القصة تبدأ بالعصابة وتنتهي عند العصابة
مرصد مينا
في لبنان يذهبون بعيداً في التخوّفات على “الجمهورية” من النزوح السوري، وفي الأردن يحيلون شحّ المياه وتعثر الدواء إلى النزوح السوري، وفي تركيا يستعيد الأتراك تاريخ الانعتاق السوري من “العثمنة” ولا يدّخرون وسيلة للتمييز العنصري الثأري الذي قد يصل إلى لعبة السكاكين مع اللاجئ السوري، أما الأوروبيون فلابد أنهم يرمون بثقل النزوح في البحر حتى بات البحر مقبرة واسعة للسوريين الهاربين من أهوال الحرب وهول النظام، ووحده النظام لاتعنيه المسألة، فمواطنوه مازالوا هم “جمهور المسيرات المؤيدة” ومن تبقّى من السوريين هم “أهل ذمة”، ومن حقه التصرف بهم كما أراد وكما يشاء، فليس لهؤلاء سوى المجاعة والاستعانة بالدعاء على المجاعة.
اللجوء، أو النزوح السوري ، سمّه كما تشاء، بات شاغل المستقبل بعد أن كان من ضحايا الماضي، فثلث الشعب السوري نازح خارج أرضه ومن تبقّى نازح في البلد أو سجين فيها، وهكذا باتت قضية اللاجئ بلا آباء فهي بالقدر التي تجثم بكلكلها على السوريين، هي، مادة ثانوية لدي المجتمع الدولي، “المجتمع الاصطلاحي” الذي لا يمثل مجتمعاً بذاته بقدر ما يمثل حفنة من دول متحكمة بمصائر البشر، والتي عجزت حتى اللحظة عن التحكم بنظام مارس كل ما يُهين الإنسان وكرامة الإنسان وقد استغرق بالاستبداد حتى تجاوز “طبائع الاستبداد” التي حكى عنها ابن خلدون، وأضاف عليها ما يسمح باستيلاد ابن خلدون جديد ليحكي عن الاستبداد بنسخته المُحدّثة والموسومة بشخص بشار الأسد الذي لم ينل من تاريخ الإنسان سوى وحشية الاستبداد، وهكذا بات موضوع اللجوء والنزوح متعلقاً به وبشخصه فحسب، فما من تحوّل يمكن استحداثه في الحياة السورية وهذا الرجل على قيد الحُكم، بما لا يسمح لبلد يحكمه أن يبني صيغة جديدة تحمل معها أي حل لعودة ناس البلد إلى البلد، فـ :
ـ لا عودة للبلد بلا إعادة إعمار البلد، ولا إعادة إعمار بوجود بشار الأسد.
ـ ولا عودة للبلد وأجهزة استخبارات البلد تتغوّل في دماء ناس البلد، ولا إسقاط منظومة الاستبداد ممكن إن لم يسقط معها بشار الأسد، فهي سدنة الهيكل وحامية النظام، والزنزانة الأكثر إيثاراً لنظام سجن الناس فيها حتى بات هو نفسه سجيناً لها.
ـ ولا عودة للبلد ومحاكم البلد عصابة، وقضاء البلد في مستودعات العصابة.
ولا عودة للبلد والذاكرة مجروحة، وليس ثمة ما يعالج جراحها سوى انتزاع السكين من الجرح.
ويحكون عن “عودة” النازح واللاجئ والمهجّر، كما لو أن العودة طوعية والرحيل من البلد هواية و “شمّ هوا”.
القصة تبدأ بالعصابة، وتنتهي عند العصابة، والعالم وتحديداً “المجتمع الدولي” مازال الغافل عن “العصابة” فيما البحر يبتلع الناس، والضحايا يتمددون جثثاً في الخيام أو على رمال الشواطئ.