نظام الملالي؛ إذا لم تشترِ فالفرجة بالمجان
خاص: مرصد مينا أشعلت التصريحات الأخيرة لوزير الخارجيَّة الإيراني “محمد جواد ظريف” عاصفةً من الانتقاداتِ من قبل التيَّار المتشدِّد في إيران، أو بالأحرى عصابة “علي خامنئي” التي اتهمها “ظريف” مؤخراً بالقيام بعمليَّات غسيل أموال واسعة تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات، وصرف ملايين الدولارات على عمليَّات الدعايَّة والترويج، وحشد الأجواء في الداخل الإيراني ضدَّ قانون مكافحة تمويل الإرهاب. في الحقيقة، إنَّ تصريحات “ظريف” أشعلتْ حرب العصابات الحاكمة في إيران، وجعلتْ الجناحين الحاكمين في إيران يصطفان ضدّ بعضهما؛ في مشهدٍ مدهشٍ ومثيرٍ للاهتمام، إذ بدأ كلّ طرف منهم يدلي بدلوه أمام الإعلام ليكشف قبح الطرف الآخر. بدأت المناوشة الأولى من جانب السلطة القضائيَّة في إيران، وبناءً على الآيَّة القرآنيَّة التي تقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا. (الحجرات: 6). طالبتْ السلطة الشرعيَّة في إيران “جواد ظريف” بتقديم إثبات ودليل على تصريحاته، وأمهلته في ذلك عشرة أيام. ثم إنَّ قساوة تصريحات “ظريف” جرحت مشاعر رئيس السلطة القضائيَّة في إيران، ووصل به الأمر إلى وصف تصريحات ظريف بأنَّها “خنجر في قلب النظام”، بل وصلت بعضو في البرلمان الإيراني؛ تابع لعصابة خامنئي المدعو “قدوسي كريمي” إلى تجريم تصريحات “ظريف” قائلاً: إنَّ “هذه التصريحات تعني أنَّ الأشخاص الذين يقومون بعمليَّات غسيل الأموال مرتبطون بالمؤسسات الحكوميَّة القويَّة”. وفي الوقت ذاته، جمع أعضاء عصابة خامنئي في البرلمان الإيراني التوقيعات من أجل عقد جلسة استيضاح لوزير الخارجيَّة في البرلمان؛ بينما ذهب عضو برلماني آخر يُدعى “محمد دهقان” إلى اتهام وزارة الخارجيّة الإيرانيّة بقيادة “محمد جواد ظريف” بـ “الاختلاس والفساد”، ويقول: “لقد قامت الحكومة بتخصيص مئات ملايين الدولارات من أجل رحلات السفر الخارجيَّة العاديَّة ورحلات السِّياحة..” (نقلاً عن وكالة أنباء البرلمان الإيراني). ليأتي بعدها “ظريف” ويتهم بأسلوب غريب وعجيب الجمهورية الإسلاميَّة بـ”غض النظر عن عمليَّات غسيل الأموال”، ويتهم أيضاً معارضي قانون مكافحة تمويل الإرهاب بـ”الارتباط بالأشخاص الذين يقومون بغسيل الأموال في البلاد”. ولكن في الجانب الآخر، لم يترك أفراد عصابة “روحاني” وزير الخارجيَّة وحيداً في الساحة، بل أقدم ثلة منهم على تأكيد تصريحاته، ودعمها بالأدلة والبراهين التي استقوها من مركز الإحصاء في إيران؛ فمرتضى سرمدي نائب وزير الخارجيَّة الإيراني يُؤكد وجود عمليَّات غسيل أموال في النظام بقوله: إنَّ “رقم تهريب البضائع، والمخدرات، والمحروقات في إيران يُقدَّر من ١٠ حتّى ١٥ مليار دولار حيث أنَّ قسماً كبيراً من هذا المبلغ يدخل في النظام المالي في إيران عن طريق غسيل الأموال”. وهذا الكلام صحيح بالفعل، فأغلب المخدرات التي تُنتَج في أفغانتسان، يُباع قسم منها في إيران، أمَّا القسم المتبقي، فتتشرف قوَّات الحرس الثوري على تهريبه إلى أوروبا والدول العربيَّة الغنيَّة. وفي الصدد نفسه، يقول “محمود واعظي” رئيس مكتب روحاني داعماً تصريحات ظريف: إنَّ “هذا الموقف ليس محصوراً بظريف فقط، بل هو موقف الحكومة أيضاً، وأنا آسفٌ من أنَّه على الرغم من موقف وزير الخارجيَّة الصحيح، فإنِّي أجدُّ عدداً من الأشخاص الذين يُهاجمونه بسبب عدائهم السابق معه”. وفي خضم هذا الصراع المحتدم، يُجبر أخيراً الرئيس الإيراني “حسن روحاني” على الظهور في المشهد؛ بسبب اشتداد حدّة الصراع بين هذه العصابات، ولكنَّه هذه المرَّة امتلك الجرأة على تأكيد تصريحات “ظريف”، ولكن بشكل مُخادع كعادته، وذلك كي لا يُثير سخط عصابة خامنئي عليه، وبخاصَّة أنَّه -كما يقول المثل الشعبي- (صوفته سوداء عند خامنئي) الذي اتهمه سابقاً بأنَّه هو من دفع البلاد إلى الوثوق بأمريكا والدول الأوروبيَّة لعقد الاتفاق النووي الذي كان أوله عسل وآخره علقم على نظام الملالي. وفي اجتماع لمجلس الوزراء عُقد في ٢١ تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري يقول “روحاني”: “لماذا نتصارع على مسائل واضحة؛ نعم العالم كله يُعاني غسيل الأموال… أثبتوا لي أنَّ هناك دولة واحدة لا يحصل فيها غسيل للأموال”. وقد يتساءل بعضهم عن سبب احتدام الصراع بين هذه العصابات إلى هذا الحدِّ الكبير، وكما يقول رئيس إيران: “جميعنا يجب أن نسعى لتقليل المفاسد، وإغلاق الطريق أمام عمليات غسيل الأموال، لماذا نتجادل ونتباحث بهذا القدر كله؟”. لكن في الحقيقة، هناك ما تُخفيه السطور، وهذا أمر يُبيِّن مدى عُمق الأزمة التي يُعانيها نظام الملالي؛ فعصابة “روحاني” تعدّ موضوع إلحاق إيران بلائحة مكافحة تمويل الإرهاب (CFT) أمراً ضروريّاً وملحاً من أجل المحافظة على الاتفاق النووي، وتفعيل آليَّة العمل الماليَّة الخاصّة مع أوروبا، وكذلك من أجل استمرار التعاون المالي مع البنوك الصينيَّة، والهنديَّة، والروسيَّة أيضاً. وإلحاق إيران بتلك اللائحة أمرٌ ضروريٌ لوصول إيران إلى الإمكانات الماليَّة الدوليَّة لا سيَّما بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وإعادة فرضها للعقوبات في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. أمَّا بالنسبة إلى عصابة خامنئي فحساسيتهم من تصريحات ظريف، ومعارضتهم الشديدة لإلحاق إيران بتلك اللائحة يعود إلى سبيين رئيسين أحدهما داخلي والآخر خارجي. السبب الداخلي، هو أنَّ تصريحات “ظريف” كشفت مدى فساد الأقليَّة الحاكمة في إيران، فهجوم السلطة القضائيَّة في إيران على ظريف بهذا الشكل كان بتوجيه من “علي بابا الكبير” (خامنئي) الذي تتبع له، وبشكل مباشر عشرة مؤسسات اقتصاديَّة كبيرة في إيران، وهذه المؤسسات معفية تماماً من دفع الضرائب ولا تُقدِّم أيَّ تقرير عن إيراداتها، وربحها للبنك المركزي الإيراني. والجدير بالذكر هنا، أنَّ قوَّات الحرس الثوري في إيران لديها مؤسسات، ومُنظَّمات اقتصاديَّة لا تملك أيّ سجل حكومي، أو سند رسمي في البلاد، ووفقاً للإحصاءات المختلفة، فإنَّ الحرس الثوري يمتلك ما بين ١٠٠ إلى أكثر من ٥٠٠ شركة اقتصاديّة في إيران؛ فضلاً عن امتلاك الحرس الثوري ٤٩ مليون حساب مصرفي برمز وطني غير صالح، وأكثر من مليون حساب مصرفي بمعرّفات غير صالحة، وأكثر من ٣ ملايين حساب فاقد للمعرّفات الماليَّة في إيران، وذلك وفقاً لتقرير البنك المركزي في إيران. أمَّا السبب الخارجي، فهو أنَّ إلحاق إيران بلائحة مكافحة تمويل الإرهاب لا يضع عقبات أمام عصابة خامنئي في المستوى الداخلي فحسب، بل يمكن أن يخلق عقبات كبيرة أمام دعم إيران لميليشياتها الإرهابيَّة في المنطقة، وأبرزها ميليشيات حزب الله اللبناني؛ فإيران لم تكشف حتّى اليوم عن طرق نقل الدعم المالي إلى حزب الله، وبقيَّة الميليشيات التي تحظى بدعمها في المنطقة. وهذا ما أكده صراحةً “أحمد سالك” عضو لجنة ممثلي المحافظات في البرلمان الإيراني في حديث له مع موقع “بيت الأمة” بقوله: “بعد التحاق إيران بلائحة مكافحة تمويل الإرهاب سيجري تعريف حزب الله بوصفه مجموعة إرهابيَّة”. خلاصة القول: إنَّ مستوى الذم والقدح بين العصابات الحاكمة قد وصل ذروة جديدة في الآونة الأخيرة، فثمة حرب ضروس تدور بين ملالي طهران اليوم، باتتْ تُهدد صرح هذا النظام. واستمرار الصراع على السلطة، والتآمر بين عناصر المافيات سيقوِّض نظام الملالي، وسيصل به إلى نقطة النهاية، فمن المحتمل أنْ يُصاب بشلل، في الوقت الذي يُواجه فيه استياءً شعبيّاً عاماً وتراجعاً اقتصاديّاً كبيراً. وبما أنَّ المكر السيء لا يُحيط إلّا بأهله، فها هي اليوم آيات الله في طهران قد تفرَّقت، ووقع كيدها في نحرها بعد أن دمَّروا المنطقة وذبحوا شعبها وشردوا أهلها، إيران اليوم بركان على وشك الانفجار وكلَّما كان انفجاره سريعاً كان أفضل بالنسبة إلى الشعب الإيراني وشعوب المنطقة. – مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.