تقرير: وسط غياب قانون رادع.. ارتفاع معدلات قتل النساء في غزة

غزة – خاص شهدت الأعوام الأربع الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في جرائم قتل النساء الفلسطينيات تحت ذرائع متعددة، وجاءت ذريعتي ”الشرف” أو “القتل الخطأ” لتسجلان أبرز أسباب القتل خلال الأعوام من 2015-2018، لا سيما في قطاع غزة، الذي يغيب عنه أي قانون رادع لمرتكبي تلك الجرائم. ويحاول القاتلون والذين هم في الغالب من القرابة درجة أولى للضحايا، استغلال بعض نصوص القوانين التي تخفف أحكام العقوبة للمدانين بالقتل لا سيما في الجرائم التي تسجل تحت بند “داعي الشرف” أو “القتل الخطأ”، وهو ما جر حملة غاضبة في صفوف المواطنين الفلسطينيين والمؤسسات الحقوقية والنسوية في قطاع غزة. وأظهرت احصائيات صادرة عن مؤسسات حقوقية فلسطينية في قطاع غزة أن عدد النساء اللواتي قتلن منذ عام 2004، وحتى نهاية عام 2018، بسبب أعمال عنفية وصل إلى 146 امرأة، 51 منهن قتلن بتهمة شرف العائلة، أو القتل بالخطأ. حجج واهية وجاءت آخر تلك الجرائم، الجريمة التي هزت الشارع الفلسطيني عندما أقدم والد الفتاة “فاطمة أبو مهادي” 17 عاماً، من سكان مخيم النصيرات وسط قطاع غزة في 19 يناير الماضي، من قتلها برصاصة في الرأس من مسدسه الشخصي، وطلب من ابنه حمل القضية والاعتراف أمام النيابة العامة أنه هو من قتلها بطريق الخطأ أثناء تنظيفه السلاح. مصادر في العائلة طلبت إخفاء هويتها أكدت لمرصد “منيا” أن من قام بقتل فاطمة هو والدها برصاصة في رأسها من الخلف وخرجت من الأمام بعدما علم أنها التقت بأمها المطلقة وتبادلا أطراف الحديث على هامش حفل عائلي، وهو ما أثار غضبه، جراء حالة البغض الذي يحمله في قلبه تجاه طليقته. وأوضحت المصادر أن أفراد من العائلة قاموا بالتواصل مع الشرطة في محافظة وسط قطاع غزة وطلبوا تقديم إفادتهم بالواقعة، وقدموا بعض الأدلة التي تثبت أن من قتل الفتاة هو والدها وليس أخيها، وكان القتل متعمداً وليس عن طريق الخطأ. الناطق باسم الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة “أيمن البطنيجي” ذكر في حديث مع مرصد “مينا” أن التحقيقات الأولية لجريمة قتل الفتاة “فاطمة أبو مهادي” دلت على أن طلقاً نارياً اخترق رأسها، واعترف أخيها الذي سلم نفسه أنه هو ما أطلق النار عليها بطريق الخطأ. وأضاف: إلا أن مجريات التحقيق أخذت منحاً آخر بعد أن ثبت بما قدمه أفراد من العائلة أن والدها هو من قام بقتلها بطريقة متعمدة، وتم اعتقاله بتهمة القتل وابنه بتهمة تقدم بلاغ كاذب وتضليل العدالة. مقتل الفتاة أبو مهادي سبقه بأيام قليلة وتحديداً في 6 يناير الماضي، مقتل المرأة (إ. ق) 26 عاماً، من وسط القطاع أيضاً برصاصة قال زوجها إنها خرجت من مسدسه بطريق الخطأ أثناء تنظيف السلاح، فيما أقدم والد السيدة “رائدة الأخرس” 42 عاماً بقتلها خنقاً نهاية ديسمبر الماضي، في منزلهم بمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة. ارتفاع معدلات قتل النساء ورصدت العديد من المؤسسات الرسمية والحقوقية والنسوية الفلسطينية حالات قتل النساء في قطاع غزة خلال الأعوام الأخيرة والتي بلغت 44 حالة منذ عام 2015، وحتى نهاية عام 2018، وذلك تحت الذرائع التي ذكرت سابقاً، والتي لا يوجد لها عقوبات مغلظة وفق القوانين المعمول بها. ويفرض قانون العقوبات الأردني رقم 16 لعام 1960، والذي لا يزال يطبق في الضفة الغربية عقوبات مخففة على القتلة في قضايا قتل النساء في إطار العائلة، وتنص المادة رقم 340 من ذلك القانون أن الرجل إذا أقدم على قتل زوجته أو إحدى قريباته من النساء في حال وجدها مع رجل في فراش غير مشروع فإنه يعاقب بالأشغال الشاقة الموقتة لمدة 5-20 عاماً فقط. تعديلات قانونية غير كافية وبعد مناشدات من قبل مؤسسات حقوقية ونسوية للرئيس الفلسطيني محمود عباس لتعديل ذلك القانون وتغليظ العقوبة للقاتل، وذلك في ظل أن بعض الجرائم ترتكب بدون أدلة على الجريمة التي قتلت بسببها الفتاة أو بسبب أخذ القانون باليد، أصدر الرئيس عباس مرسوماً رئاسياً بتعديل المادة رقم 340 من قانون العقوبات لعام 1960، باستثناء جرائم قتل النساء على خلفية الشرف من أحكام العذر المخفف. إلا أن ذلك المرسوم لم يجد طريقه للتنفيذ في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس منذ عام 2007، والذي تطبق في المحاكم الفلسطينية قانون العقوبات رقم 74 لعام 1936، وهو ما يشكل منفذاً لمن يقترفون الجرائم بداعي الشرف أو القتل الخطأ في الإفلات من العقوبات القاسية التي يفترض أن تنزل بهم أمام المحاكم الفلسطينية في قطاع غزة. توعية متواضعة الناشطة النسوية ومديرة مؤسسة الفكر الحر في قطاع غزة “مريم زقوت” أوضحت أن الجهود الفلسطينية الرسمية والأهلية للحد من العنف ضد المرأة بكافة أشكاله وتحديداً جرائم القتل لا تزال في بدايتها وبحاجة إلى المزيد من التظافر للقضاء على مسلسل العنف الاجتماعي والنفسي والجسدي الذي يمارس ضد المرأة في المجتمع الفلسطيني. وأشارت زقوت لمرصد “مينا” إلى أن المؤسسات النسوية قامت في السنوات الأخيرة بالعديد من الفعاليات المختلفة لتسليط الضوء على العنف الذي تتعرض له النساء في المجتمع الفلسطيني، متأملةً أن تؤتي تلك الفعاليات التوعوية بثمارها في انخفاض معدلات العنف الذي تتعرض له النساء الفلسطينيات خلال السنوات المقبلة. وعلى الرغم من التعديل الذي أجري على قانون العقوبات وتحديداً في مادة عقوبة القاتل بتهمة الشرف، إلا أن المؤسسات الحقوقية تطالب الجهات التشريعية الفلسطينية إلى إجراء تغيير جوهري في القانون واعتبار جرائم القتل على الشرف أو عن طريق الخطأ عقوبتها كما عقوبة القتل العمد. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.