fbpx

أردوغان… وقد أسقطته المدن

للمرة الأولى منذ 16 عاماً، تفوز الاحزاب العلمانية في تركيا. تفوز؟ نعم تفوز، والفوز في المدن الكبرى: اسطنبول، أدرنة، أنقرة، أزمير، أنطاليا، مرسين، هاتاي، ومعظم الساحل التركي على المتوسط، ومن يفوز في المدن التركية الكبرى، يفوز بتركيا، وتلك قاعدة لم يحدث أن كذّبها التاريخ التركي. هذه الانتخابات يمكن نعتها بـ “سقوط المدن”، فها هو أكرم بن أوغلو، سيأخذ طريقه إلى تاج تركيا، ونعني بالتاج بلدية اسطنبول، وهي البلدية التي كانت منصة قفز رجب الطيب أردوغان. هذا الفوز، لابد وأنه ضربة موجعة لأردوغان، حيث نشأ وترعرع في اسطنبول، وقد كانت ملعبه. ليس اسطنبول فحسب، فهزيمة حزب أردوغان، في أنقرة هي كذلك ضربة كبيرة للرئيس، ستضاف إلى (صدمة اسطنبول)، فلأول مرة منذ تأسيس حزب العدالة يخسر هذا الحزب العاصمة أنقرة، وكان أردوغان، الذي هيمن على المشهد السياسي التركي منذ وصوله إلى السلطة قبل 16 عامًا، وحكم البلاد بقبضة حديدية، قد نظم حملات انتخابية دون كلل في اسطنبول، على مدى شهرين قبل التصويت، الذي وصفه بأنه “مسألة مصيرية” بالنسبة لتركيا، فضاع صوته في ميادينها هباء.. وكان السؤال على الدوام: ما سبب انتكاسة أردوغان؟ تعددت الأسباب.. نعم تعددت. أوّل الأسباب، (وليس السبب الحاسم بكل تأكيد)، يعود إلى البعد الاقتصادي، فلقد صعد أردوغان إلى الحكم، عبر نشوة تحققت للاقتصاديات التي يديرها في بلدية اسطنبول 2002، ولقد انتهت اسطنبول وغيرها من المدن المركزية التركية على يديه بعد 16 عاماً من الحكم، حيث بدأت الاقتصاديات التركية بالانهيار، والإعياء، فهذه تركيا تشهد ومنذ عدة سنوات، خصوصا بعد الانتقال إلى النظام الرئاسي، انهيارات في اقتصادها، إلى جانب تراجع الديمقراطية ودولة القانون، إثر الإجراءات التعسفية بحق المعارضين لأردوغان وحزبه الإسلامي.. تشهد البلاد ركودا اقتصاديا يصاحبه تراجع حاد في سعر الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية، مثل الدولار واليورو، لم تشهده تركيا من قبل، وثمة معلومات تقول أن مسحاً لنشاط المصانع التركية أفاد بأن اقتصاد هذه المصانع انكمش ولعام متصل، بفعل تباطؤ في طلبيات التوريد المحلية وطلبيات التصدير، وفق ما قالته لجنة من غرفة صناعة اسطنبول وآي.اتش.اس ماركت، مؤكدة أن “نشاط المصانع التركية  مستمر في الانكماش”. هذا عن الاقتصاد، والاقتصاد وإن كان عاملاً شديد الأهمية بالنسبة للأتراك، غير أن ثمة ما يوازيه في الأهمية إن لم يزد عليه، فالحريات، ليست مسألة يمكن الاستهانة بها، وما من مراقب، إلاّ ويعلم علم اليقين، أن السجون التركية ضاقت بالمعتقلين، إلى الدرجة التي حدت بالحكومة التركية، إلى البدء بإعمار سجون جديدة، هي ثلاثة أضعاف سجون الأمس لاستيعاب المعتقلين السياسيين، وهم سياسيون من اتجاهات مختلفة، علمانيون، وإسلاميون، وأكراد، فيما انحدرت حياة الصحفيين الأتراك إلى مستوى، بات فيه مجرد (الصفير) تهمة، و لقطة (الكاميرا) استخدام سلاح، فجاءت الانتخابات الأخيرة، بمثابة معركة كبيرة من أجل استرجاع الحريات العامة للمواطنين التي سلبها أردوغان ونظامه السياسي الإسلامي. لقد قالها زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو: “صوّت الشعب لصالح الديمقراطية، لقد اختاروا الديمقراطية”. لم تحسم تركيا المسألة بعد، ولكن الانقلاب الكبير قد أطلق شرارته. السلطنة في طريقها إلى الانهيار في أزقة اسطنبول. في أزقة أنقرة. في أزقة أدرنة. صوت الناس، أقوى من تاج السلطان. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى