fbpx

حكاية البنت "شريهان رشو" والموت الأسود يتربصها من شنكال إلى إدلب

نقلاً عن مجلة “زهرة الزيتون” كطرائد تائهة في ساحات القتل، عاشت “شريهان رشو” الناجية الإيزيدية فصول رعبها بعد اقتحام تنظيم داعش مدينتها “سنوني” في قضاء “شنكال” الموطن الاصلي للإيزديين في العراق صيف 2014، وباعوها مع آلاف الأيزديات في العراق وسورية. من عالم الوحشية والإبادة تنقل لنا “شريهان” حجم المأساة التي لاقتها تحت وطأة مجرمي داعش، والبداية كما ترويها كانت على يد الشيخ “سالم الجزراوي وأيوب” اللذين أفرغا سبع وعشرين طلقة من رشاشيهما في جسد أمها ” كلي” وأمام عينيها  حين حاولت الأم منعهم من أخذ ابنتها فبادرت إلى قتل مسلح من داعش وجرح آخر بمسدس زوجها الذي خبأته بين ثيابها كما تتحدث رشو لـ”مينا” وتضيف: “ترقبتنا دورية لمقاتلي داعش في سيارة حمراء نوع : بيك آب” عند مفرق مدينة “سنوني” في طريق هروبنا وأمي وشقيقي “سالم” المعاق وجارتنا “هيام” قاصدين طريق الجبل للاحتماء به، لكنهم اوقفونا وقتلوا والدتي واقتادونا نحن الثلاثة كرهائن إلى “خانصور”. رحلات مهينة: تدرجت “شريهان” مع مئات الأيزديات من النساء والأطفال في رحلات شاقة وقاسية بين “تل قصب، وكوجو وتل بنات ورمبوسي” عانت خلالها للضرب المبرح بالسياط والعصي والحرمان من الطعام والشراب فترات طويلة على يد التنظيم المتشدد وتتابع: “فرقت النساء والبنات بمختلف الأعمار والأطفال في حافلات اتجهت بهم إلى دروب مجهولة ومصائر مخيفة”. أبو هاجر وأبو موسى وأبو حمزة كانوا أوائل تجار الرقيق ممن وقعت “شريهان رشو” في شباكهم، فأجبروها وتسع عشرة شابة إيزدية على ارتداء ثياب خليعة، وزجوهن في أسواق النخاسة كسبايا في “العراق” قبل ترحيلها مع خمس عشرة إيزيدية في أول وجبة من “كوجو” إلى “الرقة “السورية، وحجزوها في مزرعة بطابقين فيما يدعى (مركز الخلافة) في سورية وتقول: ” الطابق السفلي كان مكتظاً بمئات من مقاتلي داعش، بينما حجزونا نحن الفتيات في الطابق العلوي ومعظمنا من “كوجو”. اغتصبني أبو سعيد كشفت “شريهان” لـ”مينا” عن أول عملية اغتصاب تعرضت لها على يد أبي سعيد الذي اصحبها من المزرعة وأخذها إلى بيته، فبقيت فيه وحيدة لثلاثة أشهر قائلة: “محال أن أنسى تلك اللحظة المقيتة التي سرق فيها أبو سعيد السافل عذريتي عندما اغتصبني ولم أتجاوز حينها السادسة عشرة من عمري ثم أجبرني على ارتداء ثياب شبه عارية، والتقط لي صوراً وأعادني إلى العراق مجدداً لأعرض للبيع في أسواق نخاسة أبي عبد الله وأبي أنس العراقي، وأبي خطاب الجزراوي، واشتراني أبو ناصر الشامي الذي أعادني ثانية إلى الرقة وعشت مع زوجاته شهراً ونصف كخادمة، دون أن يتوانى الشامي هو أيضاً عن اغتصابي حتى حملت منه “. ورغم حملها لم يرأف بها أبي ناصر وزوجاته بل تناوبوا على ضربها وإهانتها كما تتحدث: “حين علم مالكي بحملي، لكم بطني بحذائه العسكري الضخم لكمة قوية أسقطت الجنين من أحشائي وتسببت لي بنزف حاد لأيام، حينها تمنيت الموت لعلني من عذابي لاسيما أن زوجاته كن يجبرنني على خدمتهن لساعات طويلة ويحرمنني من الطعام ويصفنني بالكافرة وأن علي الصيام أياماً عديدة “. الرعب في الموصل: تستدرك رشو قصة حجزها مع أربع إيزديات في بيت أبو أحمد الجزراوي الكائن على طريق الموصل قرية “النور” الجزء الرابع، بعد أن اشتراها الأخير من الشامي في الموصل وتضيف: “نساء بعباءات سوداء كن تزرننا، مهمتهن إلباسنا ثياباً تظهر كل مفاتننا، وتبرجننا وتحضرننا لعمليات بيع جديدة في وقت كثف فيه التحالف الدولي غاراته الجوية على الموصل.. كانت تدك المدينة ليل نهار بالصواريخ التي كانت تنهال شظاياها علينا من نوافذ البيت وسط الرعب والخوف في كل مرة “. عمليات بيع لم تعد تحصيها الشابة الإيزيدية بين أسواق الموصل والرقة.. عاشت الذل تحت سياط دولة الخلافة وتعنيفهم الجنسي والنفسي المروع لها، كل هذا دفعها إلى محاولة الانتحار مراراً وتكراراً دون أن تنجح كما تقول. اغتصاب طفلة: ماتزال ذاكرة شريهان مبللة بصور أبي معاذ التونسي وأبي عبد الرحمن الأردني وأبي سارة العراقي الذين نشطوا في بيعها مراراً في الرقة. وكم تفاجأت شريهان عندما اصطحبها “عبد الرحمن الأردني” إلى بيته بوجود طفلة إيزيدية لديه لم تتجاوز العاشرة من عمرها.. انها شيماء هذه البريئة التي لاقت الأمرين عنده فكان قد ربطها بسرير ليتناوب على اغتصابها مرات ومرات، فتسبب لها بنزف حاد كاد أن يودي بحياتها. بيع شريهان لإدلب بدت ملامح “شريهان” حزينة وشحوبها بادياً على عينيها المخنوقتين بحرقة الدموع وهي تعبر بنا لرحلة عذاب مع الوجه الآخر لداعش وهو “جبهة النصر” بعد أن باعها الأردني إلى تاجر رق في مدينة إدلب عبر بها من الرقة إلى ريف حماة وصولاً إلى جبل الزاوية فإدلب، فهو حسبما توضح كان مسؤول سجن المدينة وتقول واصفة زنزانات الجحيم : “كان سجناً كبيراً جداً، تشق عتماته أصوات المحتجزين فيه من رجال تعلو صرخاتهم من الألم في كل دورة تعذيب، وحتى نساء مسيحيات لم تسلمن من عذابات بوابات الجحيم تلك، فصرخاتهن كانت ترتطم بجدران السجن وهن يستنجدن بالقديسة “مريم” لتنقذهن من عذاباتهن، والسجانون من النصرة كانوا يواصلون انتهاكهم لنا تحت سياط الضرب والتهديد والوعيد وهم يضربوننا بالعصي حتى تنكسر على أجسادنا دون رحمة وهم يصفوننا بالكافرات “. “كنت خائفة جداً لاسيما حين كانت تدك مقاتلات حربية المدينة بالصواريخ والقنابل، فأصواتها القوية كانت تخطف أرواحنا من الرعب، وبعد كل دورة تعذيب يرمونني على أرضية زنزانة منفردة لأكثر من شهرين، فرضخت لطلبهم وأسلمت، وتأملت الحصول على فرصة نجاة من جهنم”. وتزيد: “باعونا نحن السجينات لمقاتلي جبهة النصرة بمبالغ تراوحت بين الـ 6 والـ 7 آلاف دولار، ليرميني قدري في صفقة بيع لأبو عمر الأدلبي وهو مسؤول بارز في النصرة الذي اصطحبني إلى بيته في جبل الزاوية الذي عاش فيه بمفرده.. كان يتغيب عن المنزل ثلاثة أيام في الشهر يقضيها في جبهات القتال”. وأشارت: “واظبت على الصلاة والصيام وقراءة القرآن حتى كسبت ثقة الأدلبي فأعطاني هاتفاً نقالاً وعمل لي حساباً على الفيس بوك.. وجدتها فرصتي الثمينة في العثور على عائلتي، واعتبره هو أيضاً فرصته في ابتزاز أهلي مادياً، وبدوري جهدت في البحث عن صفحات يكنى أصحابها أنفسهم باسم شنكال كي يتسنى لي عن طريقهم العثور على أرقام عائلتي أو حساباتهم على الفيس بوك، وعثرت على صفحة “صباح الشنكالي” الذي ساعدني بعد تواصلي معه الوصول إلى صفحة شقيقي “أمين”. تحرير شريهان بـ 13 ألف دولار استدل “صباح شنكالي” على عنوان أمين شقيق شريهان الذي كشف لـ “مينا” عن تواصله مع أخته عبر الواتس أب والفيس بوك والتي ناجته متوسمة أن يسرع في تحريرها قبل أن يبيعها أبو عمر الأدلبي. يقول أمين أنه جاء إلى مدينة القامشلي، ونجح في العثور على مهرب لتحرير أخته  والذي طالبه بمبلغ 13 ألف دولار مقابل انقاذها بعد تنسيقه مع مهرب آخر في جبل الزاوية، والذي تمكن من تحديد عنوان المنزل الذي تتواجد بداخله شريهان من خلال الصور التي كانت ترسلها (رشو) لمعالم الشارع والمكان الذي فيه والتي تلتقطها  خلسة من كاميرا الهاتف من نوافذ المنزل ومن فوق سطحه وأرسلتها إلى شقيقها الذي أرسلها بدوره إلى المهرب خلال فترة غياب الإدلبي ويضيف: “طلبت من شقيقتي الخروج من البيت وركوب سيارة بيضاء مركونة أمام المنزل، حيث ينتظرها المهرب الذي نجح في إخراج شريهان من ذاك الجحيم وأوصلها لأقرب نقطة لأحد حواجز وحدات حماية الشعب الكردية، وهم من تبنوا إيصالها بعد أسبوع من مدينة القامشلي إلى شنكال فيما بعد، فكنا بانتظارها هناك قبل حوالي شهرين”. رغم تحرير مئات الإيزيديات تستمر معاناتهن حتى اليوم مع غياب آليات حقوقية ودولية لعلاج الآثار النفسية، والجسدية التي تعاني منها المختطفات من قبل تنظيم داعش الذي سبى 6413 شخصاً وفقاً للإحصائيات الرسمية لمديرية الشؤون الإيزيدية في اقليم كردستان العراق، والتي نشرتها على موقعها الرسمي، حرر منهم حوالي 3 آلاف من النساء والأطفال، وبحسب تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة العفو الدولية المعنيتين بحقوق الانسان، تعرضت مئات النساء والفتيات الإيزديات إلى الأسر والاغتصاب والتعذيب، وأجبرن على اعتناق إسلام خاص بداعش والزواج من أعضائه، وجاء في تقرير المنظمة أن داعش أسر فتيات عمرهن أقل من 12 سنة وأن عدداً كبيراً من النساء والفتيات حاولن الانتحار هرباً من فظاعة الأسر والتعنيف الجنسي. وتبقى قصة شريهان واحدة من مئات قصص الإيزيديات اللواتي خطفن واغتصبن وبعن في عصر سكبت ملامح رعبه في وجوه ونفوس بنات في عمر الطفولة وشابات لم تصدقن أنهن تخلصن من كابوس داعش. هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى