ما فوق سورية: سلطة محمولة على الخارج ومسكونة بخوف الداخل

غسان المفلح
-نقاش الموقف من السلطة الحالية يجب أن يتم بناء على معطيين:
الأول أن سورية في مرحلة انتقالية. من حكم دام ستين عاما على القتل والقمع ومصادرة الانسان السوري نفسه. إضافة إلى هولوكوست أسدي إلى سلطة من خارج أجهزة الدولة ومحمولة على عامل دولي.
بالتالي لايزال هذا العامل الدولي حاضرا في صياغة ليس مستقبل السلطة وحسب بل المنطقة من جديد. والدليل حضور هذا العامل الدولي في المفاوضات بين السلطة وقسد.
الثاني- يتعلق بالمكون السلطوي نفسه. الذي أتى من موقع لم يكن يتوقعه أحد من السوريين. موقع موضوع على قائمة الإرهاب. إضافة إلى الحضور الأيديولوجي الاسلاموي في هذه الخلفية.
رغم أن الكتلة المركزية للسلطة منذ اللحظة الأولى بدأت تتعامل مع السلطة وفقا لآليات إنتاج وإعادة انتاج السلطة. وليس من منطق أيديولوجي.
نجدها ترتجل هنا وتتراجع عن قرار هناك. يراها بعضهم انها تقدم تنازلات هنا، وبعضهم يراها مجاميع إرهابية. كثيرة هي التوصيفات الإيجابية والسلبية بحق هذه السلطة، من نخب وفاعلين سياسيين.
كما دخل الموقف من السلطة ساحة المزايدات اللفظية. بين حدين موالي ومعارض. موالي على السراء والضراء. معارض عدائه وجودي ومطلق مع هذه السلطة إما أنا أو هي.
عارض عدائه تاريخي نسبي، على أرضية يمكن توصيفها بمبدأ” خذ وطالب”. لأن الأساس في المعارضة التاريخية هو وجود الحرية السياسية. هذا متوفر حتى الآن. هل الوضع الانتقالي بالبلد يحتاج لمعارضة وجودية ام تاريخية؟ عندما تنتفي الحرية السياسية لصالح مصادرة السياسة في المجتمع، تنتقل المعارضة إلى معارضة وجودية. لأن الأساس في الحقوق هي الحرية السياسية.
اشرت في مقالات سابقة إلى ما اسميته تناقضات السلطة الحالية. لنقل إن السلطة الاتية من خلفية إسلامية متشددة. أيضا لديها حلفاء منهم من هو أكثر تشدداً. آليات انتاج السلطة مرتبط في طاولة المفاوضات مع الداخل والخارج. يمكننا أن نعطي تلميحا على هذا الامر: عندما يجالس وفداً أجنبيا أو غربيا بشكل أدق السيدة الوزيرة هند عبود قبوات ثم ينتقل ليجالس السيد وزير العدل مظهر الويسي. لكل وزير لغته ومفرداته ورؤيته.
السؤال: ما الذي يجمع بين الطرفين؟ هذا على الصعيد الخارجي. على الصعيد الداخلي مثلا موقف السيد الوزير أمجد بدر المنحدر من السويداء في شأن التعامل مع حقوق المرأة، وبين موقف السيد الوزير مظهر الويسي أيضا؟
هل الموقف واحد؟ الذي يجمع بين الطرفين هو إنتاج وإعادة انتاج السلطة، وفقا لمعادلات يتداخل فيها الخارجي مع الداخلي. هنا نقول ببساطة يظهر تناقضا، لكن حتى الآن تحله انها سلطة تحاول أنتاج نفسها. بهذا لا يمكننا تقييم السلطة أنها سلفية إسلامية، كما لا يمكننا تقيمها بأنها مدنية ليبرالية. فكيف ستتوضع هذه السلطة كسلطة سورية؟ هذا يجعل التناقض أعلاه مطروح على الحل بأسرع وقت ممكن.
السلطة تبدو منفتحة على كل الخيارات ليس من موقع أيديولوجي، بل من موقع إنتاج سلطة بين حدين: ضغوط وانفراجات خارجية وضغوط وداخل لايزال مشتعلا. ستة أشهر مثلا لم تستطع السلطة حتى اللحظة حصر السلاح المنفلت بيد الدولة. بكلا الحالتين هذه مهمة عملياً وليست مهمة بأي حال أيديولوجيا. هذه المهمة العملية- الأمنية هي وظيفة الدولة أيا تكن السلطة الأيديولوجية فيها.
من جهة أخرى بدأ السوريين يهتمون بالشأن العام. حيث المتابع للإعلام والسوشيال ميديا يلاحظ هذا الأمر. لم تعد هنالك قضية لا تناقش في الفضاء العام نتيجة لإحساس السوري الآن أنه حر ولا عاقبة لإبداء رأيه في أي قضية.
ما حدث في التظاهرة الاحتجاجية في العدلية بحلب على إثر توقيف قاضي تحقيق من قبل الأمن العام. كان الهتاف من قبل المحامين والقضاة” وين الحرية وينها، وين الكرامة وينها”. من جهة أخرى أدلب البارحة تجتمع أكثرية فعالياتها وتنتخب لجنة مدنية من أجل التحدث باسم المدينة مع السلطة. وحدث قبل هذا في عدة أماكن كان قبل أدلب مدينة مصياف.
تناقض آخر بين التشاركية والهاجس الأمني السيادي للسلطة. حتى اللحظة لا الهاجس الأمني هذا يمكن أن ينتج دولة طبيعية، ولا المطروح من بقية الأطراف المعارضة حول التشاركية يمكن أن ينتج دولة طبيعية. في الوضعية الانتقالية يجب أن تكون السلطة الانتقالية قوية. لكن موحدة هل السلطة موحدة الآن؟ رغم أنها تمتلك رصيدا لا بأس به من القوة: رصيداً داخلياً شعبياً ورصيداً خارجياً يتطور باستمرار.
هذا الهاجس والخوف أنتج وزارتي داخلية ودفاع من لون واحد، هو ليس سنيا بل هو هيئة تحرير الشام. داخل مشتعل سلاح منفلت وفصائل سنية وغير سنية منفلتة وتضع مطالبها على طاولة سلاحها. الطيف السني في سورية ليس موحداً ولن يكون. العامل الوحيد الذي يوحد هذا الطيف نسبيا هو دعم السلطة خوفاً من مجهول ما يعيد الأسدية أو ما يشبهها على الحكم.
ما تبقى حتى داخل مجاميع السلطة نفسها لا يوجد موقف ايديولوجي موحد للحكم. هنالك تيارات ليبرالية وازنة داخله، لكنها غير منظمة. هنالك تيارات تقترب من الإسلام المعتدل خاصة في المدن وتيارات متشددة ومتنوعة في الأرياف، يزيدها الخوف تشدداً أحياناً. منها من لا تعجبه أيضا حصته في السلطة. كما أننا لدينا قوى مسلحة محسوبة على السويداء وقسد ملفان يحتاجان إلى حل.
السؤال في ظل هذا الجزء اليسير مما تواجهه هذه السلطة والبلد، كيف يكون الموقف من السلطة؟ لكل إنسان حريته في أي موقف، لكن بالنسبة لي الأمر ببساطة أنني ارفض حتى اللحظة هذه الوضعية الما فوق سورية. وببساطة لأن كل الأطراف فيها محمولة حتى اللحظة على سياقات ما فوق سورية بما فيها السلطة.
لم يقدم طرفاً واحداً وازناً خارطة طريق واضحة لنقل سورية من حمولتها الدولية إلى حمولتها الوطنية. ستنجو البلد والدولة وستبقى الحرية السياسية لكن الخطورة في الموضوع: أن السلطة غير قادرة على أن تتوضع ديكتاتوريا فهل ستتوضع ديمقراطياً؟ هذا هو السؤال لكل الفاعلين في الملف السوري داخلياً وخارجياً.