fbpx
أخر الأخبار

من فساد النظام إلى إفساد “الثورة”

يوم اندلعت الثورة في سوريا، كانت قد انطلقت من مواجهة أمرين معًا، أما الامران فهما “الاستبداد والفساد”، أمران متلازمان لاينتعش أحدهما سوى بانتعاش الثاني، غير أن ماحدث هو أن “الثورة” نفسها أفسِدت ومع فسادها انتعش استبداد قياداتها وكانت ممثلة بـ “الائتلاف”.

واليوم، بات الائتلاف في حالة من الموت السريري،، في ظلّ تخفيض أنقرة للتدفقات المالية التي تُصرف عليه والبالغة 250 ألف دولار شهرياً.

لقد بدأت تركيا بعملية مساءلة داخلية بين أعضائه والهيئات التابعة له، للبحث في أسباب الوصول إلى هذه المرحلة، والتي يمكن وصفها بـ «حرجة وقد تؤدّي إلى وأْده». وكانت تلك الأزمة بدأت قبل نحو ستّة أشهر، إثْر قيام تركيا بقطْع مصادر التمويل عن «الائتلاف» على خلفية فتْحه قنوات تَواصل مع جهات خارجية، من بينها الولايات المتحدة التي حاولت فرض سيطرتها عليه، ضمن خطّتها لإعادة التصعيد السياسي في سوريا. ثمّ عاد هذا الشحّ وانحسر نسبياً، مع استئناف أنقرة تمويل حليفها السوري خلال الشهرَين الماضيَين – بعدما حصلت منه على تعهّدات بعدم الانخراط في أيّ مشروع سياسي من دون العودة إليها -، وتحديداً في أعقاب الجولة التي نظّمتها الخارجية الأميركية لأعضاء “الائتلاف” في نيويورك، بالتزامن مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الفائت.

مما كشفته التحقيقات التركية:

ـ صرف رواتب ومكافآت غير منطقية لعدد من الأعضاء، وهي بمبالغ فلكية.

ـ صرف فواتير إقامة وتنقّلات سياحية لآخرين تحت ستار “الجولات السياسية”.

وهما سببان كافيان لفقدان صندوق الاحتياط وتجفيفه ومن نتائجه توقف صرْف رواتب الموظفين، بالإضافة إلى تراكُم إيجارات عدد من العقارات التي يتمّ استعمالها كمكاتب ربط، فضلاً عن عدم التمكّن من دفع تكاليف حجوزات لازمة لعدد من الاجتماعات، من بينها اجتماع دوري لـ”الهيئة العامة”.

التوجه التركي  اليوم يشير إلى إنهاء الائتلاف، مقابل تنشيط المجالس المحلّية التي انهمكت تركيا في مأسستها، و”هيئة التفاوض” التي باتت تمثّل الواجهة الرسمية للمعارضة السورية في المحافل الدولية، إلى جانب “الحكومة المؤقّتة” التي باتت تعمل بشكل مستقلّ عن «الائتلاف» على الرغم من أنها وُلدت من رحِمه.

عمليًا لا “هيئة التفاوض” ولا “الحكومة المؤقتة” ينوءان عن الفساد أسوة بـ “الائتلاف”، فلا هذا ولا ذاك على صلة بالشارع السوري، غير أن تركيا تشتغل إعادة ضبْطهما، عبر دمْجهما في جسم واحد، لتقديمهما إلى النظام في دمشق باعتبارهما يمثلان المعارضة، مع أخذ العلم أن النظام يميل إلى التعامل مع “هيئة التفاوض” .

الإدارة الأمريكية اشتغلت في لحظة ما على احتواء “الائتلاف” ومن ثم غسلت أيديها منه، ويبدو أن تركيا توصّلت إلى قناعة بأن الإدارة الأمريكية تتطلع إلى بدائل عن كافة التشكيلات المعارضة الراهنة في ظلّ وجود بدائل أكثر قوّة على الأرض، ما زالت تتحكّم بها أنقرة. ولعلّ ذلك هو ما يفسّر التوجّه الأميركي أخيراً نحو توسيع قنوات التواصل مع المجتمع المحلّي، والسعي لخلْق توازن عربي – كردي في مناطق “الإدارة الذاتية” التي يخضع معظمها للسيطرة الأميركية، بالإضافة إلى منطقة التنف التي أعادت واشنطن هيكلة الفصائل الموجودة فيها. وتُضاف إلى ما تَقدّم المحاولة الأميركية الحثيثة لاستيلاد معارضة جديدة تنشط من داخل الولايات المتحدة، بالاعتماد على عدد من الأميركيين من أصول سورية كواجهة سياسية تُحضّرها واشنطن للمرحلة المقبلة.

بالنتيجة، وعلى اختلاف موقف الراعيين الأساسيين لهيئات المعارضة السورية، فالثابت أنه لا تركيا ولا الإدارة الأمريكية ستستمران في رعاية هذه الهيئات، وستتركانها إلى الفراغ بعد أن استنفذت أسبابها، وبعد أن نخرها الفساد بما جعلها تتجاوز النظام في الفساد.

كلام كهذا يعني فيما يعنيه أن على السوريين “العودة إلى الصفر”، في انتاج هيئات معارضة تستطيع إدارة الصراع مع النظام، وهو الامر المستبعد حتى اللحظة بما يجعل الحراك الداخلي في سوريا حراكًا معزولاً لا ظهير له.

واقع كهذا يستدعي إعادة التفكير بكل ما ارتكب بحق “الثورة” من آثام.. آثام ارتكبتها “قيادات الثورة” بحق الثورة، حتى باتت هذه القيادات جزءًا من المعضلة السورية، بل جزءًا من النظام الذي وإن اختلفت معه، فهي اشتقاق منه.

ثورات مغدورة، هو ذا الحال.

قيادات تتساقط في الوحل، بموازاة نظام يسقط في الوحل أيضًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى