fbpx

ستقسّم وتقسّم وتقسّم

نبيل الملحم

حصل تفكك السودان الاول باستقلال جنوبه وإعلانه “دولة”، وتقسمت سوريا بخريطة سايكس / بيكو، وهذا العراق وقد بات نتفاً، أما اليمن فهي وإن أُلصقت فلاسبيل لاستعادة وحدتها أو إلصاق بالغراء، وهذا وذاك، ليس عيباً في الامم بمقدار ماهو نتيجة لعيب وقع عليها، والعيب بكل معانيه واختصاراته أن الهوية لاتُصنع بالقلم والممحاة، وإنما تتوحد بتوافق الإرادات، وهو التوافق الغائب عن دول أخرجت من السوق، ولم تجمعها العقائد، وكل ما حملته من ارث الأمّة كان”الهراوة” وبالنتيجة فالهراوة ومهما بلغت من صلابة، سترتخي مع الوقت، ومعها ترتخي القبضة الماسكة.

سودان اليوم في طريقه إلى التفكك، وكل من يتوهم باستعادة سوريا “التاريخية” او سوريا” سايكس بيكو”، فهو لابد واهم، فالعيب في التكوين، ومن بعده العيب في إدارة التكوين، ومع العيبين لابد من إنتاج العيب الاكبر وهو عيب النثرات المتجاورة المتناحرة، ونعني تلك التي تستبطن الآخر المضاد، أو الاخر المرفوض، أو الآخر المسكوت عن الصراع معه ريثما يحل الصراخ مكان الصمت.

ما الذي وقع على سوريا تحديداً من بين النماذج السابقة؟

حدث أن لم يُنجَز مفهوم الدولة، والبرهان على هذا أن هذه البلد حملت اسم “سوريا الأسد” على مدى خمسين عاماً، وحين نرضى بالتسمية فهذا لابد ويعني ضمنياً رفض الدولة باعتبارها دولة المواطنة، وباعتبارها دولة كل سكّانها، ومع التسمية سيكون إلغاء إرادات الناس، فلو حملت الولايات المتحدة اسم “ولايات جورج واشنطن” لما كان مكانها في القوّة يتعدى مكانة الصومال، أو أرتيريا في أحسن الاحوال، وفي أردأها لكانت شبيهة بـ “سوريا الأسد”، حيث ألغي فيها المحراث الروماني، ولم تطلق الآلة البخارية بعد، ولنتصور أمّة تلغي “ثلث شعبها” أو “نصف الثلث” إذا ما فاتتنا دقّة الاحصاءات، ومن أمثلة هذا الإلغاء، أن شعباً بكامله، بتراثه وفنونه ولغته وأيامه يسجل في خانة “مكتومي القيد”، فتغيّب لغتهم ويغيّب تاريخهم، ويتحوّلون إلى أمة هائمة مكانتها في الوطن، أن تخدم جيشه، وتدفع ضريبته، وتصنّف على الغرباء، وأعني في هذا النموذج الحالة الكردية التي صاغها ضابط صغير من جيش مهزوم كان اسمه محمد طلب هلال، وورثها حزب “قومي”، لم يترك للعروبة فرصة إلاّ واحترب معها، بالتحالف والتنسيق مع مثيله وخصمه وحامل اسمه وشقيقه اللدود في العراق.

المقسّمون هم الأعلى صوتاً في هجاء التقسيم، تلك هي الحال، وكذا حال السودان، وسيكون هذا حال اوطان مازالت تغادر تسمياتها وباتت تحمل أسماء بائعيها:

ـ سوريا الأسد.. عراق صدّام.. ليبيا معمّر.. مصر عبد الناصر والسيسي اليوم.

ستقسّم وتقسّم وتقسّم.

تلك أمم (الخارقين)، وقد اوصلونا إلى هذا الانحدار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى