كلو الهواء أيها السادة
هو الوجه الآخر لباريس، وحتماً لا نعني باريس كي دوسيه، بل باريس “العشش” والعشوائيات، والبشر من فاقدي الأمل، واليوم، هؤلاء ينتفضون لمقتل شاب على يد الشرطة الفرنسية، والشاب من أصول جزائرية.
بالعربية يقول المثل “ليست رمّانة، إنها قلوب مليانة”، وفي الإيرلندية مثل يستكمله “البطون الفارغة ثقيلة”، وبكل اللغات ثمة أمتين “أمّة العشة” و “أمّة القصر” على حد تعبير الراحل أحمد فؤاد نجم، وباريس هي الامّتين، أمّة ماري أنطوانيت وكانت قد نصحت جماهير الجوعى بـ “الكعك” بديلاً عن الخبز، وأمّة الفتى الجزائري سليل عائلة الما عانت من بنادق الفرنسيين، فيما اختارت له أقداره أن يعيش الوجه الآخر لباريس ونعني “عشوائياتها”.
عشوائياتها التي لت تلتفت لما تشتهر العاصمة الفرنسية باريس به، باريس الموصوفة بأنها واحدة من أهم الوجهات السياحية في العالم، ولطالما صنفت بأنها عاصمة الأناقة والجمال”.
الولد الجزائري هذا يعيش “الخرابة”، وفي الخرابة ليس ثمة سوى افتقاد الامل وتداعيات اليأس، وفي باريس الكثير من أمثاله وقد يتسنّى للسائح الراغب في اختبار الآلام أن يلتقط صوراً لقرية “روما” التي أقامها الغجر في باريس ؛ وسط أكوام من القمامة والخردة في مشهد صادم لا يتناسب مع سمعة المدينة الراقية.
بيوت متلاصقة مصنوعة من الخشب وما تيسر للسكان من مواد بسيطة، ويبدو مظهرها وكأنها هاربة من إحدى المدن الأشد فقراً في العالم .. اطفالها يلعبون بين المنازل المغطاة بالقماش المشمع، في الوقت الذي يمارس ذووهم حياتهم اليومية البائسة في المخيم الذي أقيم على خط سكة حديدية مهجورة، بالقرب من الطريق الدائري في واحدة من أرقى المدن الأوروبية.
ووصف العديد من السياسيين الفرنسيين، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الاشتراكي “مانويل فالس” المهاجرين الغجر بأنهم “الأجانب الذين لا يمكن دمجهم بطريقة الحياة الفرنسية الحديثة”.
وكيف لهؤلاء الاندماج، والذباب يشاركهم طعامهم؟
ليس حال الغجر فحسب، هو حال “عرب باريس”، اولئك الذين ضاقت بهم اوطانهم ففروا إلى حلم البحبوحة، فلم تمنحهم باريس الخبز، فيما ارتفعت أصوات شبيهة بصوت “ماري أنطوانيت”:
ـ كلو الكعك.
لا ثمة من يسمع صوت آخر ياتيه من باريس:
ـ كلو الهواء أيها السادة