عن أحوال النزوح السوري في لبنان
وقد بات النزوح السوري إلى لبنان أهزوجة لبنانية، تحمل فيما تحمل مغالطات وأوهام كما تحمل حقائق، انتشر شريطين مسجلين عرضا حواراً متلفزاً يُسأل فيه السوري الأول ماعدد أولادك فيجيب ستة عشر بعد أن يعرض لزيجاته الثلاث، فيما سوري الشريط الثاني يجيب بأن لديه سبعة أولاد، وبطبيعة الحال لم يكن ايّ من الشريطين يسعى للاطمئنان عن العائلة السورية المقيمة في لبنان بقدر ما تقصّد القول بأن الوجود السوري في لبنان، هو “خلخلة” للمعادلة الديمغرافية من جهة، كما أنه إضافة للأزمة الاقتصادية التي يعيشها اللبنانيون من جهة أخرى، وبالتزامن مع الشريطين قامت فصائل من الجيش اللبناني بالقبض على مجموعات من السوريين ورميهم في الحد الفاصل ما بين حدود الدولتين دون النظر إلى العواقب التي قد تترتب على هؤلاء السوريين وقد تصل إلى رميهم في الجحيم أو بين اسنان الجحيم.
من الخلل القول بأن النزوح السوري إلى لبنان لم يتسبب بمشاكل للبنانيين، ذلك أن العميان لايحملون العميان، والهاربون من الكارثة لابد ويتسببون للبنانيين الواقعين في هوة الكارثة إضافة على كارثتهم، غير ان العودة سنوات للوراء لابد وتقول بمجموعة من الحقائق:
ـ اولها، أن الذاكرة اللبنانية إزاء الوجود السوري في لبنان، هي ذاكرة مُحتل بمحتَل، غير أن النازح السوري لم يكن غازي كنعان ولا رستم غزالة ولا سيء الذكر عبد الحليم خدام.
ـ ثانيها، ان الكثير من الاحزاب والقوى اللبنانية رحب مبدئياً بالنزوح السوري، معتقداً أن هؤلاء النازحين سيكونوا وقوداً في الصراع ما بين هذه الاحزاب والنظام السوري، ذلك أن معظم من نزح إلى لبنان، نزح هرباً من جور النظام واستبداد النظام.
ـ ثالثها، الاستثمار بالنازحين السوريين باعتبارهم قوّة عمل مدربة ورخيصة وحقول بعلبك تشهد كما قطاع البناء والخدمات في لبنان.
كل هذا وذاك لايسمح بالاعتقاد ان الوجود السوري في لبنان هو وجود أبدي، كما لايسمح بإحالة مصائب اللبنانيين والاقتصادية منها على وجه التحديد إلى النزوح السوري، فلصوص البنوك ليسوا من السوريين، والفاسدون من الطبقة السياسية الللبنانية لم تكن اقل فساداً من الطبقة السياسية السورية بشقيها معارضة ونظام.
والاهم من هذا وذاك أن معالجة النزوح السوري إلى لبنان أنما تقتضي الاحتكام إلى المواثيق الدولية، والحلول السياسية، وهي حلول لابد ويكون التوافق عليها بين دولتين، دولة لبنان من جهة، والدولة السورية من جهة اخرى (بغض النظر عن من يحكم هنا ومن يحكم هناك)، فهذه مسألة تتجاوز الاختلافات في السياسة وصولاً للتوافق على حماية مصائر بشر قد يتعرضون للفناء، وحال كهذا لابد ويكون بدعم من منظمات دولية وضمانات دولية، تسمح للنازح بالعودة إلى بلده لا العودة إلى “حفرة الرصاص” او “حفرة السجن”.
أكثر من هذا وذاك تتعالى الصرخات العنصرية في لبنان، وهذا لايبشر بحسن جيرة ما بين بلدين كانا بلداً واحداً في التاريخ، وباتا “شعبين في بلدين” تحت وطاة حافظ الأسد ونظامه ومن ثم وريثه وقد دفّع اللبنانيين من الدموع والضحايا مالم يحتمله شعب، تماماً كما دفّع السوريين ويلاته وويلات نظامه.
المسألة تتعاظم يوماً بعد يوم، والنازح السوري بات من أرخص الاستثمارت:
ـ نظام بلده يستثمر فيه كقوة ضغط على اللبنانيين، والطبقة السياسية في البلد المضيف تستثمر فيه كـ “مشجب تعلّق عليه فشلها وفسادها”.