fbpx

إيران وعطش العراق

كتب الشاعر العراقي الراحل بدر شاكر السياب ذات يوم واصفاً حبيبته: عيناك غابتا نخيل ساعة السحر أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر تسللت هذه الكلمات إلى قلوب ملايين العاشقين العرب، حتى بات سحر وجمال العيون في وجدان العاشقين مرتبط بسحر نخيل العراق، وبات كل عاشق يريد أن يرى نخيل العراق في عيني محبوبته ساعة المغيب. تماماً كما كانت حتى الأمس القريب، كلمات شاعر العصر العباسي علي بن الجهم، هي قاموس العشاق لمئات السنين، عندما كتب في الأرض ذاتها يقول: عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري وما بين عيون المها وغابات النخيل التي تسقى في أغلبها من نهر دجلة حكايا طويلة، فاليوم وجع العراق يعيد وجعهم عشية اجتياح المغول لمدينة الرشيد التي كانت مضيئة بالعلوم، فأغرقوا مكتباتها في نهر دجلة حتى يعم الظلام، وما بين تكرار الحروب على أرض العراق، ورحيل عيون (غزالة المها) ودمار ملايين أشجار النخيل، ظل العراق يحتفظ بماء وفير، ونخيل يتجدد، حتى استغلت إيران الأوضاع السياسية، فاجتاح قطعانها العراق نهباً وسلباً، وكانت الفاجعة عند سقوط بغداد، حيث دخلت المليشيا وقطاع الطرق، وقاموا بسرقة الكابلات الكهربائية ومحولات الكهرباء من مدن العراق معظمها، وحدث ذلك أمام الكاميرا لأن إيران كانت تريد عاصمة الرشيد مظلمة تماماً كما فعل بها المغول. مع انقطاع الكهرباء، خسر نخيل العراق كثيراً، ومع التدمير الإيراني الممنهج لمياه العراق، بات شط العرب من أكثر بلاد العالم امتلاء بالأوبئة والتسمم الذي طاول آلافاً من سكان جنوب العراق ولم يسلم منه حتى مسؤولون أجانب كبار، مثل سفير الاتحاد الأوروبي في العراق (رامون بليكو). عيون المها أفزعتها سنوات الحرب العراقية/ الإيرانية الثمانية، وملايين أشجار النخيل احترقت أثناء تلك الحرب. وأما اليوم ومع تحويل إيران مصادر المياه التي تنبع من إيران أصبحت بساتين النخيل محض أعواد يابسة، تزحف إليها رمال الصحراء. ماذا سيفعل العاشقون العرب بعد رحيل عيون المها التي كانت تستوطن العراق، وبعد جفاف النخيل؟ أم أن العشق قد غاب وطحنته آلة الحروب، فما أبقته إيران في بغداد وأطرافها هو تلك الأيادي والوجوه المقنعة التي تقتل باسم الدين كل وجه جميل، وكل لون جميل، حتى طاول الأمر جميلات العراق اللاتي كانت آخرهن تارة فارس. فالعراق الذي تريده إيران هو ذلك العراق المظلم فقط. سلام على عيون المها، سلام على نخيل العراق. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى