جراح مقابل الخراب.. تلك هي المعادلة
مرصد مينا
قد تطول حرب غزة، فالدخول البري إليها لابد وسيكون مستحيلاً وقد عهدنا حروب المدن تلك التي تكبّل أيدي وأقدام الجنود باتجاه المزيد من الخسائر دون نتيجة تقول:
ـ لقد ربحناها.
الإسرائيليون يعرفون هذا، وربما يدارون هذه المعرفة بـ “التبجح”، بل وبالكذب محاولة لتضميد تلك الضربة الموجعة التي تلقوها في أمنهم وجيشهم ومستوطنيهم، غير أن معرفتهم هذه لن تحول دون هدف واحد:
ـ التدمير.
سيكون التدمير وحده هو التعويض عن الجرح البالغ الذي أصابهم، وربما يزداد اتساع جراحهم إذا ما اتسعت الجبهات، ودخل حزب الله الحرب بشمولها، ولن تتغير النتيجة:
ـ دمار شامل مقابل جرح يزداد اتساعاً.
لا هذا سيرمي إسرائيل في البحر، ولا ذاك بوسعه استئصال حركات المقاومة أيّ كانت تسمياتها، وفي الحالين، ستطول الحرب، ولكنها في النهاية ستتوقف ويذهب المقاتلون إلى “التسوية”.
تسوية لن تعطي الفلسطينيين ما يزيد عما أعطته من “حلّ الدولتين”، ولن يمنح الإسرائيليين أيّ من الأمان أو إخراجهم من سجن الجغرافية الذي سيزداد ضيقاً كلما زاد الخراب في الطرف الآخر، ومن بعده ستتحول التسوية إلى “هدنة” والهدنات لا تجلب سلاماً، ولا تحقق شرط “الدولة”، وقد تركت “الدولة” كل تلك الفظائع بمن سيجاورها من الفلسطينيين، وقد اختار كل من طرفي الصراع ذاك الوعد الذي يقول بفناء الآخر، ما يعني أن بوابات هذا الشرق لن تنفتح لا على تنمية ولا على سلام، بل سيؤجل القتل والقتل المضاد، للّحظة التي يرى أيّ من طرفيها “اللحظة المناسبة”.
اليمين الإسرائيلي وقد بلغ ذروة تطرفه في حكومة نتنياهو، سيواجه “حماس” أو المشتق منها وهي لن تكون أقل تطرفاً وكذا حال اشتقاقاتها، لتصبح القاعدة “ديمومة الاشتباك”، دون محصلة تعني “اجتثاث” أي من طرفيها لخصمه، ومع كل حرب مقبلة سيكون الدمار المقبل مقابل الجراح المقبلة، وثمة من يقترح استمرار الاشتباك لمئة عام، قد تفضّه واحدة من قيامتين:
ـ المسيح المنتظر على ضفة، أو المهدي المنتظر على الضفة المقابلة.
تلك مقدمات ونتائج مجموع السنوات الـ “٧٥” من إعلان دولة إسرائيل، وسيكون الحال اكثر استعصاءاً مادام قرار الضغط على الزناد بيد التيارات الدينية وعلى ضفتي الصراع.
والآن، ينتظر العالم والعرب واللبنانيين على الأخص، ما سيقوله حسن نصر الله، فمن بعده قد تنجرف لبنان إلى توسيع رقعة الحرب، ما يعني استعادة النتائج إياها:
ـ جراح عميقة يتسبب بها حزب الله لإسرائيل، مقابل دمار قد يطال لبنان، كل لبنان بمن فيه المحارب والمتردد والداعي إلى إيقاف الحرب تجنباً لويلات محققة ستأتي بها، لتكرس فوق الخراب خراباً، وهو الخراب الذي لن يسمح للبنان بالإفلات من قبضة حزب الله بما يجعله المالك الحصري لسكان لبنان بطوائفهم ومذاهبهم، تلك التي تتعايش وتتناحر، وتزيد من تناحراتها قبضة حزب الله في بلد فقد ميناءه، وأغرق اقتصاده، وتحوّل من نموذج للمدنية إلى صورة للدشمة، وبمحصلة :
ـ لا منتصر يستغني عن السلاح، ولا مهزوم يشتغل على استعادة سلاحه.
ما يعني “عطالة” الحياة التي تشبه كرة ملساء تتدحرج على زجاج أملس، ليعود كلا المتشابكين إلى الصورة القديمة:
ـ سجن في الجغرافية للإسرائيليين، يقابله خراب وعجز عن إعادة إعمار الطرف المقابل.
وكله في غياب شبه كامل لقوى سلام تعثر على صيغة لوقف كل هذا الجنون وقد رافق اجيالاً اورثته إلى أجيال.
تلك هي المعادلة وقد بات من “ثبوتيات” منطقة لن تلتحق بالعالم، وإذا ما التحقت فلابد أن تلتحق بصفتها “الملحق” لـ مركز ما..
مركز إسلامي بات تعبيره إيران، ومركز غربي هو الولايات المتحدة.
والمقتتلون هنا، لابد ويتحولون إلى مقاتلين بالنيابة، وضحايا بالنيابة، ومتعطلين عن الحياة بالأصالة عن أنفسهم واختياراتهم.
ـ جيل وراء جيل، وخراب يتلوه الخراب.
وليس ثمة من يحسم.