fbpx

الاستغلال السياسي لأزمة اللاجئين السوريين

الكاتب: وحدة الدراسات الاستراتيجية في مرصد مينا

السياسيون في دول الجوار، الذين يستغلون ورقة لجوء السوريين بذريعة الدوافع الاقتصادية بينما يهدفون إلى تمرير مخططات سياسية خاصة بهم، هم الآن أمام مسؤوليات تاريخية، لأن المنطق يقول، إن الأزمات الاقتصادية هي واحدة من الأزمات التاريخية العالقة في مختلف دول الشرق الأوسط، وبالتالي إن تحميل اللاجئين السوريين المسؤولية عن الأزمات الاقتصادية لتلك الدول، هي واحدة من غرائب العصر، التي لا يقبلها منطق، ولا تخضع لأي دلالة علمية.

فمسألة إعادة اللاجئين السوريين من دول الجوار، هي مسألة ذات أبعاد سياسية، ولها تداعيات خطيرة، وفي حال تم إجبار اللاجئين السوريين على العودة القسرية، فثمة تعقيدات خطيرة قادمة سوف تعصف ليس بهم فحسب، بل بعموم الشرق الأوسط وجواره، ما يعني أن أزمة اللجوء السورية اليوم هي واحدة من أعقد أزمات اللجوء الإنساني في العالم، والتي ينبغي التعامل معها بعناية فائقة.

اليد التي تؤلم:

بقي الحديث في دول الجوار عن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم يأخذ شيئاً من الجدل الواقعي، غير أن التحديات الخطيرة بدأت عندما بدأ الحديث عن استصدار قوانين تمنع اللاجئين السوريين من العمل، وتفرض سيلاً من العقوبات القاسية عليهم وعلى أرباب العمل لمنعهم من الاستعانة باللاجئين السوريين، ما يعني بالضبط أن وظيفة هذه القوانين هي حرمان الأسرة والعائلة السورية اللاجئة من أهم مقومات الحياة، وهي الحصول على المواد الغذائية والعلاج وغيره، في ظل نقص حاد في ذلك، وعدم تأمين هذه البلدان البديل الإنساني من الحاجات الإنسانية لهذه العائلات، وهو ما يمكن تسميته أنها قوانين ظالمة لا تتوافق مع أي من المعايير الإنسانية لأي دولة في العالم، لأن ما تقوم به هذه القوانين هو التجويع حتى الموت، خصوصاً وأن كل من سيخالف هذه القوانين ويحاول العمل بغية اكتساب مقومات الحياة فقط، بات يعتبر عمله ذاك جرماً يستوجب العقاب عليه، ويواجه خطر الترحيل إلى مناطق الصراع، وهو ما يعني إعادته إلى الموت الذي فر منه سابقاً بحثاً عن الأمان.

بهذه المعادلة السياسية يمكن أن نكتشف بوضوح أن مسألة إعادة اللاجئين السوريين لا تتعلق بالتصدي للأزمات الاقتصادية في تلك البلدان، أو بقوانين تنظيم سوق العمل، أو حتى بالاستغلال السياسي في المواسم الانتخابية أو الصراعات الحزبية، وإنما نحن اليوم أمام معادلة، ينبغي تفكيك رموزها، لكي ندرك حجم الكارثة التي من الممكن أن تحدث في حال الضغط على اللاجئين وإجبارهم على العودة.

روسيا وسياسة إعادة اللاجئين:

في أوج العمليات الانتخابية الأوروبية، وظهور صوت اليمين الأوروبي الذي كان يعبر عن مخاوفه الطبيعية من أزمة اللجوء التي اجتاحت أوروبا، كانت روسيا التي تسببت آلتها العسكرية بأكبر موجة من النزوح للسوريين، هي التي تطوف العالم حاملة راية إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، في مشهد ربما كان غير واضح في حينه، وأخذ العديد من التفسيرات، فماذا تعني إعادة اللاجئين إلى مناطق مشتعلة، سوى تعريض حياتهم للخطر، والدفع بالأزمة السورية نحو مزيد من التفاقم.

بالتأكيد، لم تحدث استجابة أوروبية للموقف الروسي، وبالتالي لم تكن فكرة إعادة اللاجئين السوريين لتنجح كما تريد روسيا، لأن القوانين الأوروبية تراعي مختلف الجوانب الإنسانية للاجئين بشكل دقيق، لكن فكرة روسيا هذه، نجحت في توسيع دائرة الرأي الشعبي المعارض للاجئين في أوروبا، مما ساهم في صعود الأحزاب اليمينية فيها، وهذا بالضبط الهدف الرئيس الذي كانت تسعى روسيا للوصول إليه، فهي استغلت قضية إعادة اللاجئين السوريين لتكون بمثابة مدخل سياسي للروس، لإحداث تأثيرات انتخابية تمس القارة الأوربية، وهنا يظهر الجانب الأهم، وهو أن روسيا التي تعاني من تدني في معايير حقوق الإنسان، تعيش هاجساً داخلياً مقلقاً لها، وهو الشعور بالقلق من عوامل التغيير الاجتماعي التي باتت تجتاح روسيا، مؤذنة بتغيير داخلي فيها، ما يعني هنا أن روسيا، كانت تحاول استثمار فكرة إعادة اللاجئين السوريين وتسويقها في أوروبا كورقة تحاول من خلالها إحداث مكاسب خاصة لها بعيدة عن مصلحة اللاجئين السوريين.

حزب الله واللاجئين:

الانتهاكات الخطيرة التي كان يقوم بها حزب الله ومؤيديه ضد اللاجئين السوريين، بقيت تصنف في وقت سابق تحت اعتبارات كثيرة، من بينها نزعة الانتقام والتشفي، لكن ما يقوم به الحزب اليوم مدعوماً بوزراء عديدين في الحكومة اللبنانية بات يأتي لتحقيق أجندة سياسية خاصة، والتي يعتقدون أن تمريريها يبدأ من خلال طرد اللاجئين السورين، وتتمثل هذه الأجندة بالتالي.

المعروف أن الأزمة الاقتصادية اللبنانية الحالية هي بالفعل تحتاج الى إدارة خاصة لتفكيكها وتفادي عواقبها الخطيرة على الدولة، لكن ما يخطط له حزب الله وبعض السياسيين يتناول مصالح ضيقة ومحدودة، لا تتعلق بحل أزمة لبنان الاقتصادية، بمقدار ما هي محاولات للفرار من الأزمات التي صنعها حزب الله ومؤيديه للشعب اللبناني.

الذي حدث أن حزب الله جنّد عشرات الآلاف من اللبنانيين خلال السنوات الماضية، للعمل في لبنان وسوريا ودول عديدة لخدمة المشروع الإيراني، وهؤلاء الذين جندهم الحزب، باتوا يعانون من أزمة مالية خانقة، تعصف بهم نتيجة الحصار المفروض على إيران وحزب الله.

وبالتالي إن حزب الله يدرك اليوم أن الأبواب أمامه باتت مغلقة وبات يتوهم أنه إذا قام بطرد اللاجئين السوريين فسوف يقنع أتباعه بفكرة القبول بالعمل الذي كان يؤديه العمال السوريون في لبنان، وذلك بقصد الهروب من التبعات الاجتماعية والأمنية لما يمكن أن تحدثه البطالة التي تعصف بهذه المليشيا، ما قد يؤثر وجودهم على مشهد حزب الله على المستوى الاجتماعي والأمني.

هؤلاء هم أنفسهم كانوا يرفضون أداء دور العمالة السورية في وقت سابق، مما كان يجبر الحكومة اللبنانية على استقبال العمالة السورية للعمل في لبنان. وقد حدث فعلاً، أنه تم طرد العمالة السورية مع خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005 لكن الحكومة اللبنانية أُجبرت على إعادتهم للعمل في لبنان، ولم تكن في ذلك الوقت في سوق العمل اللبناني، أي قوانين خاصة بهم وذلك لحاجة لبنان الماسة إليهم.

اليوم ثمة قوانين، وتهديد ووعيد يطال اللاجئ السوري في لبنان، لكن الواقع يقول، إن المسألة التي تجري الهدف منها ليس فتح الأبواب أمام نهضة الاقتصاد اللبناني، أو أمام عموم العمالة اللبنانية كبديل للعمالة السورية، وإنما هي محاولة، يحلم حزب الله من خلالها أن يقنع جمهوره الذين حملوا السلاح من جانب وهيمنوا على مقومات لبنان، بأن يتحولوا الى عمال عاديين بعدما أغلقت الدنيا في وجوههم، لكنها محاولة محدودة، لهدف محدود ولمجموعة بشرية محدودة، وهي ليست ضمن خطة إصلاح الاقتصاد اللبناني، الذي هو مثل غيره من اقتصاديات الدول المجاورة، لا يستطيع التوازن والاستقرار إلا في حالة وجود عمالة رخيصة وإدارة أمينة لاقتصاد البلاد.

ولكن ماذا لو عادا العمال السوريين الى بلادهم؟…

تركيا ومسألة إعادة اللاجئين السوريين:

فيما يتعلق بالشأن التركي الأرقام تتحدث عن ملايين العاطلين عن العمل من بينهم مليون شخصاً يحملون شهادات علمية، وبالتالي هناك أزمات داخلية في تركيا لا علاقة للاجئين السوريين فيها فاللاجئ السوري لا ينافس مليون عاطل عن العمل يحمل شهادات جامعية، لأنه لا يحق له أصلاً ذلك بحسب قانون العمل في تركيا.

أما قصة ملايين العمال الأتراك الآخرين العاطلين عن العمل، فهذه مسألة تحتاج إلى تفكيك فما يحدث في تركيا هو أن العمالة غير المسجلة في مكاتب العمل الرسمية، تعتبر ضمن العمالة العاطلة عن العمل، والسبب أن الحكومة التركية لا تتقاضى الضرائب عن وجودهم في المؤسسات التي يعملون بها.

لكن الواقع يقول إن ملايين العمال الأتراك غير المسجلين لدى الدولة، هم لديهم أعمالهم المؤقتة، ونسبة البطالة بينهم بالحدود الطبيعية نسبياً في تركيا، ولكن أرباب العمل لا يقبلون بتسجيلهم لدى مؤسسات العمل بسبب الضرائب ما يعني ان اللاجئ السوري بريء من الأزمة الاقتصادية لتركيا، وأن الزج به في صميم الأزمة الاقتصادية هناك هو مسألة سياسية بحتة. فالدولة هناك غير قادرة على إجبار أرباب العمل على تسجيل العمالة التركية المؤقتة، وأرباب العمل يستفيدون من هذه المسألة بغية فرض الأجور التي يريدونها على العمال.

ماذا لو تمت إعادة اللاجئين السوريين الى سوريا؟

عندما وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقاً مع الحكومة التركية بقيمة ستة مليارات دولار بقصد تحسين أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا، وذلك من أجل إيقاف هجرتهم نحو أوروبا، كان ذلك حدثاً تاريخياً مهماً، ومؤلماً بنفس الوقت للاجئين السوريين الذين تقطعت بهم السبل.

لن ندخل في تفاصيل هذا الاتفاق، ولا تلك الأموال التي حصلت عليها تركيا، وكيف أُنفقت على السوريين أم لا، لأن جوهر المسألة بالنسبة لنا أن الأوروبيين كانوا يدركون تماماً ضرورة مساعدة هؤلاء الفارّين من جحيم الحرب السورية، باعتبارهم ضحايا أولاً، ولا يريدون أن يكونوا جزءاً من الحرب، وهو ما لم تنفذه تركيا كما اتفق عليه، وهي أهم نقطة في معادلة اللجوء السورية، لذلك إن مسألة إعادة اللاجئين بشكل غير آمن، إنما تعني في العقل الأوروبي، أن عودتهم إلى سوريا، سيجعل منهم ضحايا الموت مجدداً، هذا من جانب، كما أن بعضاً منهم سيكونون شركاء في الحرب، وهذا ما لا تحتاجه سوريا التي كل ما تحتاجه هو تقليل عدد البنادق وتقليل عدد المقاتلين لأن الذهاب إلى الحرب لن يحل المشكلة وبالتالي عندما يكون قسما كبيراً من السوريين يرفضون حمل السلاح فهؤلاء هم كنز استراتيجي تدركه الدول الغريبة تماماً.

فاللاجئون ومن خلال خريطة توزعهم على أماكن اللجوء باتوا يكتسبون ثقافات متعددة، تقوم على فهم الآخر وهو ما سيؤسس لدى عودتهم مستقبلاً لبناء سوريا الجديدة، لأن هذه البقعة من الأرض تتميز ولألف سنة مضت أنها خليط من الثقافات والأعراق، وكانت تتميز باستقرارها قبل العبث الإيراني، وما يحدث فيها اليوم من كسر للنسيج الاجتماعي بواسطة هذه الحرب، إنما يصب في هدف الفوضويين مثل روسيا وإيران وحزب الله، فالروس يريدون أن تسير أوروبا على طريق إعادة إحياء الشعور القومي حتى تكون الدول الأوروبية على خطى روسيا، ما يمنع حدوث تغيرات اجتماعية تؤسس لإنتاج ديموقراطية حديثة في روسيا.

أما الإيرانيين فقد استغلوا الازمة السورية لنشر الفوضى وبناء الميليشيات في العراق وسوريا واليمن بهدف إسقاط (فكرة نظام الدولة) لأن إيران تؤمن أن نشر الفوضى في العالم هو الوسيلة الأفضل لمواجهة الدول الغربية وأما حزب الله فهو أحد أدوات إيران لنشر الفوضى في العالم.

لهذا كله ندرك الآن أهمية الاستقرار في سوريا وأهمية إعادة اللاجئين إلى سوريا بعد اكتمال الاستقرار، لأنه في تلك الحالة فقط يمكننا أن نضمن عدم حدوث الكارثة.

هناك فرق كبير بين أن نمنح ملايين اللاجئين السوريين في دول الجوار فرصة الأمن والاستقرار النفسي ونمنح أبنائهم التعليم، وبين أن نلقيهم في مخيمات بائسة لا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة ولعل الذاكرة الأفغانية مليئة بهذه القصص خصوصاً عندما ظهرت حركة طالبان وتشعبت من داخل مناطق اللجوء البائسة، ما بين قندهار وباكستان وهذا ما يجب أن تعيه تركيا، ويعيه الجميع، فالمطلوب الابتعاد عن الاستغلال السياسي لملف اللاجئين، والمطلوب أيضاً تمكين اللاجئين من الحصول على حقوقهم القانونية التي تكفلها شرائع الأمم المتحدة، وعلى الجميع أن يدرك مسألة مهمة، أن اللاجئين السوريين ليسوا مجموعة من الأيتام يُرادُ تشكيل جيش انكشاري منهم، وفق ما صدحت به بعض الأصوات في السلطة في تركيا، التي طالبت بتدريب اللاجئين المدنيين السوريين وتحويلهم إلى عسكر، ثم ارسالهم إلى سوريا.

أخيراً: يجب أن نتعامل مع اللاجئين السوريين كــ كنز استراتيجي، خصوصاً وأن بينهم جيل غادر سوريا في سنوات الطفولة الأولى، وهم الآن بمثابة جيل في بداية شبابه، هذا الجيل نحن بحاجة إلى إعادة تأهيليه، لكي يؤسس لثقافة السلام في عموم الشرق الأوسط، لكي يعيش جميع ساكنيه بأمان ووفاق وتفاهم.

انتهى زمن الامبراطوريات

انتهى زمن الجيوش الانكشارية

نحن في زمن التسويات السياسية والتعايش بين الجميع.

هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى