fbpx

سكان الجنوب بعد فتح معبر نصيب: "هي معابرهم وليست معابرنا"

الكاتب: حكمت السبع معبر نصيب وقد بات اليوم عنوان المشهد السوري وتقلباته، هو أبعد من كونه فرضا للسيطرة الحكومية على منطقة جديدة، أو تبادلاً للنفوذ والسيطرة عليه، فللمكان دلالاته المختلفة هذه المرة، ذلك أن إغلاق المعبر لم يكن بسبب خلاف حدودي بين دولتين، بل كان رهانا على بوابات المنطقة برمتها، إن لم نقل متصلاً بخرائط سياسية جديدة، أفرزتها الحرب السورية، لتنتج بدورها رهانات جيوسياسية، تتضمن إاعدة ترتيب المنطقة، وهي رهانات أزاحتها نتائج الحرب، وتبدّت في الجنوب السوري وقد أصبح خارج حسابات اللحظة الفائتة، حيث باتت المعابر تمثل اليوم، ما يمكن تسميته بـ “إنقاذ” النظام بما يعني الاعتراف بشرعية وجوده، دون نسيان منعكسات الوضع السابق، ونعني ما قبل فتح معبر نصيب، على كل من الدول المجاورة كلبنان والأردن، وبطبيعة الحال منعكساته على حياة سكان الجنوب السوري، وفي المرتبة سكّان منطقة درعا السورية، الذي يمثل هذا المعبر رئة لاقتصادياتهم، سواء بوصفها اقتصاديات ترانزيت، أو بما يتصل بمنتجاتهم الزراعية، والأمر ينسحب على سكان منطقة السويداء.

  • حسابات الانتاج تعلو على حسابات السياسة:

ولكن هل سيغير فتح المعابر من حياة أهل الجنوب شيئا، أولئك الفلاحين الذين لا يقيمون وزنا للحسابات السياسية بقدر ما يهتمون لتصريف منتجاتهم الزراعية؟ معبر نصيب الحدودي مع الأردن والذي تم افتتاحه مؤخرا بعد أكثر من ثلاث سنوات على إغلاقه نتيجة النزاعات المسلحة في المنطقة، يقسم الناس في درعا بين من يرى أن فتح المعبر هو إنقاذ للمنطقة ومؤشرا على عودة الأمور إلى طبيعتها وبين من يرى العكس تماما. “ماجد فلاحة” فلاح يعتمد على زراعة الخضراوات، لم يخف ترحيبه بافتتاح المعبر يقول لـ مينا: “لدينا كميات كبيرة من بعض المحاصيل وهي محاصيل فائضة عن حاجة السوق المحلية، نضطر لبيعها أحيانا بأسعار زهيدة، ولكن مع فتح المعبر صار بإمكاننا أن نصدر أغلب الإنتاج إلى الخارج وبأسعار جيدة “. بينما يعاكسه “عمر قاسم” في الرأي ويعتبر أن الخضراوات والمحاصيل الأردنية أقل سعراً وتكلفة من الخضراوات والمحاصيل الزراعية السورية وخصوصا البندورة، ويوضح ذلك بالقول ” كيلو البندورة يأتي من الأردن ب30 ليرة بينما تكلفة الكيلو على الفلاح في درعا تصل ضعف ذلك، ما يعني خسارة فادحة لنا في محصول أساسي كالبندورة “، ويحيل عمر ارتفاع تكاليف منتوجات درعا من البندورة إلى ارتفاع تكاليف مادة المازوت الضرورية لمضخات الماء لسقاية المحاصيل ويعود للقول “تكلفة حصاد البندورة لدينا أعلى من سعره في الأسواق”.

  • للأردن حساباته:

اعتقد الكثيرون أن مفاوضات فتح المعبر ستكون فرصة ممتازة لربطها بملف المهجرين والنازحين بمخيمات الأردن، خصوصا وأن الأردن صرح على الدوام بأن قضية اللاجئين السوريين تمثل العبء الأكبر عليه ، لكن على ما يبدو أن الأردنيين لهم حساباتهم الأخرى المستقلة عن موضوع الاجئين، حيث تشير أرقام تقديرية إلى أن الأردن كان يستقبل من معبر نصيب 700 شاحنة يوميا، حيث تبلغ عائداتها قرابة مليار دينار سنوياً  قبل الحرب في سوريا، فيما اعتمدت 40 بالمئة من صادراته على هذا المعبر. الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها الأردن أدت إلى ارتفاع كبير في الأسعار ما شكل عبئا كبيرا على المواطن الأردني الذي لم يعد دخله يكفي لسد حاجاته الأساسية، ومع عودة المعبر للعمل تدفق الأردنيون إلى الأسواق السورية ليأخذوا منها ما عجزوا عن شرائه في بلدهم، بحيث شكل فارق العملة بين البلدين عاملا أساسيا في ذلك، فالدينار الأردني يساوي تقريبا 600 ليرة سورية ما يعني أن متوسط الراتب في الأردن والذي يقدر ب 500 دينار يساوي 300 ألف ليرة سورية ، هذا الفارق الكبير بالإضافة لرخص السلع السورية مقارنة بالأردنية جعل من القوة الشرائية للدينار فارقاً كبيراً  في سعر السلعة بين البلدين ، فعلى سبيل المثال: ـ عبوة زيت الزيتون 16 كغ سعرها في سورية ب 30 ألف ليرة (ما يعادل 50 دينار) بينما سعرها في الأردن 100 دينار (ما يعدل 60 ألف ليرة) ـ سعر كيس الرز 10 كغ في الأردن 7 دنانير (ما يعادل 4200 ليرة) بينما سعرها في سوريا 2500-3000 ليرة. ـ كيلو التفاح في سوريا 250 ليرة (أقل من نص دينار) بينما في الأردن 1800 ليرة (ما يعادل 3 دنانير). ـ لتر البنزين في سوريا 225 ليرة بينما يصل في الأردن ل 525 ليرة تقريبا. وهكذا فإن مشهد السيارات المتجهة إلى الأردن، والمحملة بالبضاعة على الحدود السورية ـ الأردنية، يوحي بأن الأردنيين كانوا الأحوج إلى فتح هذا المعبر من السوريين،  وهو المشهد الذي قسم السوريين بين من يرى فيه انتعاشا للحركة التجارية وبين من يعتبره إجحافا بحق المنتج المحلي مطالبين بوجود صيغة واضحة لأسعار التصدير، على أن لا تعكس ارتفاعا بالأسعار في  السوق المحلية والتي أصبحت هاجسا يقلق الجميع في ظل الأجور المتدنية والمحدودة والأوضاع الاقتصادية المنهارة في البلاد.

  • وما هو مصير اللاجئين؟

“عبد الرزاق أحمد” وهو أحد العاملين في منظمات الإغاثة، يرى أن مجمل الموضوع هو تفريط من الأردن للدم السوري ولقضية اللاجئين أيضا، يقول “خذلونا وساوموا علينا مقابل عودة سيارتهم محملة بالبضائع الرخيصة من سوريا ، فخلال الأيام الأولى اشترى الأردنيون قرابة 1000 طن من المواد الغذائية من الأسواق السورية،الأردن قايض علينا لإسكات الاحتجاجات فيه ، تلك الحدود اللعينة والتي دخلت منها كل أنواع الأسلحة عجزت أن تدخل الفرحة إلى بيوتنا وتعيد لنا أهلنا”. وحتى اللحظة يعاني اللاجئون بالأردن أوضاعا مأساوية وبخاصة في مخيم الركبان ذو السمعة السيئة مع غياب تام لأي حل أو مفاوضات حول مصيرهم. ويعارض عبد الرزاق بشدة فتح المعبر معتبرا أنه “لا يخدم مصالح الناس بشيء وأن المستفيد الوحيد هو النظام السوري  سواء من الناحية السياسية والأمنية أومن الناحية الاقتصادية إذ ستنحصر الفائدة ببعض المتنفذين والفاسدين و بشريحة محددة من رجال الأعمال والتجار المرتبطين به”.

  • بين درعا والسويداء:

قبل الحرب شكّل معبر نصيب وطريق الترانزيت الدولي ميزة مهمة لدرعا جعل من جارتها السويداء تنظر إليها بالكثير من الحسد والغيرة وخصوصا في ظل التهميش الذي كانت تعيشه. يقول أمجد نصار وهو سائق شاحنة “الفرق شاسع في حجم الأعمال وحركة الأسواق بين المدينتين ، يمر عبر درعا مئات الشاحنات والمسافرين يوميا بينما لا تجد على طريق السويداء أي حركة تذكر، لو أننا نمتلك طريقا دوليا ومعبرا لكانت أوضاعنا مختلفة تماما ، المعابر تمنح الحياة للمدن”. مع تفاقم العنف في البلاد وجدت السويداء نفسها أمام واقع جديد، فقد نزح إليها آلاف الفارين من المعارك في المدن السورية الأخرى، وبخاصة من درعا وريف دمشق القريبتين منها.. في البداية توجست المدينة كثيرا مخافة أن يقاسمها أحد رغيفها الذي لا يشبعها أصلا ، وخصوصا أن القادمين الجدد قد لا يكونون ضيوفا مؤقتين عليها بعدما دمرت بيوتهم ومدنهم، لاولكن ما حدث كان عكس ذلك تماما، فالقادمين إليها منحوها الحياة وأنعشوا حركتها واقتصادها من جديد.. استئجرت آلاف الشقق السكنية وازداد الطلب عليها كثيرا ما أنعش حركة البناء والكساء في المدينة بالإضافة لتوفر العمالة بشكل كبير وبأجور رخيصة عدا عن ازدهار حركة البيع والشراء في الأسواق التجارية. تزامن ذلك مع انتشار تهريب المحروقات بشكل واسع بين السويداء ودرعا، ونشأت أسواق كبيرة على هامش التهريب بين حدود المدينتين كان يمكن أن تجد فيها كل شيء ابتداء من المواد الغذائية ومواد البناء وحتى السيارات والمعدات. المعبر المفتوح من جهة واحدة على المال القادم من الخارج لم يكن ليساوي شيئا بدون منافذ تقود للداخل والتي شكلت خطوط التهريب بين درعا والسويداء جزءا مهما منها، فإغلاق المعبر يعني فتح خطوط التهريب والتي حولت السويداء إلى سوق نشط يستفيد منه الجميع. ولكن مع عودة  الكثير من النازحين المتواجدين في السويداء إلى مناطقهم بعد التسويات الأخيرة التي حصلت في الجنوب، تغير حال السويداء فالطلب المتنامي على كل الخدمات والسلع خف كثيرا تزامنا مع عدة أسباب أخرى أسقطت المدينة في موجة كساد قاسية وجاء افتتاح المعابر الجنوبية ليكمل الطوق عليها. ما يعنيه عودة المعابر للعمل كما في السابق بالنسبة للسويداء هو فقدان دورها الحيوي الذي عاشته في السنوات الماضية عدا عن توقف أغلب طرق التهريب التي كانت نشطة فيما مضى.. لا ينكر أحد أن السويداء ستستفيد بشكل ما  من افتتاح المعبر ولكن تلك الفائدة لا تتعدى بعض عروض التصدير المحدودة بالإضافة لعودة التواصل بين بعض الأسر والأقرباء المتواجدين في الأردن والتي انقطعت بسبب إغلاق المعبر، لكن تلك الفائدة المحدودة لا يمكن مقارنتها بمخاوفها الاقتصادية التي باتت ملامحها واضحة اليوم، كما أن افتتاح  معبر القنيطرة أيضا زاد من مخاوف المدينة بأن يعود تفاح الجولان لينافس تفاحها في الأسواق المحلية من جديد. كل ذلك جعلها تطالب مرارا بفتح معبر آخر يمر عبرها. عودة المعابر للعمل وإن كانت تحمل ما تحمله من مدلولات سياسية وإعلامية توحي بالانفراج إلا أنها في حقيقة الأمر لا تعني لسكان الجنوب شيئا يذكر، لازالوا يسألون هل سيتغير شيء إن فتحوا المعابر أو أقفلوها ؟ هي معابرهم وليست معابرنا. خاص – مينا هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى