fbpx
أخر الأخبار

سوريا .. بلد بلا آباء

كما لو أن السوريون بلا آباء، نقول ذلك مادامت اوجاعهم قد باتت منسية، أوجاع تبدأ بـ “خبر صحفي”، وربما بشريط فيديو، فتحدث دويًا يختفي في اليوم التالي دون فسحة لاستعادة الصوت.

حدث ذلك يوم صدر المرسوم الرئاسي بالعفو العام، وكان من نتائجه مزيدًا من الجهل حول مصائر آلاف المعتقلين، كأن:

ـ قتلوا في السجون، أو مازالوا في السجون، وماذا على أهليهم أن يفعلوا، أن يسترسلوا بانتظار أبنائهم، او يغلقون بوابة الانتظار ودفن “الغيّاب”.

وحدث مع مجزرة “التضامن”،  ليتحوّل شريط المجزرة إلى “مجرد ذكرى” بعد أن أحدث دويه، ومن بعد الدوي الصمت.

صمت النظام، بلا تعليق.

وذهب الناس إلى “مجرد الاستذكار” كما لو أنها قضية عابرة لاتستدعي حشد مؤسسات الحقوق العالمية، لتشتغل على السؤال، وعلى الأسئلة الخفية ما بعد السؤال، أقله:

ـ كم مجززرة مماثلة ارتكبت في بلاد باتت مساحة للمجزرة؟

قبل أيام أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرًا مما ورد فيه، أن النظام السوري يحتجز المجرم أمجد يوسف، الذي قتل عشرات السوريين واغتصب عشرات النساء في حي التضامن بدمشق، وأشار التقرير إلى أنَّ هناك تخوف على مصير 87 ألف مختفٍ قسرياً من أن يكون مشابهاً لمصير معتقلي حي التضامن.

قال التقرير -الذي جاء في 3 صفحات- إن النظام السوري يحتجز المجرم أمجد يوسف الذي قتل عشرات السوريين واغتصب عشرات النساء في حي التضامن بدمشق، وهو ضابط في قوات الأمن السوري، وتحديداً فرع المنطقة 227 التابع لشعبة المخابرات العسكرية، أثبت تحقيق نشرته مجلة نيولاينز نهاية نيسان الماضي 2022 مسؤوليته عن اعتقال/ اختطاف عشرات السوريين في حي التضامن بدمشق، ثم اقتياد 41 منهم إلى حفرة ورميهم فيها وقتلهم، وقد انتزع التحقيق اعترافاً من أمجد يوسف بهذه الجريمة الفظيعة.

وفقاً للتقرير فإنَّ النظام السوري يتحفَّظ على أمجد يوسف؛ ولم تتم عملية الاحتجاز وفق مذكرة قضائية، استناداً إلى تهمة محددة، كما لم تتم إحالته إلى القضاء، ولم يصدر عن النظام السوري أية معلومة تشير إلى اعتقال أمجد.

تخوَّف التقرير على مصير 87 ألف مختفٍ قسرياً من أن يكون مشابهاً لمصير معتقلي حي التضامن، وفي هذا السياق قال إن النظام السوري لا يزال لديه منذ آذار 2011 ما لا يقل عن 131469 معتقلاً بينهم 86792 مختفٍ قسرياً، بينهم 1738 طفلاً و4986 سيدة (أنثى بالغة)، مؤكداً أنَّ من قتلهم أمجد يوسف ورفاقه لم يعلن النظام السوري عن هويتهم، كما لم يتم إخبار أهلهم بمقتلهم، وقد كانوا في عداد المختفين قسرياً لدى النظام السوري، لكن التحقيق أثبت أنَّ قسماً من المختفين قسرياً تتم تصفيتهم بهذه الأساليب المتوحشة وإحراق جثثهم.

أضاف التقرير أن النظام السوري استخدم على مدى سنوات الإخفاء القسري بشكل منهجي كأحد أبرز أدوات القمع والإرهاب التي تهدف إلى سحق وإبادة الخصوم السياسيين لمجرد تعبيرهم عن رأيهم، وسخَّر إمكانات الأجهزة الأمنية التي تمتلك عشرات آلاف العناصر، لملاحقة من شارك في الحراك الشعبي واعتقالهم وتعذيبهم وإخفائهم قسرياً.

أكد التقرير أن أمجد يوسف متورط مع العديد من الجهات في النظام السوري في هذه الجرائم الفظيعة، ويبدو أن هناك خشية من انكشاف مزيد من المتورطين، وفي سبيل ذلك قد يقوم النظام السوري بإخفاء أمجد يوسف مدى الحياة أو قتله وذلك بعد أن اعترف بجرائمه.

وأضاف أنه لم يكن النظام السوري ليحتجز أمجد يوسف لو لم يكن متورطاً على أعلى المستويات. وأشار إلى أن النظام السوري يُحافظ على مرتكبي الانتهاكات، وفي بعض الأحيان يقوم بترقيتهم، كي يرتبط مصيرهم بمصيره بشكل عضوي دائماً، وكي يصبح الدفاع عنه جزءاً أساسياً من الدفاع عن أنفسهم.

وقال التقرير إنه لم يكن لأمجد يوسف والآلاف من عناصر الأجهزة الأمنية وقوات الجيش ارتكاب مثل هذه الانتهاكات الفظيعة لو لم تكن سياسة مدروسة، وأوامر مباشرة من قبل رأس النظام السوري بشار الأسد القائد العام للجيش والقوات المسلحة (الجيش والأمن)، وذلك لأن مثل هذه الانتهاكات الواسعة النطاق بحاجة لتنسيق وتعاون مع العشرات من الأفراد والمؤسسات ولا بدَّ من أن النظام السوري على علمٍ بها، لكنه لم يقم بأي ردع أو محاسبة.

طالب التقرير مجلس الأمن الدولي بعقد اجتماع طارئ لمناقشة مصير المختفين قسرياً في سوريا، وأضاف أن عليه أن يتَّخذ خطوات لإيقاف عمليات التعذيب والموت بسبب التعذيب داخل مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، وإنقاذ من تبقى من المعتقلين في أسرع وقت.

كما طالب المجلس والأمم المتحدة بإلزام النظام السوري بفتح مراكز الاحتجاز كافة أمام اللجنة الدولية للصليب الأحمر وكافة لجان الأمم المتحدة.إلى غير ذلك من توصيات إضافية.

ـ ما الذي فعله مجلس الأمن الدولي؟

لاشيء، فخزائنه تتسع لآلاف الوثائق والقضايا، تمامًا كما مقاابر السوريين تتسع لآلاف الضحايا، وفي المسألة وجهان:

ـ وجه للسلطة التي يهمها ردم التراب على ارتكاباتها ودفن تلك الارتكابات في النسيان.

وفي الوجه الآخر، قوى الاعتراض السوري، سواء منها الرسمية، أو تلك المعارضات المتمثلة في تجمعات شبابية وأفراد خصوصًا منها “المهاجرة” التي تمتلك ما يكفي من حرية الحركة والإعلام والتظاهر، والتي بوسعها استثمار ميادين العالم كل العالم لنقل وقائع الارتكابات لنظام لن يملّ الارتكابات.

تواطؤ مزدوج، أوله من نظام مهنته التواطؤ، ومعارضات منشغلة بالصمت، أو باحتجاجات عابرة لاترتقي إلى مستوى “الفضح” أو “الكشف”، أو متابعة الاشتغال على نصرة ناس تتآكلهم االسجون وتغص بضحاياهم المقابر والحفر الشبيهة أو الممثلة لحفرة التضامن.

بلد بلا آباء.

ذلك هو الحال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى