أخر الأخبار

ما هكذا يُرد الجميل يا سيسي… هل يعود الهلال الشيعي من بوابة مصر؟

مرصد مينا

شراكة استراتيجية أم كيدية…

في خطوة مستفزة وخيانة موصوفة لثوابت الأمة العربية، استقبل عبد الفتاح السيسي مطلع هذا الشهر وزير الخارجية الإيراني في القاهرة، فاتحاً أبواب مصر الرسمية أمام نظام طائفي لم يتوقف عن سفك دماء العرب في سوريا، اليمن، العراق، ولبنان.

هذه الزيارة ليست مجرد بروتوكول دبلوماسي عابر، بل رسالة صارخة على أن السيسي مستعد لرهن ما تبقى من هوية مصر العربية، مقابل تحالفات كيدية وانتهازية.

المفارقة أن هذا “الانفتاح” الإيراني يأتي بعد سنوات من الدعم السياسي والاقتصادي السخي من المملكة العربية السعودية والإمارات، اللتين وفرتا الغطاء الإقليمي والدولي لنظام السيسي بعد انقلابه في 2013. فهل جزاء الوفاء هو الارتماء في حضن طهران، رأس الحربة في مشروع طائفي، حتى مصر نفسها عانت من تبعاته بعد ما حصل ويحصل في فلسطين؟

دور السعودية في دعم مصر بعد 2013

بعد انقلاب السيسي على الإخوان المسلمين في يوليو 2013، واجه النظام المصري تحديات سياسية واقتصادية هائلة، بما في ذلك عزلة دولية وعجز مالي كبير. السعودية، إلى جانب الإمارات، لعبت دورًا محوريًا في دعم السيسي، كما تُظهر العديد من المصادر:

أولاً: الدعم المالي والاقتصادي: قدمت السعودية مساعدات مالية ضخمة بلغت حوالي 25 مليار دولار بين 2013 و2019، تشمل ودائع في البنك المركزي المصري، قروضًا، ومنحًا نفطية. على سبيل المثال، في ديسمبر 2015، تعهدت السعودية بتوفير احتياجات مصر النفطية لمدة خمس سنوات، إلى جانب استثمارات بقيمة 30 مليار ريال (حوالي 8 مليارات دولار).

كما وقّعت اتفاقية قرض بقيمة 1.5 مليار دولار لتنمية سيناء. هذه المساعدات ساعدت مصر على استقرار اقتصادها وسط أزمات مثل نقص العملة الأجنبية وارتفاع التضخم.

ثانياً: الدعم السياسي: وقفت السعودية بقوة إلى جانب السيسي في مواجهة الضغوط الدولية، خاصة من الدول الغربية التي انتقدت الانقلاب. حيث ضغطت السعودية في حينها بكل وزنها لمنع فرض عقوبات من قبل مجلس الأمن على مصر، وساندت النظام الجديد حتى استعاد الاستقرار.

ثالثاً: مواجهة الإخوان المسلمين: السعودية، التي صنّفت الإخوان جماعة إرهابية في 2014، رأت في دعم السيسي فرصة للحد من نفوذ الجماعة في المنطقة. هذا الدعم جاء في سياق تحالف إقليمي ضد الإخوان، حيث شاركت مصر في التحالف الإسلامي العسكري بقيادة السعودية في 2015 لمكافحة الإرهاب.

رابعاً: تعزيز الاستقرار الإقليمي: السعودية دعمت مصر كحليف استراتيجي لضمان استقرار المنطقة، خاصة في مواجهة النفوذ الإيراني والحركات الإسلامية المتطرفة. هذا الدعم عزز دور مصر كقوة موازنة في الشرق الأوسط، وساعدت مصر للوقوف على قدميها عام الـ 2013.

هذا الدعم لم يكن مجرد مساعدات مالية، بل كان استثمارًا في استقرار مصر كدولة مركزية في العالم العربي، حيث كان انهيارها سيؤدي إلى تداعيات إقليمية خطيرة. إذ قدمّت دول الخليج العربي وفي مقدمتهم السعودية مليارات الدولارات لبناء نظام السيسي، مما ساهم في استقراره السياسي والاقتصادي.

كيف كان الدعم السعودي في مصلحة مصر؟

الدعم السعودي لمصر كان في صلب مصلحتها الوطنية للأسباب التالية:

  • الاستقرار الاقتصادي: المساعدات السعودية سدّت فجوة مالية كبيرة، مكّنت مصر من دفع رواتب الموظفين، استيراد السلع الأساسية، وتخفيف الضغط على الجنيه المصري. بدون هذا الدعم، كان الاقتصاد المصري عرضة للانهيار، كما أشار تقرير صادر عن صحيفة القبس الكويتية عام 2019، الذي ذكر أن الدعم الخليجي بلغ 92 مليار دولار منذ 2013.
  • تعزيز الأمن القومي: دعم السعودية عزز قدرة مصر على مواجهة الإرهاب، خاصة في سيناء، حيث ساعدت الاستثمارات في تطوير البنية التحتية وتعزيز الأمن. اتفاقية تنمية سيناء عام 2015 هي مثال واضح على ذلك.
  • إعادة الدور الإقليمي: السعودية ساعدت مصر على استعادة مكانتها كقوة إقليمية، من خلال دعمها في الجامعة العربية وفي مواجهة تحديات مثل أزمة سد النهضة الإثيوبي، التي تهدد الأمن المائي المصري.
  • مواجهة الإخوان: دعم السعودية للسيسي جاء متسقًا مع مصلحة مصر في القضاء على نفوذ الإخوان المسلمين، الذين شكلوا تهديدًا للنظام بعد 2013. هذا الدعم عزز الاستقرار الداخلي، والوضع الأمني، الذي كان على وشك الانفجار، ولولا الدعم السعودي لما استطاع السيسي محاربة الإرهاب في سيناء.

تحركات السيسي “غير القومية” و”الكيدية”

على الرغم من الدعم السعودي الكبير، أثارت تحركات السيسي اتهامات بأنها تحمل طابعًا غير قومي أو كيدي تجاه السعودية وسوريا والأردن:

  • التقارب مع إيران: زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقچي إلى القاهرة في يونيو الجاري، وتصريحاته عن “تقدم غير مسبوق” في العلاقات، أثارت مخاوف من أن السيسي يستخدم إيران كورقة ضغط على السعودية. هذا التقارب يُنظر إليه كتحرك كيدي، خاصة بعد تراجع الدعم السعودي بسبب التوترات حول سد النهضة. حيث يرى الكثير من المراقبين أنّ السيسي يستغل الدعم الخليجي ثم يتحالف مع خصومها.
  • الموقف من سوريا: مصر أبدت مواقف متباينة مع السعودية في الملف السوري. في 2016، عارضت مصر التدخل العسكري السعودي ضد نظام بشار الأسد، وأيدت التدخل الروسي، مما أثار توترات مع الرياض. بعد سقوط الأسد في ديسمبر 2024، يُعتقد أنّ مصر قد تستخدم تطوّر علاقاتها مع إيران لتعطيل النظام السوري الجديد، مما يُنظر إليه كتحرك غير قومي يتعارض مع مصالح المنطقة العربية في استقرار سوريا.
  • التوترات مع الأردن: تحركات مصر في الجامعة العربية، خاصة فيما يتعلق بدعم النظام السوري الجديد، أثارت مخاوف الأردن من أن تكون مصر تسعى لتعزيز نفوذها الإقليمي على حساب استقرار المنطقة. هذه التحركات تُعتبر غير قومية لأنها لا تعكس تضامنًا عربيًا واضحًا، بل أولويات مصرية ضيقة.
  • التنازل عن تيران وصنافير: في 2016، تنازلت مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وهو قرار أثار جدلاً داخليًا واعتُبر من البعض تنازلاً عن السيادة الوطنية مقابل الدعم المالي. على الرغم من أن القرار كان جزءًا من تسوية دبلوماسية، إلا أنه أُسيء تفسيره كتحرك غير قومي.

مقارنة بين الدعم السعودي وتحركات السيسي

  • الدعم السعودي: كان الدعم السعودي استراتيجيًا وفي صلب مصلحة مصر، حيث ركز على استقرارها الاقتصادي والسياسي. السعودية لم تفرض شروطاً سياسية صارمة في البداية، بل قدمت مساعدات غير مشروطة لضمان بقاء مصر قوة إقليمية موازنة. على سبيل المثال، ودائع البنك المركزي وتعهدات النفط جاءت دون تدخل مباشر في السياسة المصرية.
  • تحركات السيسي: على النقيض، تُظهر تحركات السيسي، خاصة التقارب مع إيران والموقف من سوريا، طابعًا تكتيكيًا يهدف إلى تعزيز مصالح مصرية ضيقة، مثل الضغط على السعودية لزيادة الدعم أو استعادة الدور الإقليمي. هذه التحركات تُعتبر كيدية لأنها تستغل الدعم الخليجي دون تقديم التزامات متبادلة.
  • التأثير الإقليمي: بينما ساهم الدعم السعودي في تعزيز استقرار مصر، فإن تحركات السيسي، مثل التقارب مع إيران، قد تُعرض هذا الاستقرار للخطر من خلال إثارة توترات مع حلفاء الخليج. كما أن مواقفه من سوريا والأردن لا تعكس رؤية قومية عربية موحدة، بل تخدم أجندات مصرية مؤقتة.

التحديات والتداعيات

توتر العلاقات: تحركات السيسي أدت إلى فترات من التوتر مع السعودية، كما حدث في 2016 بسبب الموقف السوري، وفي 2023 بسبب شروط سعودية لربط الدعم بإصلاحات اقتصادية.

تقرير من صحيفة وول ستريت جورنال عام 2023 أشار إلى أن السعودية بدأت تتبنى نهج “السعودية أولاً”، مما قلل من المساعدات غير المشروطة.

المخاطر الإقليمية: التقارب مع إيران قد يُضعف التحالف العربي ضد النفوذ الإيراني، مما يعرض مصر لخطر فقدان الدعم الخليجي.

كما أن التحركات في سوريا قد تزيد من التوترات مع الأردن، الذي يخشى زعزعة استقراره.

الرأي العام: تحركات السيسي أثارت انتقادات داخلية وإقليمية، حيث يرى البعض أنها تضر بالمصالح القومية المصرية والعربية، وتتهم السيسي بنكران الجميل تجاه السعودية.

خاتمة

لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: إلى أين يمضي السيسي بمصر؟ هل يُعقل أن تتحول القاهرة، بثقلها التاريخي ووزنها العربي، إلى ورقة تُستخدم في مناوشات إقليمية تفتقر للرؤية وتعج بالتكتيك الرخيص؟! التقارب مع طهران، بعد كل ما ارتكبته إيران من جرائم وتدخلات في حق شعوب عربية، لا يُقرأ إلا كخروج عن الإجماع العربي، وطعنة في جسد التحالف الذي أنقذ مصر من الانهيار بعد 2013.

فهل نسي السيسي من قدّم له يد العون حين كانت مصر على حافة السقوط؟ وهل يدرك أن اللعب على التوازنات الإقليمية بهذه الطريقة قد يفقده الحلفاء من دون أن يكسب ثقة الخصوم؟! لقد آن الأوان للسيسي أن يعيد حساباته، ويضع موقع مصر حيث يجب أن يكون، في قلب المشروع العربي، لا على هامشه، لا رهينة للضغوط، ولا مطية لمشاريع مشبوهة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى