fbpx

نهاية داعش وإغلاق أبواب الجحيم

إعلان هزيمة داعش أو فكرها لن ينهي بالضرورة خطر الإرهاب الذي عانت ويلاته دول عدة؛ عربية وغير عربية، ما يعني ضرورة التوجه نحو خطط بديلة تستوجب التنسيق الدولي الشامل، لبناء خطط استراتيجية مُحكمة للحدّ من انتشار الأيديولوجيا الجهادية وآثارها التدميرية، وذلك بـ:

  • قيام الدول مجتمعة بالتنسيق في ما بينها، لبناء قاعدة بيانات وتشكيل هيئة دولية لتحليل البيانات واستخلاص نتائجها، للخروج باستشراف مستقبلي يعطيها إمكان وضع الحلول الملائمة.
  • الاستناد إلى فريق عمل متكامل، من باحثين ودعاة إسلاميين تنويريين ومختصين أمنيين وإعلاميين، يقع على عاتقهم تأسيس مراكز للدراسات الاستباقية تواكب المتغيرات المتسارعة دولياً ومحلياً وتتوجه أولاً: نحو استنباط الحلول الممكنة. ثانياً: التنسيق مع الفاعلين المحليين في الدول لضبط الظاهرة.

أولاً: استنباط الحلول الممكنة يمكن الانطلاق من جملة معطيات على رأسها: 1- البحث عن جذور الحلول في ما قدّمته دولة داعش من مثال في سرعة تحول “دولة الخلافة” إلى رمز “زماني- مكاني” جاذب للشباب المتطرف، وفي ما اتبعته لتركيز وجودها بصفتها دولة حتى لو كانت قصيرة العمر، وتمثل في اعتمادها: أ‌.  على استخدام العنف المطلق ضد الجميع وتسويغ ممارساتها الدموية على قاعدة نصوص دينية انتقائية. ب‌. الانتقال من فكرة الدين- الأمة “الحكم باسم الدين” إلى الدولة- الأمة “الحكم باسم الدولة” الذي يتماشى مع طموح عدد لا بأس به من الإسلامويين في امتلاك حلم الحكم بحسب الشريعة، بدل الاكتفاء بنظرية الدين- الأمة التي تتبناها التنظيمات المتطرفة الأخرى كالقاعدة والنصرة وتبدو غير قابلة للتحقق. 2- تفكيك فكرة المؤامرة ورد داعش إلى كونها صناعة غربية ومؤامرة على الإسلام، إذ تعتمد أكثرية مدافعة عن الإسلام فكرة المؤامرة، وإن دلّ ذلك على شيء فهو يدل على نكران الظاهرة بسبب الضعف وانعدام المسؤولية تجاه المحاكمة الصريحة والصحيحة لظهور هذه النمطية الإقصائية من التفكير بأمثلتها التاريخية التراثية المتعددة من جهة، ومن جهة ثانية إعطاء داعش والفكر المتطرف صك براءة بأنه ليس فاعلاً وإنما مفعول به ما دامت المؤامرة قائمة على الإسلام، ما يعني أن الفكر المؤسس والرغبة في ظهور داعش سيبقى ما دام العرب والمسلمون يعيشون حالة الاغتراب عن الواقع، ويلجؤون إلى مواجهة التخلف الحضاري الذي يعيشونه تجاه الغرب بإلقاء اللائمة على الغرب من الاستعمار بكل أشكاله إلى تطوره وتفوقه العلمي، وهذا التخلّف لا تقدم حلوله داعش أو أمثالها، بل إعادة بناء المجتمعات العربية الإسلامية على آلية جديدة في التفكير، تساهم في عودة تفعيل وجودها ضمن المجال الحضاري الإنساني. ثانياً: التنسيق مع الفاعلين المحليين لضبط الظاهرة إن منع ظهور داعش أو “دواعش” يتوقف على تفكيك فكرها وثقافتها القابلة للتمكين والانتشار، القادرة على خلخلة البنيات المجتمعية عند أول حالة خلل في المنطقة. وهذا يفترض التوجّه إلى وضع حلول قابلة للتطبيق ويمكن تقسيمها على ثلاثة أطراف: الدول التي من مصلحتها الحد من ظاهرة الإرهاب، والمؤسسات المدنية، والمجتمع الإسلامي. وهذا يتحقق في: 1- فصل الدول العربية والإسلامية المؤسسة الدينية الرسمية عن الدولة وعدّها هيئة دينية مثلها مثل الهيئات الأهلية الأخرى للحدّ من نفوذها، وكسر وصايتها على المجتمع وتضييقها للحريات والمناشط الإنسانية من جهة، ومن جهة ثانية كفّ يدها عن التدخل في الشؤون الدينية الفقهية تمهيداً لخلق مرجعيات دينية تتلهى بكسب المريدين وتتنافس على الاجتهادات وبهذا يكون باب الاجتهاد قد فتح بصورة غير مباشرة. 2- الشروع في إعادة هيكلة لجان رعاية المساجد وتطبيق الأنظمة والقوانين التي تضمن عدم تغوّل هذه اللجان أو تأثيرها المجتمعي التحريضي، إضافة إلى ضبط الفتاوى المكفّرة والمحرّضة والمشكّكة في عقائد الآخرين. وإعادة النظر في فلسفة المدارس الشرعية بما يضمن الاستفادة من مخرجاتها في التهيئة لفكر عصري، وتنشيط دورها في التوعية الإنسانية. 3- وضع خطة وطنية لمواجهة التطرف والغلو الفكري، وتكثيف الجهد بحيث تشمل كل الجوانب التربوية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية. لنشر فكر عقلاني متوازن يضمن مجتمعاً آمناً متماسكاً تشارك فيه المؤسسات المعنية كافة رسمياً وشعبياً. 4- تكثيف الجهد ووضع الخطط اللازمة لسدّ الفراغ “الهوّياتي”، بنشر الفكر الديني المستنير والعصري الذي يعيد الاعتبار إلى “الإنسان”، فهو المُستخلَف في الأرض من أي دين كان. 5- تفعيل الجمعيات الأهلية وبناء القدرة المؤسسية لها للقيام بدور فاعل اجتماعياً واقتصادياً. اجتماعياً، في تقديمها لرؤية تتضمن آليات إطلاق حوار بين أتباع الدين الواحد وفرقه المختلفة “من متصوفة وسلفيين ومعتدلين وشيعة” لغايات خفض حدّة العداء والتحريض داخل المجتمع الواحد. اقتصادياً، في تطبيق أسس “الاقتصاد الإسلاميّ” في التكافل الاجتماعي والحاجة الاقتصادية، والتمييز بين الأملاك الخاصّة بالأفراد والأملاك العامة التي تُعدّ مُلكاً للمجتمع. 6- تفعيل مؤسسات المجتمع المدني، وتوجيه نشاطها بما يخدم إشاعة ثقافة الحوار وقبول الرأي الآخر وقبول التعددية، والارتكاز على فكر معتدل مهما اختلف مضمونه (دينياً أو علمانياً أو وطنياً أو غيره) فالاعتدال ليس قانوناً عقائدياً يُستند إليه للوقوف ضد الآخر، وهو الأقدر على وضع حدّ للتهاوي نحو التطرف بمختلف أشكاله بوصفه منهجاً للتفكير وصون المجتمعات. هذه الخطوات الأولية ستؤدي في نتيجتها إلى فصل الدين عن الدولة، من دون الدخول في مشاحنات مع التيارات الرافضة لهذه الفكرة وعدّها فكرة علمانية “كافرة”، وسترسّخ مفهوم ارتباط الدين في المجتمع ضمن قواعد سلوكية تحول الدين إلى قيم روحية جامعة، بناء على أسس توافقية مع الأديان الأخرى والتركيز على ما تتسم به الأديان من قيم التسامح والعدالة والإنصاف. فمشكلات ظاهرة التطرّف الديني لا يكون حلّها بالابتعاد عن الدين، بدلالة ظهور حركات دينية متطرّفة في أمريكا وأوروبا، على الرغم من وجود الأنظمة العلمانية. أفول نجم تنظيم داعش بما شكله من بداية لفتح باب الجحيم في إدارة التطرف، لن يحدث فعلياً ما دام فكرها والأسباب الدافعة إليها مغروسة في أذهان كثيرين، وأي جهد لا يُبنى على خطة موحّدة ومتكاملة تأخذ صفة الاستمرار والديمومة، وتعمل على خلخلة البيئة الملائمة لنموّ فكرها واتحاد عناصر هذه الجماعات، فداعش بيننا، قادرة على استعادة وجودها في أكثر من مكان وزمان بغضّ النّظر عمّن يحركها. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى