لماذا نكرههم ولماذا يكرهوننا؟
كانت تلك الصرخة التي أطلقها بوش الأب غداة هجمات أيلول/ سبتمبر. وبغض النظر عن موقفنا من قائلها إلا أننا سوف نتوقف أمام هذه الجملة طويلاً، ونتساءل هل نكرههم فعلاً؟ وهل الكراهية من لوازم الدين؟ هذا المقال يحاول الإجابة عن السؤالين الرئيسين، من خلال المحاور الآتية:
- عقيدة الانغلاق المجتمعي في كتب التراث.
- دور المنابر في تجييش الشعور بالكراهية.
- التعايش السلمي في القرآن.
عقيدة الانغلاق المجتمعي في كتب التراث المتأمل في كتب التراث وانعكاسها على الآخذين بنصوصها وأحكامها يجد أن الإنسان التراثي يعيش عزلة وجدانية ومادية مع سائر البشر عدا من هم على نهجه طبعاً، بل يعتبر أن كراهية الآخرين من غير جماعته شرط من شروط اكتمال الإيمان. ومن أقدم من كتب في هذا الشأن ابن تيميه في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم الذي استهله بموضوعين مهمين بحسب ما يقول وهما: أن المسلمين سوف يتبعون عادات غيرهم من أهل الديانات الأخرى، والثاني أن هناك طائفة سوف تظل على الحق على الرغم من قلتها، والحق كما يراه ابن تيميه هو العزلة عن سبيل المخالفين وعدم مخالطتهم بل الكره لهم. ولا شك في أن المرحلة التي عاشها ابن تيميه من معاصرته لهزائم المنطقة أمام التتار، والامتزاج بحضارات جديدة وعادات جديدة أثرت فيه أثناء كتابته لكتابه هذا وغيره من المؤلفات. في كتاب الولاء والبراء في الإسلام للكاتب (محمد سعيد القحطاني)، يؤكد الكاتب أن الكراهية من لوازم لا إله إلا الله، ويستشهد لإثبات ما ذهب إليه بآيات من القرآن ويورد تفسيرات ابن تيميه ومحمد بن عبد الوهاب وسيد قطب، وفي مرحلة أخرى يسقط هذه الأحكام على واقعنا المعاصر، ولكنه هنا يعود ليستشهد بكتاب بروتوكولات حكماء صهيون ليثبت أن العالم يعيش حالة عداء ديني لنا، وعلينا بالمقابل كراهيتهم وإلا لا نكون مؤمنين. وكاتب هذا الكتاب ليس من المتهمين بالتطرف بل هو يمثل الإسلام الوسطي الذي يروج له من دون تحديد ملامح المشتركات بينه وبين الإسلام المتشدد. والمتأمل يجد أن المواظب على صلاة الجماعة في المساجد يجري حشوه بكميات رهيبة من الكراهية وتمني الشر للآخرين في ظل احتكار الحق، بل يمتد الأمر إلى طرح تساؤلات مثل حول حكم ارتداء قمصان وملابس غربية، وعدم إقامة أي علاقة صداقة مع المخالفين في الدين أو حتى في المذهب، وهذه الفتاوى تُبَث في إذاعات، وقنوات رسمية، وليست خاصة وفي دول لديها نسيج اجتماعي متنوع، من دون مراعاة له ولتبعات هذه الفتاوى وما ينتج منها من صدع وعنف معنوي ومادي. وفي ختام هذا المحور ما نؤكده أن سلوك الانكفاء والانغلاق وعدم مخالطة المخالف في الدين والمذهب أمر قديم في كتب التراث وقد ـأُلفت فيه الكتب قديماً وحديثاً، ويمكن لمن أراد الاستزادة البحث حول عقيدة الولاء والبراء، وأحكام مخالطة أهل البدع في كتب التراث وسوف يجد فيها ما يندى له الجبين، ولربما تتضح له معضلة كيف لم يساير المسلمون غيرهم في التطور وتأخروا عنهم بل لماذا أصبحوا عالة على الإنسانية. دور المنابر في تجييش الشعور بالكراهية المنابر في عالمنا الإسلامي عموماً والشرق الأوسط خصوصاً في أغلبها تكرس شأن كتب التراث، وتعيش حالة اجترار لأحداث وقعت منذ قرون وتسقطها على الواقع من دون إحاطة كاملة بها. ولربما كان الأمر غير مثير للانتباه قبل انتشار وسائل النقل التلفزيوني وظهور العولمة، ولكن الآن أصبح العالم قرية صغيرة، وصار من الصعب إخفاء التحريض ونشر الكراهية في خطب الجمع التي تنقل على الهواء مباشرة وتترجم إلى لغات عدة. وقد يكون بث الكراهية في مجتمعاتنا أمراً معتاداً، لكن الغريب أن بعضاً ممن ضاق عليه العيش في بلاده وهاجر إلى بلاد (الكفار) كما يسميها ما إن شبع حتى عاد إلى نشر الكراهية متناسياً أنه في بلاد تطبق القانون، الذي لولا وجوده -أي القانون- ما استطاع أن ينال كرامة فقدها في بلده، ولعل حادثة مسجد النور في فينترتور في سويسرا التي اعتقل فيها امام المسجد الأثيوبي بتهمة التحريض على العنف المعنوي -وقعت الحادثة عام 2016- نبهت هؤلاء إلى أن التسامح والتعايش السلمي في هذه البلدان إنما تحقق بفعل تجريم مثل هذه الخطب التي دأبوا على تكرارها في بلدانهم من دون رادع. ولا شك في غياب الوعي بين دور المسجد خلال القرون الأولى التي كان المسجد فيها هو الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي يجري من خلالها التواصل بين الرعية والحاكم، وأيضاً الوسيلة التي تستخدمها المعارضة ضد الحاكم، والدور الحالي للمسجد في ظل ثورة الاتصالات. هذه الحالة من الانفصال عن الواقع أوقعت أئمة المساجد في الدول المتطورة تحت طائلة القانون. أما في بلداننا فالمساجد تعاني فلتاناً في الخطاب فهي تارة خطاب حكومي، وتارة خطاب معارض، وتارة خطاب تحريضي ينطلق من توجهات الخطيب. والسبب في ذلك هو محاولة استمرار قيام المسجد بدوره ذاته في القرون الغابرة، فلا حرج من التحريض، ولا حرج أيضاً في إعدام المعارضين فيه وعلى عتبات المنابر كما حدث مع الجعد بن درهم الذي ذبح في أحد مساجد الكوفة بمباركة عدد من الأئمة الذين لا يشك أحدٌ في ورعهم اليوم، واليوم ما إن تصلي جمعة في مسجد حتى تدرك مذهب الإمام وتوجهه السياسي من خلال الدعاء على خصومه وإجبار المأمومين على التأمين خلفه. التعايش السلمي في القرآن القرآن الذي يخبرنا أن الله يأمر: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ. (سورة النحل). لا يمكن أن يجعل من خطاب الكراهية مباحاً، فقد حث على التعاون على الخير مفتوحاً من دون تحديد من يقوم به، ونهى عن التعاون على الإثم من دون النظر إلى من يقوم به: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. (سورة المائدة:2). بل لم يجعل الاختلاف في الدين سبباً للقطيعة والتواصل الاجتماعي: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ. (سورة الممتحنة:8). وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. (سورة الروم:21). وفي آية أخرى يتجاوز القرآن مرحلة العموميات ليدخل في التفاصيل بشكل يعكس أهمية التعايش المجتمعي الذي يبدأ من الجوار فيقول: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا. (النساء:36). ويذكرنا بأن الإكراه أمر منافٍ لإرادته: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حتى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ. (سورة يونس:99). ومما سبق ومن غيرها من الآيات يرسم لنا القرآن سبل التعايش السلمي الذي يرتكز على حرية العقيدة، والقبول بالاختلاف، والتعارف والتقارب بين بني البشر، والتكامل الاجتماعي، وأخلاقيات حسن الجوار، وأخلاقيات الحوار، وهي كفيلة بجعل المسلم مندمجاً مع غيره، ولكن ترك القرآن واستبداله بكتب التراث أوصل مجتمعاتنا إلى مانحن فيه من انكفاء على الذات والتقوقع والنتيجة أن سبقتنا الامم وأصبحنا عالة عليها ومع ذلك نناصبهم العداء والكراهية. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.