fbpx

قاديروف غروزني جولاني إدلب؛ هل يسعى الروس لفعلها؟

على غرار الخطة الأمريكية التي طُبّقت في أفغانستان بعد غزوها عسكرياً، والمتمثلة في خلق نظام سياسي مُدجّن (حكومة كرزاي)، فكّر بوتين في خطّة يفكك من خلالها المنظومة التي تشكّلت في الشيشان منذ حرب استقلالها الأولى بقيادة المفتي و”المنشّط الروحي” لعقيدة الجهاد القتالية “أحمد قاديروف”، في أواسط تسعينيات القرن المنصرم. بقي بوتين مصمّماً على تفكيك المنظومة من داخلها، وبأدواتها، ومن ثم لن يضطر إلى إقحام الجيش الروسي في عملية التغيير كما هي حال الأمريكان في أفغانستان. ولتنفيذ تلك الآلية في الشيشان كان البديل جاهزاً ومهيّأً، وربما منذ ما قبل اغتيال “أحمد قاديروف” 2004 الذي انقلب على انفصاليي الشيشان وتحالف مع موسكو في نهاية الألفية الثانية. تجسّد ذلك البديل في “رمضان” نجل الرئيس السابق أحمد قاديروف، وقائد ميليشيا “قاديروفتسي” التي انقلبت على انفصاليي الشيشان، لتقاتل إلى جانب الجيش الروسي، وبدعم جهاز الأمن الروسي وتغطيّة منه. تسلّم رمضان رئاسة الشيشان حال بلوغه الثلاثين من عمره، عام 2007. وخلال السنوات الثلاث الفاصلة بين مقتل والده وتسلمه الرئاسة دأب جهاز خدمات الأمن القومي الروسي على تدريبه وتدجينه جيداً خلال تلك المرحلة. وبسبب قوة العلاقة بين فلاديمير بوتين ورمضان قاديروف أُطلق على الأخير لقب “فتى بوتين المدلل”، لا سيما بعد تغريدته الشهيرة: “إن رئيس الشيشان وجنود الشيشان جميعهم مستعدون للتضحية من أجل الرئيس بوتين من أجل الدفاع عن روسيا” وأكد أنه “مستعد للموت من أجل روسيا والرئيس بوتين”.

  • الجولاني؛ سيناريو قاديروف في إدلب

بعد مرور عام تقريباً على اندلاع الانتفاضة السورية أعلن تشكيل ميليشيا “جبهة النصرة”، بوصفها جناحاً يمثّل تنظيم القاعدة في “الشام” بقيادة (أبي محمد الجولاني) العائد مؤخراً من العراق. وفي أقل من ثلاث سنوات استطاع ذلك الشاب، ذو الأصول المجهولة، الاستحواذ على محافظة إدلب لا سيما بعد تسليم أغلبية المناطق -التي سيطر عليها قبل 2015- إلى تنظيم داعش كمحافظتي الرقة ودير الزور، وما تلاها من تسليم بعض المناطق المتفرقة للنظام والروس والإيرانيين، وصولاً إلى حلّ معظم الفصائل العسكرية المعارضة للنظام السوري كما سيمر معنا. وإذا ما تتبعنا الخطط التي سار عليها قاديروف في الشيشان سنجدها الممارسات ذاتها التي انتهجها الجولاني مع الفصائل العسكرية والمدنيين والإعلاميين داخل إدلب لتثبيت سلطته فيها؛ واللافت للانتباه أن جميع من يقوم بإزاحتهم وتصفيتهم هم من الثوار والمعارضين لنظام الأسد في دمشق، تماماً كما حصل مع معارضة الروس في الشيشان على يد قاديروف. بدأت سلسلة التخلّص من المعارضين على يد الجولاني منذ عام 2014 حين قضى على جبهة ثوار سوريا وحركة “حزم” في الريف الإدلبي لتستمر بعد ذلك عمليات الهجوم على الفصائل وحلّها وتجريدها من أسلحتها وتصفية قادتها الواحد تلو الآخر. وكما تابعنا مؤخراً جرى ضرب كتائب الزنكي واستبعادها من مناطقهم التابعة لريف حلب الغربي، والاستيلاء على ما تبقّى من مدن الريف الغربي وبلداته، كان آخرها وأكبرها مدينتي دارة عزة والأتارب. مؤخراً؛ صدرت الأوامر للجولاني بالتوقف مؤقتاً عن مهاجمة باقي الفصائل المسيطرة على الجزء الصغير المتبقّي من الريف الإدلبي. ولإتمام سيطرته على الجانب المدني والسياسي داخل “كيانه” قام الجولاني بإنهاء عمل مكاتب الحكومة السورية المؤقتة وشكّل بديلاً لها أطلق عليه مسمى “حكومة الإنقاذ” لتشكّل واجهة “مدنية” تأتمر بأوامره وتنتهج نهج ميليشيا “جبهة النصرة” التي يقودها. ولا يخفى على المتابعين جميعهم أن جميع ما تقوم به “النصرة” وزعيمها الجولاني يصبّ بالدرجة الأولى في مصلحة النظام السوري، وحليفها الروسي الذي استهدف قصفه في إدلب المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المناهضة للنصرة، ولم يسجّل حتى اللحظة أي استهداف لمقرّ او تجمّع تابع لمقرات الجولاني وقواته. ذلك النهج الذي سار عليه الجولاني يتطابق تماماً مع نهج رمضان قاديروف في الشيشان، ففي آب/ أغسطس 2005، أي قبل تسلم الأخير الرئاسة بنحو عام ونصف، صرح في خطاب له بأن الحرب قد انتهت، وتقلص عدد الانفصاليين حتى أصبحوا محض “قطاع طرق” لا يتجاوز تعدادهم 150 شخصًا. لكن الإحصاءات تقدر عددهم بأكثر من 1500. وعن معارضيه قال: “لقد قتلتهم جميعًا، وسوف أطارد كل من كان يقف وراءهم حتى أقتلهم، وبوتين رجل عظيم زار قبر والدي بنفسه، بوتين يهتم بالشيشان أكثر من اهتمامه بأي جمهورية أخرى من جمهوريات روسيا الاتحادية، بوتين يستحق أن يبقى رئيساً مدى الحياة، نحن بحاجة إلى قيادة قوية، والديمقراطية هي محض تلفيق أمريكي وروسيا لن تخضع لقوانينهم”. عام 2006، أصدر رمضان قاديروف مرسومًا وزاريًا يقضي بإجبار النساء على ارتداء غطاء الرأس، وطالب بسحب القوات الفدرالية باستثناء حرس الحدود من الشيشان كما رفض السياسات الفدرالية المتعلقة بالميزانية وطلب من موسكو مزيدًا من الأموال. قام رمضان بدمج عناصر ميليشيا قاديروفتسي كقوة خاصة تابعة لوزارة الداخلية وذلك لإرهاب معارضيه وتعزيز دعائم حكمه، إذ يشارك أولئك العناصر في عمليات الخطف والإخفاء القسري والتعذيب الممنهج، حتى أصبح اسم “قاديروفتسي” أكثر شيء يخشاه المواطنون الشيشانيون، تماماً كما يشكّل اسم “النصرة” وأمراؤها من رعبٍ ودموية على مدنيي إدلب الذين باتوا يشكّون بموالاتها لنظام الأسد وحلفائه من الروس والإيرانيين لا سيما بعد ما أطلق عليه “اتفاق المدن الأربع”. وبعد تسلم رمضان زمام الأمور في الشيشان، صارت الشيشان مضرب المثل في تصدير الصفقات المشبوهة والاغتيالات الكبرى إضافة إلى تصدير المنظمات الإرهابية والإرهابيين إلى شتى بقاع الأرض، وأولها إلى سوريا من خلال “أبي عمر الشيشاني” وغيره. أما النصرة، فما إن بدأت بتسيير أعمالها حتى أصدرت حزمة من القوانين جاء على رأسها التزام النساء باللباس الشرعي الكامل، كالمرسوم الذي أصدره قاديروف في 2006، إضافة إلى الفصل بين الذكور والإناث في المدارس والجامعات والأماكن الخاصة والعامة. ومن أخطر التهم التي توجّه إلى شخص ما، وغالباً ما تودي به إلى الهلاك هي تهمة “التواصل مع الدول الأجنبية” سياسياً أو إغاثياً أو إعلامياً، أما تبنّي الفكر العلماني أو الليبرالي، أو المطالبة بتطبيق النهج الديمقراطي، بالقول أو الكتابة، داخل مناطق سيطرة النصرة فتكون التهمة “الردّة”، أي الكفر، ومن ثم القصاص من صاحبها قتلاً.

  • اغتيال المعارضين والإعلاميين المناهضين للنظام

تاريخ رمضان قاديروف ممتلئ وطافح بعمليات التصفيات السياسية التي ملأت صفحات منظمات حقوق الإنسان وجمعياتها، ولعل أشهرها: اغتيال “آنا بوليتكوفسكايا” عام 2006، الإعلامية التي اشتهرت بمعارضتها لحرب الشيشان الثانية وانتقاداتها لسياسات الرئيس الشيشاني. وأيضاً حادثة اغتيال “ناتاليا إستميروفا”، الناشطة الحقوقية التي كانت بصدد تقديم تقارير في غاية الحساسية عن الانتهاكات التي تمارسها حكومة الرئيس رمضان قاديروف. وكذلك اغتيال عمر إسرايلوف، الحارس الشخصي السابق لرمضان قاديروف الذي هاله ما رأى من عنف وقتل وتعذيب تمارسه ميليشيا قاديروفتسي تجاه الأبرياء، فقام بتوثيق شهادته في ملف يشتمل على دعوى قضائية ضد كل من الحكومتين الشيشانية والروسية وقدمه إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. أما بالنسبة إلى المشهد في إدلب، فلا يمرّ أسبوع من دون اختطاف أو اعتقال أو تعذيب أو تصفية إعلامي أو ناشط سياسي من أشدّ المعارضين لنظام الأسد على يد النصرة. ولعل من أشدّ الانتهاكات إيلاماً كانت حادثة اغتيال الإعلامي رائد الفارس وزميله حمود جنيد داخل مدينتهما “كفرنبل” التي تشكّل رمزاً ثقافياً وفنياً للانتفاضة في سوريا. وتغصّ سجون النصرة بناشطين وصحافيين من بينهم الناشط المدني ياسر السليم الذي اختطف فقط لكتابته لافتة يشجب فيها اعتداء تنظيم داعش الأخير على أهالي ريف السويداء ويطالب بإطلاق سراح النساء اللواتي اختطفن من قبل التنظيم. اختُطف أيضاً الناشط سامر السلوم، والصحافي “معتصم الديري” المهجّر من مدينة درعا وما يزال الاثنان مغيبين حتى اللحظة. صدر حكم بالإعدام مؤخراً على المعتقل الإعلامي “أمجد المالح” المهجّر من مدينة مضايا  بتهمة “التخابر مع استخبارات خارجية وتزويدهم بمواقع لداعش وحزب الله على الأراضي السورية”. وأخيراً وليس آخراً قامت باختطاف الصحافي “عبد الغني العريان” عضو رابطة الصحافيين السوريين ليجري العثور عليه في اليوم التالي ملقى على قارعة الطريق، مكبلاً وآثار التعذيب تملأ جسده ووجهه. لا شك في أن الجولاني اليوم يجري استخدامه لتنفيذ كافة العمليات القذرة داخل أكبر تجمّع للمعارضة في إدلب وليس لديه أدنى مشكلة في ارتكاب أفظع الانتهاكات وأقذرها بحق أهلها والمقيمين فيها من النازحين. وبمعزل عن رأينا برمضان قاديروف وموقفنا منه، إلا أننا لا نستطيع تجاهل الاختلافات الشكلية والبنيوية بينه وبين الجولاني، ومنها أن قاديروف يُعدّ شيشانياً أصيلاً وابن عائلة عريقة ومناضلة في جمهورية الشيشان منذ القرن التاسع عشر الميلادي، بعكس الجولاني المجهول والطارئ على المشهد السوري. وبخلاف قاديروف، ابن البيئة والأسرة “الأشعرية” المسلمة، فإن الجولاني ركب موجة الإسلام السياسي لتحقيق غايات مشبوهة على حساب ثورة السوريين ضد نظامهم، ولن نفاجأ إن شاهدناه مستقبلاً، على غرار معلّمه رجل المخابرات السوري “محمود قول أغاسي” (أبي القعقاع)، من دون عمامة، حليق الذقن، مرتدياً بزّة وربطة عنق؛ مقابل منحه منصباً حكومياً بحقيبة أو من دونها، تحت سلطة الروس أو النظام، أو أي طرف من الأطراف الدولية المنتصرة في إدلب. فهل يسعى بوتين وحلفاؤه لجعل الجولاني قاديروف آخر للنظام السوري المُسيّر من قبل الروس، وهل سيجري دمج “ميليشيا النصرة” ضمن الفيلق الخامس الروسي كما دمجت مليشيا قاديروفتسي في القوات الروسية؟ مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى