان وفدا أمريكيا ثم فرنسيا.

تهيئة سلطة مناسبة للدول التي تعرف تفاصيل الملف السوري، يجعل هذه السلطة خاضعة بشكل أو بآخر لمتطلبات سورية من هذه الدول. بالتالي ببساطة التدخل الأمريكي الإسرائيلي التركي ليس بخاف وليس سرا. السلطة تحاول أن تستجيب كي تعزز مشروعها أيا يكن، لا أريد الدخول بتفاصيله الآن.

كانت المندوبة الامريكية واضحة في جلسة مجلس الأمن البارحة. وكانت كلمة السيد اسعد الشيباني وزير خارجية سورية واضحة أيضا، من يقرأ تفاصيلها جيدا يرى ببساطة أننا أمام سلطة لا تزال فوق سورية.

في منطقة كمنطقة الشرق الأوسط السيادة العليا فيها لأمريكا، وسورية قلبها لن تترك هذا الملف يفلت من يدها ابدا لاعتبارات تخص مصالح هذه السيادة العليا واستمرارها.

لكن بالمقابل أمريكا لا تتدخل كثيرا بالعادة بالسيادات الصغرة لسلطات هذه الدول الشرق أوسطية، ما لم يكون سلوكها مضرا بالسيادة العليا. مثال أمريكا لن تتدخل في أن تسن السلطة الحالية قانون أحزاب الآن او بعد سنتين مثلا، لأن هذا لا يؤثر على هذه السيادة العليا، هو سيادة فرعية داخلية. اتضح من الحدث السوري على الأقل أن لا دولة تنافس أمريكا في هذه السيادة.

السلطة الانتقالية في بلد كسورية كان فيه أربع جيوش كبرى دوليا وإقليميا، خرجت إيران وروسيا من البلد لانهما يدركان أن الحضور الأمريكي بالتعاون مع الحضور التركي الإسرائيلي بات المتحكم في الوضعية الانتقالية، طبعا لأمريكا الحضور الكاسح.

هنالك شبه اجماع دولي على وجوب رفع العقوبات عن سورية، رغم ذلك أمريكا حتى اللحظة لا تصغي لاحد. إنها الهندسة الأمريكية للوضعية السورية الانتقالية. خاصة أن الأمريكيين أكثر من يعرفوا عن بؤر السلاح والتدخلات الخارجية في الملف السوري، والتي هي جزء من بؤر التوتر التي يمكن أن تقود لحروب أهلية.

لهذا موضوع ان السلطة تريد إرضاء الخارج ليس قرارا بل هو معبر اجباري. لا يعني أنها لا تريد إرضاء الداخل، أو أنها تحاول التغرير بالخارج بإعطائه صورة غير حقيقية عن الداخل، لأنها تعرف ان هذا القول هو بالعامية” لعب عيال”.

لأن الخارج الدولي الفعال في الملف السوري يعرف تفاصيله مثل السلطة وأكثر والسلطة تعرف ذلك وتحتك به يوميا. لهذا ستبقى البلد تحت سلطة ما فوق سورية حتى يتم رفع العقوبات من جهة، وحتى تستقر أمور البلد وهي ستستقر حتى لو أدى الامر لإحداث تغيير ما في رموز السلطة الحالية. لكن لن يكن هذا التغيير خارج السياق الحالي يحتاج هذا البحث لمناقشة تفاصيل كثيرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى