fbpx

لماذا سقط (بيام) الإيراني؟ قراءة في السمات المشتركة للصواريخ البالستية الإيرانية

إن التصريحات المستعجلة التي أطلقها مسؤولو الحكومة الإيرانية ومن بينهم جهرمي وزير الاتصال الإيراني، والمواقع الإخبارية المقربة من النظام مثل موقع تابناك حول حدوث “عطل فني” في إطلاق صاروخ “سيمرغ”، وفشله في وضع القمر الصناعي بيام على مداره حول الأرض، يزيد من مقدار الشكوك التي تدور حول ما حدث في حقيقة الأمر. وعلى الرغم من تصريحات السيد جهرمي، فإن فشل صاروخ سيمرغ في إيصال القمر الصناعي (بيام) لمداره المخصص له وتوقف الدافع في مرحلته الثالثة (قبل ٣٠ ثانية من الوقت المحدد)، لا يمكنه أن يُنسب فقط إلى “العيب أو العطل التقني”، و”الإخفاق التقليدي للتجربة الفضائية”، ولا يمكنه أيضا ببساطة أن ينفي وجود بقية الاحتمالات الموجودة، مثل دور القدرة الفضائية للرادع الأمريكي المعروفة باسم «Left of Launch» التي كانت سبباً رئيساً في إفشال عدد من التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية سابقاً. فالمساعي الحكومية الحثيثة لإلصاق فشل مشروع إطلاق القمر الصناعي على صاروخ سيمرغ بالعطل الفني، وكذلك نفي وجود تدخل خارجي، مع تأكيد الأداء الناجح للمرحلتين الأولى والثانية للصاروخ، كانت في الحقيقة محاولات إيرانية يائسة لإظهار أن القدرة الصاروخية الإيرانية فاعلة وآمنة ضد أي رادع خارجي، ولكن هل حدث هذا بالفعل؟. سعت إيران خلال الأعوام الماضية لفصل أسماء الصواريخ العسكرية الإيرانية، مثل (سجيل، ذو الفقار، زلزال) عن الصواريخ التي يجري استخدامها في اختبارات حمل الأقمار الصناعية، واستخدام أسماء ذات صبغة دينية أقل مثل (كاوش، سفير، سيمرغ)، للإظهار للعالم بأن هناك اختلاف بنيوي بين هذه الصواريخ، وتفاوت جذري في طبيعة اختباراتها الصاروخية. ولكن الدول الأوروبية ومن بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا افترضت أن هذا الالتفاف الإيراني، ما هو إلا عملية لتغطية إنتاج الصواريخ البالستية القادرة على حمل رؤوس نووية، وصرحت تلك الدول بأن هذه الاختبارات مخالفة للقرار رقم ٢٢٣١ في مجلس الأمن الدولي. فبعد مدة قصيرة من انتشار خبر إطلاق صاروخ سيمرغ، وفشله في وضع القمر الصناعي بيام على مداره، صرح نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي واصفاً قادة الجمهورية الإسلامية بـ”الكاذبين”، وقال إن هدف إطلاق صاروخ سيمرغ هو محاولة لتطوير الصواريخ البالستية الإيرانية. وفي اليوم التالي صرح أيضاً مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي بأن إيران تسعى للحصول على “القدرات الصاروخية المهددة”. فما حقيقة هذه التصريحات، وما هو مدى صحتها أيضاً؟

  • السمات المشتركة للصواريخ البالستية الإيرانية

منذ نهاية الحرب مع العراق، وبالتزامن مع دخول إيران في ساحة النشاط النووي وتخصيب اليورانيوم ومساعيها لإنتاج البلوتونيوم القابل للمعالجة، قامت إيران بإجراء برنامج واسع لتطوير قدراتها الصاروخية. وفي ظل غياب القوة الجوية الإيرانية الفاعلة بعد الحرب، نُفِّذت سلسلة عمليات إنتاج لصواريخ شهاب ٣ بالاستفادة من المساعدات الفنية الروسية والكورية الشمالية، وهذا الأمر شكل المرحلة الأولى من مشروع إيراني طويل الأمد للوصول إلى قدرات صاروخية كافية من أجل خلق قدرات هجومية وقوة رادعة دفاعية في الوقت نفسه. أما بالنسبة إلى الحصول على تكنولوجيا تصميم الهيكل، وإنتاج محرك صاروخي يعمل على الوقود الصلب بهدف زيادة مدى الصواريخ البالستية الإيرانية، كان المرحلة الثانية من برنامج تطوير الصواريخ الإيرانية، وهذا الأمر كان ملقى على عاتق حسن طهراني مقدم، وذلك بعد نقله من قيادة مدفعية قوات الحرس الثوري، ليتولى منصب وحدة صواريخ قوات الحرس الثوري. لقد كان هدف حسن طهراني مقدم الذي يعرف بـ”أبي الصواريخ الإيرانية” هو الحصول على الوقود الصلب، وإنتاج صواريخ بالستية بعيدة المدى مثل “صاروخ عماد”. فالصواريخ البالستية سواء كانت عسكرية أم صواريخ للاستخدامات الفضائية، تتمتع جميعها بسمات وميزات مشتركة. وللحصول على المدى البعيد يجب على الصاروخ البالستي الوصول إلى ارتفاع ١٦٠ حتى ٢٠٠ كيلو متر عن سطح الأرض على الأقل، والوجه المشترك والسمات المتشابهة بين الصواريخ العسكرية والفضائية هي:

  • الوصول إلى الارتفاع المطلوب عن سطح الأرض.
  • إمكانية حمل رأس (قمر صناعي أو قنبلة).
  • عودة الرأس الصاروخي (أو القنبلة) إلى الغلاف الجوي.

أعلنت إيران سابقا أنها أجرت اختبارات لوضع الرأس في الارتفاع المحدد وعودته إلى الغلاف الجوي، والمعلومات الشاملة عن هذا الموضوع كانت جزءاً من التفاوض الدولي لمنظمة الطاقة الذرية مع إيران. ولكن ما لا يعمله بعضهم أنه في حال الحصول على قدرة إيصال صاروخ فضائي إلى ارتفاع عامودي ٢٠٠ كم، يمكن الحصول حينها على صاروخ بالستي عابر للقارات طويل المدى من خلال تغيير زاوية إطلاق الصاروخ (زاوية أكبر تعطينا مدى أطول). وعلى الرغم من هذا، فخلال مرحلة إنتاج إيران لصاروخ شهاب٣ عد التهديد الصاروخي الإيراني تهديداً إقليمياً محدوداً. ولكن من أجل خلق قدرات دفاعية رادعة في مواجهة التهديدات الدولية، رأت إيران أنها بحاجة إلى تطوير مدى صواريخها القادرة على حمل رؤوس ثقيلة، وكذلك تطوير تكنولوجيا عودة الصاروخ إلى الغلاف الجوي والأرض ليصيب هدفه المحدد. وقد بدأ بالفعل البرنامج الفضائي الإيراني في بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وذلك قبل مقتل حسن طهراني مقدم في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠١١ في إثر تفجير حصل في أحد المراكز العسكرية لقوات الحرس الثوري في منطقة كرج، ولكن بعد توقف دام سنوات عدة، جرت متابعة هذا البرنامج بشكل جدي وحقيقي في نهاية عام ٢٠١١. وكان هدف البرنامج الفضائي الإيراني وضع قمر صناعي على مداره حول الأرض، حيث كان الصاروخ البالستي سفير ذا المرحلتين أول مسعى مثير للاهتمام في هذا الصدد. أما عن صاروخ سيمرغ ذو المرحلتين الذي صُنع باستخدام أربعة محركات صاروخية تستخدم الوقود السائل المستخدم في صاروخ شهاب ٣، فقد كان استمراراً لتطوير صاروخ سفير، وخطوة في طريق رفع قدرة الصاروخ على حمل الرؤوس الثقيلة (قمر صناعي ذو وزن أكبر مع زيادة في مدى الصاروخ)، ولكن بفشله الفني الأخير “كما يصرح الإيرانيون” يبدو أن صاروخ سيمرغ لم يصل إلى هدفه المحدد حتى الآن. أما المرحلة النهائية لصنع صاروخ فضائي إيراني فقد كانت صناعة صاروخ “عماد” الذي يعتمد على ثلاث أو أربع مراحل باستخدام محركات صاروخية تعمل على الوقود السائل في المرحلتين الأوليتين، وعلى الوقود الصلب في المرحلتين النهائيتين، إضافة أيضاً إلى قدرة الصاروخ على وضع قمر صناعي بوزن ١٠٠ كيلو غرام على ارتفاع ١٠٠ كيلو متر عن سطح الأرض. الدول المحتجة على النشاط الصاروخي الفضائي لإيران، تقول بأن هدف وضع قمر صناعي على ارتفاع ٥٠٠ أو ١٠٠ كيلو متر عن سطح الأرض، هو في الحقيقة مسعى لصنع صاروخ بالستي عابر للقارات يتمتع بمقدرة على حمل رؤوس نووية، وقدراته تشبه إلى حد كبير قدرات الصواريخ الكورية الشمالية. وهذا الأمر واضح وجلي جداً كما بينّا سابقا في أوجه التشابه بين الصواريخ العسكرية والفضائية (الصاروخ الفضائي يصبح بالتسي عابر للقارات مع تغيير زاوية الإطلاق).

  • لماذا سقط بيام الإيراني؟

منذ عام ١٩٨٥ وحتى الآن -وفقا للإحصاءات الموجودة- أنفقت الحكومة الأمريكية حوالى ٢٠٠ مليار دولار لتطوير قدرات مواجهة التهديدات الصاروخية، وذلك إضافة إلى التكلفة الداخلية الخاصة بمنظمة الدفاع الأمريكية. وفي آذار/ مارس ٢٠١٥ تحدث وزير الدفاع الأمريكي في ذاك الوقت العميد راي أوديرنو عن إنجاز دراسات جديدة من أجل تطوير القدرات الدفاعية الصاروخية الأمريكية بهدف هزيمة التهديدات الصاروخية الموجهة ضد الولايات المتحدة وحلفائها. وفي العام نفسه أفادت وسائل الإعلام الأمريكية عن وجود قدرات دفاعية صاروخية جديدة لدى الولايات المتحدة تعمل على تكنولوجيا «Left of Launch». وتستند هذه التكنولوجيا الجديدة إلى توجيه ضربة استباقية مع تكنولوجيات غير حركية جديدة، مثل الانتشار الكهرومغناطيسي، وكذلك توجيه القوة الهجومية كلها إلى هذه التكنولوجيا لهزيمة التهديدات الصاروخية البالستية النووية. وتتمثل الاستراتيجية في مهاجمة التضمين الإلكتروني، أو اختراق توقيعات الرادار الإلكترونية لأنظمة القيادة والتحكم ونظم الاستهداف الموجودة في الصواريخ البالستية المهددة. وأبرز مثال على استخدام الولايات المتحدة لهذه التكنولوجيا ونجاحها هو إسقاطها المتكرر للصواريخ الكورية الشمالية. ففي شهر نيسان/ أبريل ٢٠١٧ توقف صاروخ كوري شمالي مجهز بمحرك صاروخي يعمل على الوقود السائل (نوع محركات صواريخ السكود نفسه الذي يعدّ أباً لصاروخ شهاب ٣ المصنوع في إيران) عن العمل فجأة، ما أدى إلى سقوط الصاروخ، ووجدت قطعه المتناثرة بالقرب من مدينة سينبو في شرق شبه الجزيرة الكورية. ودعونا لا ننسى أن كوريا الشمالية التي ساعدت النظام الإيراني إلى جانب روسيا في تطوير برنامجها الصاروخي كان لديها أكثر من ستة تجارب صاروخية فاشلة، ومن بينها يمكن ذكر مساعيها لإطلاق صاروخ من داخل غواصة تحت البحر خلال السنوات الثلاث الماضية. لكن عام ٢٠١٨ وافقت على إجراء مباحثات مع الولايات المتحدة من أجل الحد من قدراتها الصاروخية ونزع سلاحها النووي. وعلى ما يبدو أنه في ظل الأوضاع الدولية الحالية، حيث تعدّ كل من الولايات المتحدة وإسرائيل البرنامج الصاروخي الإيراني تهديداً لأمنهم الخاص فإن تكنولوجيا مثل «Left of Launch» تتصدر أبرز الاحتمالات لوجود تدخل خارجي في إفشال إطلاق بيام الإيراني، وذلك بهدف حد البرنامج الصاروخي الإيراني أو إيقافه. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى