أخر الأخبار

من تناقضات السلطة الحالية

غسان المفلح

لايزال الاعلام يتحدث عن مطالب أمريكا من السلطة الجديدة في دمشق. من بين هذه المطالب، إبعاد المقاتلين الأجانب، وهو ما يشكل إشكالية للسلطة الجديدة تمس قاعدة الرئيس الشرع السياسية والعسكرية، وتتعلق بأفراد وجماعات من الصعب السيطرة عليهم أو ضمان تعاونها.

لكن ذلك لا يمنع أن يقدم الشرع حلولا قد تقبل بها الولايات المتحدة، بينها أن يضمن السيطرة على المتشددين في البلاد.

سأبدأ من هذه الإشكالية أو هذا التناقض الذي يواجه الرئيس الشرع. منذ أكثر من عقد ونصف سالت أحد الأصدقاء من قيادات الاخوان المسلمين في سورية: لماذا لا تتبنى جماعة الاخوان المسلمين في سورية نموذج حزب العدالة والتنمية التركي؟ والتخلي عن اسم الجماعة في ظل خصوصية الوضع السوري والاسلاموفوبيا في تلك الفترة، طالما أنكم تدعمون التجربة وتعتبرونها نموذجا في دافعكم عن النشاط الإسلامي السياسي؟ فاجأني جوابه حينها. أجابني: أوافقك الراي لكن لا نستطيع وإلا ستتخلى عنا قاعدتنا الشعبية هذا من جهة، ومن جهة أخرى وجودنا في المعارضة للأسد يضعف موقفنا الآن في حال لو تخلينا عن الاسم.

هذا وجه آخر للتناقض الذي تعيشه بعض الحركات الإسلامية عموما وفي سورية خصوصا. خاصة وان غالبية المجاميع السياسية والفصائلية حول الشرع هي ذات توجه اسلام سياسي. فكيف سيحل الشرع هذا الملف؟ خاصة إذا علمنا أن هنالك دول تستثمر أيضا في هذا الملف حتى اللحظة!

تصير المهمة أصعب. لهذا أمام الشرع عمل كبير وخطر بنفس الوقت.

باعتقادي الشرع ودائرته المقربة وفقا لمعلوماتي المتواضعة، تسعى لدعم سلطته من قبل كتلة وطنية من كافة المكونات السورية، وهذا لا يتماشى مع بعض المجاميع الإسلامية المتواجدة في المشهد السوري، فصائلا وشخصيات وتيارات سياسية.

لا تظهر الآن خلافاتها للعلن، لكن هذه التقية في إخفاء الخلافات لن تبقى تحت الطاولة كثيرا. لو استطاع الشرع السيطرة عليها، وفقا لتوجهه الخارجي على الأقل، سيعزز من الحضور الإيجابي للسلطة ولسورية في الخارج والداخل.

الخوف كما ذكرت في مقال سابق أن تنفلت الأمور من يده، ويعود مضطرا للمساومة معهم. المفارقة يمكن أن تنتج هذه الصراعات اتفاقات بينية تؤدي إلى الاحتكام إلى شكل من اشكال صناديق الاقتراع، وقيام نظام ديمقراطي. هذه مفارقة تناقضية مهمة في وضع السلطة.

وأثناء كتابة هذه المادة صرح السيد مرهف أبو قصرة وزير الدفاع السوري تصريحات تعبر عن هذا التناقض، حيث طالب التزام الفصائل بالانحلال الكامل في وزارة الدفاع.

https://shorturl.at/eydAE

نأتي لتناقض آخر من ضمن المطالب الصعبة لترامب كما أتى في كثير من وسائل الاعلام، مسألة التطبيع مع اسرائيل التي استهدفت الترسانة العسكرية السورية بمئات الضربات الجوية منذ إطاحة الأسد وتوغلت في جنوب سوريا، عدا عن احتلالها أجزاء من الجولان منذ 1967.

ويمكن للشرع أن يظهر أنه لا يرغب بالحرب مع اسرائيل، ويواصل إرسال إشارات إزاء استعداده للانخراط في محادثات سلام معها، في خطوة قد لا ترقى الى تطلعات ترامب لكنها مهمة.

هل يستطيع الشرع إقامة سلام مع إسرائيل دون استعادة الجولان؟ هذا يضع سلطة الشرع تحت ضغوط داخلية وخارجية كبرى.

فكيف سيحل هذا التناقض؟ هل يحله بتعاون امريكي إسرائيلي معه باستمرار حالة اللاحرب واللاسلم التي أسسها حافظ الأسد مع هنري كيسنجر منذ عام 1974 تاريخ اتفاقيات الفصل، التي خرقتها إسرائيل منذ سقوط الأسد؟ تناقض لايزال بحاجة إلى حل خاصة أن المجاميع الداعمة له قسم منها متشدد في موضوع الجولان.

في هذا المجال ما يثقل على السلطة الحالية في هذا السياق الاشكالي أيضا، يثقل على سلطة عمرها ستة أشهر: الاسدية البائدة منذ عام 1967 واحتلال إسرائيل للجولان، وحتى تاريخ سقوطها 8 ديسمبر 2024، ستة عقود راكمت إسرائيل سيطرة نفوذية واضحة على المجال السيادي السوري.

هذه ليست مشكلة الشرع ولا سلطته. لكنها قضية بالغة الأهمية من حيث أن هذه السلطة لا تجد بين يديها أية رصيد لمقاومة هذا النفوذ” التراكمي الاسدي الإسرائيلي” ومن أجل سلام حقيقي ومستدام يستعيد الجولان.

ستون عاما والمجال الجوي السوري مستباح تماما، ستون عاما وإسرائيل تقف سدا منيعا أمام أي تغيير يمكن أن يقوم به الشعب السوري للأسدية. من خلال دعمها في المحافل الدولية والأمريكية لهذا التوجه.

الذي لا تريده ولا تريد خرقا لمعادلة اللاسلم واللاحرب التي كانت شبه اتفاق ضمني وعلني بالآن معا لإخراج الفعل السوري من هذا السياق الذي يمكن له أن يفرض سلاما تستعيد سورية من خلالها الجولان المحتل.

ستون عاما وإسرائيل تحتل الجولان، ضمن وقائع إسرائيلية مغطاة اسديا ودوليا، وليست سورية لكي تموت قضية الجولان بالتقادم من خلال السيطرة التراكمية هذه. بعيدا عن التوجه الأمريكي قليلا والذي لم تتضح معلمه بعد بما يخص هذا الملف، حيث كما نعرف أن ترامب اعترف في ولايته السابقة أن الجولان ارضا إسرائيلية.

من مصلحة إسرائيل أن تستمر سورية غارقة في اشكالياتها الداخلية، كي تبقى قضية الجولان في حالة موات بالتقادم خاصة في ظل ميزان قوى كاسح عسكري وسياسي لصالح إسرائيل. وبالأخص أن الاسدية تركت الدولة السورية على الحديدة كما يقال. فكيف ستحل السلطة هذا التناقض؟

جملة من التناقضات تعترض السلطة في دمشق سنحاول القاء الضوء عليها تباعا. لكن مجمل هذه التناقضات تواجهها أية سلطة كانت يمكن ان تحل محل الاسدية الساقطة.
غسان المفلح


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى