fbpx

جبران.. الفوهرر

تتكاثر اليافطات في لبنان، ومع كل يوم يافطة جديدة.. ليست يافطات تنادي بإيقاف الفساد السياسي، ولا يافطات تطلب وقف هدر المال العام، وكذلك ليست يافطات تشير إلى ما يحدث للبيئة من خراب. كلّها يافطات تنادي بالتضييق على (السوري)، عابرًا أو عاملاً او مقيمًا. في يافطات ما، ثمة استتار، أو نوع من الحياء كأن تقرأ: ـ يلزمنا عامل شاورما لبناني. وبيافطة كهذه، سيكون المعنى “عامل ليس سورياً”. قبلها كانت يافطة بالغة العنصرية من مثل “ممنوع تجوّل السوري ما بعد الثامنة مساء”. ويشتد الحوار ما بين اللبنانيين أنفسهم، منهم من يرتدي العنصرية من فاسه إلى راسه، ومنهم من لا يلتفت إلى القصة برمتها، ومنهم من يدافع عن السوريين في وجه العنصرية، وكان بيانًا وقعه عشرات المثقفين اللبنانيين، يندّد بالعنصرية في مواجهة السوريين الهاربين إلى لبنان. بكل الحالات المشكلة تتفاقم، وقد تصل إلى مقتل صبي سوري في لبنان لمجرد أنه تأخر في تلبية طلب فنجان اسبيريو للزبون اللبناني، وبالنتيجة ثمة ما يقال، بل الكثير مما يقال. ـ بلا شك، فإن بلدًا صغيرًا ومديونًا وبموارد محدودة كما لبنان، ليس بمقدوره أن يتحمل ما يساوي عدد سكّانه من وافدين إليه، وبلا شك فإن اليد العاملة السورية تنافس اللبنانية وقد تأخذ فرصتها في العمل، وبلا شك فإن الخدمات من تعليم وصحة وسواهما لا تستوعب اللبنانيين، فكيف بإضافة الحمل السوري إليها. ـ ولكن بلا شك، فإن العامل السوري هو من بنى ليبيا، ودول الخليج، وفي المهاجر لم يكن سوى الكفاءة، والجدية واحترام قيم العمل. ـ وبلا شك فإن السوري الراحل إلى لبنان، إنما رحل بفعل الموت، والجحيم السوري الممتد من السجن إلى قتال السوري للسوري، وبلا شك بأن كل الحروب تلقي بسكان البلاد المتحاربة إلى البلدان الجارة.. وبلاشك فإن الحكومة اللبنانية طالما استثمرت المعونات المخصصة للسوريين من الهيئات الدولية بمنطق النهب والفساد دون أن تعير التفاتة إلى من كانوا السبب في هذه المساعدات. اللبنانيون منقسمون تجاه الوجود السوري في لبنان، وهو وجود العامل الماهر، واللاجئ قسرًا، ولكنهم غير منقسمين تجاه المال السوري الفاسد المستثمر في مصارف لبنان، والشريك مع الفاسدين اللبنانيين. اللبنانيون كذلك كانوا منقسمين تجاه الوجود السوري في لبنان يوم كان وجودًا عسكريًا، لم يترك ذاكرة طيبة للبنانيين، وهاهم اليوم، وبجزء منهم، يعاملون العامل السوري كما لوكان رستم غزالة، في حين أن هذا العامل نفسه هو واحد من ضحايا رستم غزالة وأجهزة الأمن السورية التي فتكت بالكثير من اللبنانيين. القصة الآن تتفاقم، وتتدحرج ربما إلى مآلات من الصعب التكهن إلى أين يمكن أن تصل، غير أنها ليست مشكلة لبنانية ولا سورية فقط، هي في واحد من أبعادها مشكلة أممية تتصل بهيئة الأمم المتحدة وعلاقتها بموضوع المهاجرين قسرًا. الأمم المتحدة غافلة عن الموضوع، فالموضوع لايبدو وكأنه من أولوياتها. موضوع النازحين هو أيضًا موضوع متصل بالمؤسسات السورية من جهة المعارضة، وما الذي يمكن أن تقترحه على المجتمع الدولي، وهذه المؤسسات لاشك منشغلة باختيار فنادق إقامتها ما بين أوربا، الولايات المتحدة، تركيا. والسوري في لبنان معلّقًا في فراغ الاختيارات القاتلة. ـ يبقى في لبنان تحت وطأة المطاردة وتعسف القوانين اللحظية التي تنتجها البلديات لا الدساتير؟ ـ يعود إلى سوريا حيث السجن بانتظاره أو زجه في حرب سيكون قاتلاً فيها أو مقتولاً؟ ـ قصة هي اكبر من مجرد (حبر على ورق).. قد تتحول إلى دماء على الجدران. مازال للقصة بقية، وكل الخوف أن يكتب بقيتها جبران باسيل، الوزير اللبناني الذي يبحث عن نيل لقب: ـ الفوهرر. كان علينا أن نخاف.. بل نخاف كثيرًا. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى