من ليس له شيء لن يخاف من شيء
مرصد مينا
ينهار الطغيان الطويل، الطغيان المتراكم، فيهنار من حوله الكثير الكثير، وقد يطال الانهيار المجتمع، الدولة، ويتحطم الكثير مما بناه الناس، وهذه حقيقة يمكن اختبارها فيما آلت إليه دول كثيرة في السنوات القلية الفائتة، وهذا العراق أبرز النماذج كما ليبيا واليمن.
هذه حقيقة تدفع الناس إلى التردد في مواجهة الطغيان، وربما في تبريره، بما يجعله يتمادى وصولاً لتأبيده، ومع أيّ حراك شعبي منتفض أو معارض، سيبرز السؤال:
ـ وماذا من بعد سقوطه؟
سؤال، وماذا من بعد سقوطه يستتبع التجاهل عن واقع حاله، ومن ثم تجاهل سؤال:
ـ وما الذي تركه لنا؟
هذا السؤال وسابقه، هما السؤالان السوريان اليوم، ويأتيان بعد سنوات طالت من الخراب والدمار، ومع الخراب والدمار، نمو العصابة وأفول الدولة، حتى باتت سوريا بلد، الدولة فيه محكومة للعصابة، والعصابة هي التي تمنح النقمة والنعمة، حتى حلّت النقمة على الجميع، بما يعني انسداد أيّ أفق لمصالحة وطنية أو تغيير، ما أحدث كل ما لم يكن متوقعاً لدولة كان يمكن لها أن تكون “وطناً نهائياً لسكانها”، وقد تحوّلت إلى منطقة عبور لساكنها، أو معتقل لهذا الساكن فيها، وهو الامر الذي لابد وجعل أسئلة المستقبل غائبة لحساب تراجيديات اللحظة، وهي اللحظة التي غاب فيها الرغيف، ودُمّرت فيها الكرامة الإنسانية، وقد استثمر النظام في السؤال حتى كاد أن يجعل منه الدريئة التي يحتمي خلفها، ونعني هنا درئية :
ـ وماذا سيأتي من بعدي؟
وماذا سيأتي من بعده، قد يكون الطوفان، وهذه الـ “قد” واردة وممكنة وفي مواجهتنا تجارب لاتبشر بخير، ونماذج لا أحد يطمح للوصول اليها، أقلّه وقوى الكهف تحكم مساحات من سوريا، ربما أبرز نماذجها تلك المصنوعة على أيدي “العمشات” وسواهم من فقهاء الظلام، ولابد أن النموذج إياه سيعطّل أي حلم بالتغيير، وسيفرد الغطاء واسعاً على “واقع الحال”.
واقع حال يقول بأن:
ـ لا مكان للخوف من انهيار الدولة، فدولة الطاغية في آخر مراحلها ليست سوى “انهيار الدولة” فما الذي تبقّى من الدولة سوى:
ـ بيع ممتلكات الدولة، وجيش الدولة، وموارد الدولة، لحليف يحمي الدولة، مرة باسم الروسي وثانية باسم الإيراني، وفي كل مرة بيعها لناهبي الدولة من عصابة الطاغية، عائلة ومحاسيب ولصوص وقطّاع طريق.
ـ فوضى المجتمع والحياة، وهي الفوضى الحصرية بجهاز الدولة، والممنوعة على مواطنيها، وقد احتكرت الدولة الفوضى كما احتكرت القتل والعنف والسلاح.
وبالنتيجة، كل ما يتوقع من انهيار الطغيان، هو ما يحدث قبل انهياره، ما يجعل سواد المستقبل، هو سواد اللحظة بما لا يزيدها سواداً وبما يجعل بحر الناس لا يزداد ملوحة.
التلويح بانهيار دولة مثل سوريا اليوم، هو التلويح بانهيار المنهار، والتلويح بفوضى المستقبل، هو التلويح بفوضى الفوضى، وبالنتيجة، بتأبيد هذا وذاك، في عالم لم يعد يحتمل صيغة باتت تثقل على العالم والإنسان، أقلّه وقد تنازل الطغيان عن ركائزه وتحّول إلى مجرد لصوصية واعتداء على حياة الناس، فالطغيان ليس مجرد زنزانة وعنف وسرقة لقمة الناس، وتلك روما القيصر، قد أطلقت عمارتها وسفنها إلى امبراطورية لم تغب عنها الشمس فيما طغاة من طراز بشار الأسد، ضيّقوا مساحة بلادهم إلى ما دون العشيرة، بل وما دون العائلة حتى باتت الدولة سرير زوجية، بلا زواج.
ما مبرر السؤال والمخاوف والحال على هذا الحال؟
السوريون اليوم يجددون ما خسروه بالأمس، وانتفاضات الجنوب بشقيه سهلاً وجبلاً هي الإجابة عن هذا السؤال، فأن ينتصر حراك الناس فتلك مأثرة عظيمة، وإن خاب، فلن يزيد من الخيبة وقد تحوّلت الخيبات إلى فاتحة يومية لحياة الناس، ولكن سيعود السؤال:
ـ ما الذي يمكن حصاده إذا ما انتصر حراك الناس؟
سيكون الطوفان، وسيرتب الطوفان نفسه بعد أن يُحدِث فوضاه، وهذا احتمال.
وقد يكون الطوفان ومن ثم سيعجز عن ترتيب فوضاه، وسيقود هذا إلى مثل طالما تعاطاه الناس فـ “ما مسخ الله اكثر من قرد”، فلتكن الفوضى.
والآن، ما المتوقع من هذا الحراك؟
سيناريوهات عديدة، أولها أن يقابل بالعنف المسلّح ما بعد التردد الذي واجهه النظام بمواجهة المنتفضين عليه، وثانيها أن يحدث تفجيرات هنا وهناك، وهذه “داعش” في البادية السورية بانتظار أوامر النظام، وثالثها أن يحل حلفاء النظام مكان النظام لقمع هذه الانتفاضات، ولابد أن يكون “حزب الله” أداة في مواجهة الناس.
كلها سيناريوهات ممكنة، غير أن :
ما لابد منه، لا غنى عنه.
ونظام الطغيان المسخ، لم يترك فرصة أو وعداً أو حتى ما يخاف منه أو عليه الناس.