fbpx

لماذا لا تملك آلة الاغتيال في إيران فرامل؟

مع ظهور الاتهامات الدنماركية الجديدة لإيران أضيفت الآن دولة أخرى إلى قائمة الدول الأوروبية الست؛ وهي (النمسا، فرنسا، بلجيكيا، ألمانيا، هولندا، النرويج) التي جرى استهدافها من قبل الأجهزة الأمنية الإيرانية في قضايا اغتيال لمعارضي نظام الملالي، ومع فتح هذه القضايا الرامية إلى تنفيذ عمليات إرهابية على الأراضي الأوروبية يبدو أن الجمهورية الإسلامية في إيران ستواجه عقبات أكبر في إقناع الأوروبيين بمساعدتها على التقليل من آثار العقوبات الأمريكية التي طُبِّقت في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.

نتطرق في هذا المقال إلى سؤال يشغل كثيراً من الأذهان؛ وهو لماذا تستمر آلة الاغتيال في نظام الملالي في العمل على تصفية المعارضين الإيرانيين البارزين في ظل هذه المتغيرات المتأزمة التي تمر بها إيران داخلياً وخارجياً.

إن استدعاء السفير الإيراني في النروج وبيان الإدانة الشديد الذي أصدرته الدول الاسكندنافية الخمس حول مساعي إيران لاغتيال بعض المعارضين الإيرانيين على أرض الدنمارك، وكذلك إصرار الدنمارك على تطبيق عقوبات جديدة على إيران ودعم كل من ألمانيا وبريطانيا الولايات المتحدة لها يبين لنا حجم هذا الموضوع وأهميته بالنسبة إلى الدول الأوروبية المستهدفة، ويبين أيضاً إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه الأفعال مكلفة وباهظة بالنسبة إلى إيران.

وفي المقابل اقتصرت ردات الأفعال الإيرانية حتى الآن فقط على رفض هذه الاتهامات وإلصاقها بمؤامرات مخططة من قبل الموساد الإسرائيلي أو منظمات معارضة لإيران مثل منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.

ولكن اعتقال الدبلوماسي الإيراني العامل في السفارة الإيرانية في فيينا وطرد دبلوماسيين إيرانيين اثنين من هولندا وإغلاق الحسابات البنكية الخاصة بوزارة المخابرات الإيرانية في فرنسا، واستدعاء السفراء الإيرانيين في الدول الأوروبية بشكل متتالٍ ومستمر وكذلك مناقشة هذه القضايا في أعلى المستويات، كما حدث في الاجتماع الذي حضره حسن روحاني مع المستشارة الألمانية ميركل، ورئيس النمسا يبين لنا أن الدول الأوروبية لم تقتنع بأجوبة إيران غير المنطقية.

  • لماذ الآن؟ ولماذا هنا؟

من الطبيعي أن يتبادر هذا السؤال إلى الذهن الآن. لماذا حركت إيران آلة الاغتيال خاصتها -بعد مدّة طويلة من الانقطاع كما يقول الأوروبيون- وحولت تهديداتها اللفظية المعتادة إلى أفعال عملية في أوروبا، في حين إنها في أمس الحاجة إلى أوروبا من أجل المحافظة على الاتفاق النووي ومساعدتها في التقليل من آثار العقوبات الأمريكية المدمرة؟

أكد حسن روحاني -في مقالة نشرت في صحيفة فاينانشيال تايمز يوم الخميس ١ نوفمبر/ تشرين الثاني- ضرورة توسيع التعاون الإيراني الأوروبي ولكنه لم يشر أبداً إلى موجة الاتهامات الجديدة الموجهة ضد إيران من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل أو المملكة العربية السعودية بصفتهم المعارضين العلنيين للتوافق النووي بل طالب الدول الأوروبية حماية هذا الاتفاق المزمع مع طهران.

كما أن الرئيس الإيراني صرّح في مقالته عن بدء المحادثات بين إيران والاتحاد الأوروبي حول القضايا الإقليمية ولكنه في الوقت نفسه لم يتحدث عن طبيعة هذه المحادثات وهل كانت هذه المحادثات كما طالب الأوربيون ورفضته إيران؟ وهل ستشمل هذه المحادثات موضوع السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية في المنطقة الأمر الذي يعتبر موضع انتقاد الولايات المتحدة وأوروبا وقسماً رئيساً كبيراً من دول المنطقة والجوار؟ أم أن تلك المحادثات كانت تقتصر على مناقشات عامة ومقتصرة على اليمن فقط.

عندما تكون القوات الأمنية الإيرانية فاعلة على الأراضي الأوربية فمن الطبيعي أن يواجه الاتحاد الأوروبي مزيداً من الصعوبات من خلال اتباعه نهجاً معتدلاً عاماً تجاه السياسات الإقليمية للجمهورية الإسلامية.

  • الاغتيال؛ استراتيجية مؤثرة أم تكتيك مكلف؟

الميل نحو القضاء على المعارضين الإيرانيين جسديا له سجل حافل وطويل في تاريخ الجمهورية الإسلامية وظهرت أول طلائعه عشية انتصار الثورة في إيران. وإلى جانب القمع الداخلي الشديد والهائل الذي أدى إلى هروب ونفي العديد من قوى المعارضة الإيرانية، امتد نطاق آلة الاغتيال ليتخطى بذلك حدود إيران الجغرافية.

فخلال العمليات التي قامت بها القوات الأمنية التابعة للجمهورية الإسلامية وبخاصة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي جرى اغتيال عدد من الشخصيات المعارضة البارزة مثل شابور بختيار وعبد الرحمن قاسملو وصادق شرفكندي وعبد الرحمن برومند وغلام علي اويسي وفريدون فرخزاد وغيرهم من المعارضين الإيرانيين البارزين.

إضافة إلى تكذيب هذه العمليات وإنكارها من قبل إيران وإلصاق هذه الاتهامات بمؤامرات العدو أو المنظمات المعارضة لنظام الملالي هناك تسويغ آخر قدمه الطيف الإصلاحي في إيران بأن عمليات الاغتيال هذه قد جرى تنفيذها من قبل قوات عشوائية وغير مرتبطة أساسا بالحكومة الإيرانية وتعمل بشكل مستقل عن السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية.

على الرغم من أن ردات الأفعال الأوروبية لم تكن مثيرة للاهتمام في بعض الحالات ولكن في بعض القضايا والحالات مثل قضية مطعم ميكونوس واغتيال السيد صادق شرفكندي في برلين لاقت أعمال الجمهورية الإسلامية ردات أفعال قوية من جهة الدول الأوروبية وتوسع الموضوع ليأخذ أبعاداً مثيرة للجدل وحتى أن أصابع الاتهام أشيرت نحو كبار مسؤولي النظام بمن فيهم علي خامنئي وأكبر هاشمي رفسنجاني وعلي أكبر ولايتي.

ومع ذلك فإن ردات الأفعال الأوروبية المتماشية مع النظام الإيراني واستمرار العلاقات السياسية والاقتصادية الجيدة نوعاً ما -على الرغم من مرورها في بعض التقلبات- دفعت الطيف الراديكالي في إيران الذي يؤمن أن طريق الحل هو اغتيال المعارضين السياسيين إلى الاستمرار في هذه العمليات وعدم اكتراثه كثيراً لما ستجره هذه العمليات من نتائج وتداعيات.

إن أفضل مثال على هذا الأمر هو التورط المباشر للدبلوماسيين الإيرانيين في القضايا الأخيرة المتعلقة باغتيال محمد رضا كلاهي صمدي وأحمد نيسي في هولندا في الأعوام الماضية أو مساعي النظام الإيراني لتفجير تجمع منظمة مجاهدي خلق الذي عقد في باريس في ٣٠ حزيران/ يونيو من صيف العام الجاري.

  • لا فرامل في نظام ولاية الفقيه

محمود أحمدي نجاد تحدث مرة في مارس/ آذار ٢٠٠٧ حول موضوع الملف النووي الإيراني قائلاً: كسرت إيران فراملها وعتلة الرجوع إلى الوراء في قطارها النووي.

وعلى الرغم من أن قطار إيران النووي قد توقف مؤقتا بسبب الاتفاق النووي ولكن تصريح أحمدي نجاد هذا بين قسماً كبيراً من المبادئ الفكرية والسلوكية لدى أغلب صانعي القرار في الجمهورية الإسلامية.

وفي السياق نفسه تطرق مرة –حسين شريعتمداري ممثل المرشد الأعلى في إيران- إلى الحديث عن الاحتجاجات الطلابية التي جرت في شهر تموز/ يوليو ١٩٩٩ وعبر عن مضامين الموضوع نفسه وكيفية تعامل النظام الإيراني مع معارضيه حين قال: الجمهورية الإسلامية في موضوع قمع المعارضين تشبه سيارة تتجه إلى أسفل منحدر قاس ولا تملك أي فرامل ولا تصغي إلى أي أوامر.

وفي ما بعد أكد شريعتمداري مرات عدة هذه النقطة واعتبر أن الموقع الحالي لعدد من مسؤولي الجمهورية الإسلامية يرجع إلى مواقف المتشددين في إيران.

لذلك ليس من المستغرب أن نجده اليوم وهو ينتقد وزارة الخارجية الإيرانية ويتهمها بالسلبية والتقصير أمام ما سماه بوقاحة الأوروبيين.

حسين شريعتمداري هدد صراحة بعد عملية الهجوم على الموكب العسكري في الأحواز بأنه يجب ألا نضيع هذه الفرصة من أيدينا وقال: لأن مناصري الجمهورية الإسلامية ومؤيديها في إيران في كل مكان في العالم ليسوا بقلة فيجب على جراثيم الفساد والدمار أن يخافوا من ظلهم من اليوم فصاعداً.

إضافة إلى ما ذكرناه كله من شواهد وأدلة خرجت من أفواه كبار المسؤولين الإيرانيين لم ننسَ ما صرح به اللواء مسعود جزايري في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠٠٩ وتأكيده تحديد المعترضين والمحتجين على انتخابات عام ٢٠٠٩ في داخل إيران وخارجها وتهديده لهم بالرد الملائم.

خلاصة القول إن مثل هذه الخطب والتوجهات التي يجري تداولها بشكل روتيني ومستمر على ألسنة صانعي القرار في نظام الملالي، تعني من وجهة نظرهم أن اغتيال المعارضة في خارج إيران هو أداة شرعية ومرغوبة للتعامل مع المعارضين.

ومهما توقفت آلة الاغتيال في الجمهورية الإسلامية عن العمل بسبب المتغيرات غير المواتية لكنها ستعود إلى العمل من دون توقف من بدون فرامل كلما وجدت الفرصة قد أصبحت سانحة.

مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى