fbpx

جرائم إنسانية في إدلب والدستورية في أستانا؟

بات من المرجح أن يتم الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية في اجتماع أستانا القادم في الأول والثاني من شهر آب/أغسطس القادم رغم إصابة بيدرسون في عينه والتي يأمل كثيرون ألا تكون إصابة سياسية، بعد تذليل الكثير من العوائق التي كانت تقف في طريق تشكيلها في ظل توتر غير مسبوق بين الأتراك والروس حول ادلب واستمرار القصف الوحشي من قبل النظام السوري مدعوماً بحليفه الروسي، مستهدفاً المدنيين بشكل أساسي، في تقليد أصبح معروفاً قبل أي اجتماع في أستانا.

فكيف يمكن التوفيق بين مسألتين متناقضتين؟ تفاهم على اللجنة الدستورية بين شركاء متشاكسين في أستانا، وحرب في ادلب تتجاوز كونها بالوكالة لتصبح أشبه بالمواجهة المباشرة بين الأتراك والروس في ظل تمسك كل من الطرفين بموقفهما.

فالروس يرون أنه لابد من تعزيز موقف النظام قبل الذهاب الى مفاوضات قاسية، أملاً في تحويلها الى مصالحات بين منتصر ومهزوم، وهل هناك أفضل من كسر شكيمة المعارضة من خلال هزيمتها في معقلها الأساسي في ادلب وقضم مزيد من الأرض؟ بينما يرى الأتراك ومن خلفهم الأمريكان أن خسارة ادلب أو جزء ملموس منها سيجعل العملية السياسية في مهب الريح، فما الذي يجبر النظام على السير قدماً فيها اذا استعاد معظم الأراضي السورية ولم يبق للمعارضة أي معقل فيها تفاوض انطلاقاً منه؟.

ما سبق يدفع كثيراً من الباحثين لمحاولة سبر أغوار ما يجري، ومحاولة فهم الوقائع وتحليل المعلومات المتاحة، وبناء احتمالات عليها.

فمنهم من يرى أنه بالرغم من أن الحرب ضروس في إدلب ولم تعد هناك تفاهمات كبيرة يمكن البناء عليها بين الشركاء المتشاكسين في أستانا بسبب الاقتراب من مناقشة القضايا الجوهرية في الحل السياسي في سوريا وخصوصاً المتعلقة بشكل الدولة وطبيعة الحكم القادم، إلا أن الروس لم يكونوا قادرين على تجاوز استحقاق اللجنة الدستورية ونسفه خصوصاً بعد صمود مقاتلي المعارضة الأسطوري في ادلب، والتهديد الأمريكي الأوربي المشترك بتجاوز اللجنة الدستورية والذهاب باتجاه خيارات تصعيدية ضد النظام وحلفائه قد تضع الروس في حرج لا قبل لهم بمواجهته.

ومن الباحثين من يرى أن طبيعة العلاقات بين الدول تقتضي الفصل بين الملفات فقد تتحارب بقسوة فيما بينها عبر الوكلاء على الأرض، في الوقت الذي تجلس فيه إلى طاولة التفاوض السري والعلني لإنجاز تفاهمات لا تخطر ببال. وحالياً توجد معلومات مهمة تشير الى أن تفاهمات أمريكية روسية قد أنجزت بعيداً عن الأطراف الأخرى في الملف السوري تعمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 وفق تصوراتهما الخاصة على قاعدة كيسنجر خطوة مقابل خطوة.

ومن قائل أن الروس جنحوا الى التصعيد العسكري في ادلب لتعويض النظام عن فشله في تحقيق شروطه الخمسة البائسة في اللجنة الدستورية والتي تتلخص في إصراره على نيل رئاسة اللجنة منفرداً وأن تكون له أغلبية الثلثين من الأعضاء وأن تكون القرارات بالإجماع وأن تكون اللجنة تحت اشرافه وفي دمشق وليس تحت اشراف الأمم المتحدة، وأن تذهب باتجاه تعديلات دستورية وليس تغيير الدستور.

فشل النظام فيما سبق، وبالرغم من نيله أربعة مقاعد من أصل ستة في التسوية الأخيرة بين الروس والأمم المتحدة، بشأن الأسماء المستعصية، إلا أن القواعد الإجرائية تميل الى الحياد إن لم يكن أقرب الى وجهة نظر المعارضة وهذا ما لايتصوره النظام ومن أهم هذه القواعد الإجرائية فكرة الرئاسة المشتركة وتمرير قرارات اللجنة بأغلبية ال75% والمرجعية لقرار مجلس الأمن 2254 ، وفكرة القبول الشعبي مع رفض فكرة اعتبار التصويت في مجلس الشعب السوري قبولاً شعبياً. فضلاً عن قواعد أخرى لا تنسجم مع عقلية النظام السوري.

وهناك من يرى أن الروس لم يؤمنوا يوماً بالحل السياسي العادل وأن هدفهم الحقيقي هو القضم التدريجي لمناطق المعارضة حتى انهائها ولو استغرق ذلك عشر سنوات وأنهم لا يؤمنون الا بالتدمير الشامل ثم بالمصالحات الشكلية على الطريق الشيشانية ولكن صمود الثوار في ادلب؛ وادراك الاتراك لمخاطر توجه الروس ورفضهم شرعنة أي قضم جديد، اضطر الروس الى القبول بأن تسير اللجنة الدستورية ولو خطوة محدودة ريثما يجدوا حلاً لفشلهم في ادلب، على أمل أن يضيع سياسيو المعارضة في ميدان التفاوض ما سطره المقاتلون من بطولات في ميدان الحرب.

وهناك من يرى أن الروس يريدون تأمين الخواصر الرخوة حول قاعدة حميميم والسقيلبية (ذات الأغلبية المسيحية) وجورين، قبل الذهاب الى حل جزئي يبدو أنه يتجه الى تثبيت واقع الأمر الحالي لوقت طويل وإبقاء مناطق النفوذ على حالها، والنظام السوري في هذه الحالة سيكون أكبر الخاسرين نتيجة فقدانه أهم الموارد الاقتصادية لوجودها خارج مناطق نفوذه، ولأنه في حالة الاستقرار النسبي نتيجة تثبيت الواقع الحالي سينجم عنه اتاحة الفرصة أمام أنصار النظام للبدء بمطالبته بتعويضات نتيجة وقوفهم معه، ماكان لهم أن يطلبوها زمن الأزمات الحادة.

فضلاً عن كل ماسبق يرى بعض العارفين ببواطن الأمور أن أمرين قد استجدا في الآونة الأخيرة وقد يكونان السبب في قبول النظام للسير قدماً في اللجنة الدستورية؟!

أولهما أن خطة النظام المتواطئ فيها مع الروس قد انكشفت والتي تقضي بمزيد من المماطلة دون انجاز شيء ملموس حتى موعد انتخابات 2021 وبموجبها يمدد بشار الأسد لنفسه سبع سنوات إضافية مشرعنة روسياً وايرانياً مع بعض الدول العربية موقعاً الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في حرج كبير، ما جعل جهات دولية نافذة رأت أن النظام السوري الذي أضاع سنتين من أجل تسمية الأسماء وربما عقوداً لإقرار الدستور، لا ينبغي أن يستمر في استغفال المجتمع الدولي، تدعو الى طرح فكرة تجاوز اللجنة الدستورية وذهاب الأمم المتحدة باتجاه تنظيم انتخابات مباشرة في سوريا أولاً وهو ما كان طرحه ديمستورا من قبل و رفضه الروس خصوصاً في ظل وجود أكثر من نصف الشعب السوري في بلاد اللجوء وخارج سيطرة النظام وفوز بشار الأسد بهذه الحالة ليس مضموناً.

أما ثاني هذين الأمرين فهو وصول معلومات مؤكدة للنظام السوري أنه في ظل مماطلته في المساعدة في اعلان تأسيس اللجنة الدستورية وبالتالي عرقلة تشكيل المجموعة المصغرة المسماة بلجنة كتابة الدستور والمؤلفة من خمسة وأربعين شخصاً، فقد يصار دولياً إلى اعتماد اللجنة الدستورية باعتبارها هيئة تأسيسية تكون بديلاً عن برلمان النظام، وقد يتفاهم الروس والأمريكان حول هذا.

وهذا خطير جداً بالنسبة له، لذلك قد يكون من مصلحته الآن السير في تأسيس اللجنة والإسراع بتشكيل لجنة كتابة الدستور، واهمال لجنة المائة وخمسين وعدم دعوتها مرة أخرى بعد حفل الافتتاح، ثم يعمد النظام السوري بعدها الى نصب الفخاخ في لجنة صياغة الدستور ورمي البالونات الجوية الحرارية المضللة.

نرى من كل ماسبق حجم التعقيدات المحيطة باللجنة الدستورية وتشعبها في ظل وجود عشرة قوى نافذة في سوريا ثلاثة منها محلية: النظام والمعارضة ومسد وسبعة خارجية أمريكا وروسيا وتركيا وايران وإسرائيل والسعودية وأوروبا، وكلها متناقضة فيما بينها وتسعى لنفي بعضها بينما المعلم الأمريكي الأكبر يرى أن الجميع في النهاية سيعود إليه، فلماذا يسعى لحل معضلة تاريخية كبرى قد يكون هو المستفيد الوحيد فيها؟.

مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا”

هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى