وهل ثمة قيامة؟
نبيل الملحم
ستتوقف حرب غزة، اليوم أو غداً أو بعد أسابيع، وربما أطول أو أقل، غير أن ما لن يتوقف هو “الكراهية”، ولغة الثأر، ومبيت الأطراف المتحاربة كل على جراحه، ما يعني اننا سنبقى في منطقة من هذا العالم، اللغة فيها، كل اللغة للسلاح، وبالنتيجة تعطيل الحياة لحساب الموت.
الإسرائيليون، وقد استعادوا التاريخ التوراتي عبر يمينهم الصهيوني، تلك النصوص التي تستدعي قتل “العدو”، بما يشمل “الزرع والضرع والأطفال قبل أن يكبروا ليتكاثروا”، وسيقابلهم على الجانب الفلسطيني ذاكرة الأرض المسلوبة كما المقابر الجماعية التي أحدثتها الحروب وقد تكون حرب غزّة أشنعها، دون نسيان الخطاب الديني الذي يعني “لا قدوم للمهدي دون خراب الأرض”.
طاحونة الحروب ستبقى مشتغلة، وعلى طرفيها لن تقوم قائمة أحد أطرافها سوى بإبادة الآخر، وهي اللغة التي اشتُغِل عليها منذ 1948 ومازالت اللغة المتعَمَدة حتى “وقاعات السلام تمتلئ بمقاعد المتفاوضين”، بما جعل “كامب ديفيد” بلا معنى، وكذا حال “أوسلو” وقد تحوّل رئيس السلطة الفلسطينية ما بعده إلى مومياء تجلس على كرسي، أما عن “وادي عربة”، فلم يؤصّل لسلام بدليل أن تصريحات وزير الخارجية الأردني “أيمن الصفدي” لا تقل حدّة عن تصريحات إسماعيل هنية، ما يعني أن ما انجز من تسويات حتى اللحظة لم يتعد الورق، وليس أسهل من بلل الورق وضياع حبره.
لا إسرائيل أصّلت لقوى سلام جدّي فيها بما يستدعي مغادرة الثكنة، ولا الأطراف العربية “والفلسطينية حصراً” قادرة على تأصيل لغة سلام تتجاوز أمس “البارودة”، فالتركيبة بالغة العنصرية للمجتمع الإسرائيلي خلقت مقابلها، ومن طرازها، وهذا أمر يمكن اعتباره “عقلانياً” حين يكون الجنون هو الصيغة التي لا تسمح لعاقل بأن يكون له صوته في مثل هذا الصراع.
اليوم، غداً، بعدهما سيتوقف إطلاق النار، وستكون التسمية الجديدة للحالة “هدنة”، وما بين الهدنة والمعركة ليس ثمة فسحة سوى استعادة المقاتل لتأهيل نفسه إلى الحرب لتتجدد الحرب وتمشي آلياتها كما 75 سنة مضت، يعني كل عشر سنوات حرباً:
ـ حرب 1948 / حرب 1956 / حرب 1967 / حرب 1973/ حرب 1982 / حرب 1996 / حرب 2006 / حروب غزة / إسرائيل المتقطعة وصولاً حرب 2023.
وفي كل هذه الحروب، ثمة نتجية واحدة :
ـ كل جيل يورث الجيل اللاحق حرباً، يُهديه موته.
لم يُعلِن مهزوماً هزيمته، ولم يكتف منتصراً بنصره، ذلك أنه لا مهزوم ولا منتصر ما بين هدنتين، وتلك حقيقة يعرفها هذا النوع من الحروب التي لا يقبل طرفيها بوجود الآخر، ولا يحمل السلام قوى لها وزنها وقرارها بما يفضّ الاشتباك ويوقف خطابات الحروب ومفاعيلها.
هذا لاهوت الحرب وقد انتقل من اللاهوت الديني ليعبّر عن نفسه على هذا النحو، وإذا ما استعدنا الخطابين، التوراتي وما يقابله من خطاب إسلامي، سنتأكد بأن هذه الحرب لن تقعد إلاّ بقيامة القيامة.
السؤال الأكثر خطراً وعتمة:
ـ وهل ثمة قيامة؟