fbpx

في المسألة السورية.. لمَ هذه المبادرات ولمن؟

كثرت المبادرات المعنية بـ”المسألة السورية” وبتعدد محتوياتها وسبل تنفيذها، وتنوعت الجهات التي تقدمت بها و”المسألة” السورية قائمة لاتزال تبحث عن حل! وقد أُنْهِك الشعب السوري بما قدَّمه من دم وذل وتشرُّد وضياع وفقدان أهل وولد وملْك- إذا صح أن نسمي بيت السكن أو حاجات الاستخدام اليومي ملْكاً- ما أوصل حاله إلى التشكك بأصل هويته الوطنية! وينطبق هذا الأمر على من هم في الداخل والخارج على السواء، وبخاصة على من هم في المخيمات الذين عاشوا ويعيشون بؤس الحياة وشقاءها في أدنى مستوى لهما.. والحديث، لا شك هنا، عن غالبية الشعب لا عن شرائح محددة في الداخل والخارج سواء من قيادات النظام أم من المعارضة أم ممن يلوذون بالطرفين، ويعرفون من أين تؤكل الكتف، ويسمون، في العادة، بـ”أثرياء الحرب” ولعلهم الأشد لؤماً وقذارة من الجميع، وهؤلاء لا تهمهم سورية الآمنة بالمطلق..! ثورة أم قضية ومسألة؟! قد يعترض بعضهم على تسمية ما يحدث في سورية منذ ثماني سنين بمصطلح “مسألة”، إذ هي في الحقيقة، وفي عمقها، وإن لم تعط أكلها، حتى الآن، ثورة شعب نشد الحرية من نظام مستبد ظالم هو مسؤول الأول عن كل ما حدث، ولا أظننا بحاجة لتأكيد أن النتائج التي وصلت إليها البلاد السورية ناجمة عمَّن أطلق الرصاصة الأولى، وأهدر قطرة الدم الأولى، وأهرق روح الشهيد الأول، إن في الشارع أو في المعتقل، نعم هي في العمق ثورة، ولابد أن تثمر حريةً وكرامةً، وتنميةً لوطن وشعب أرتج على حياتهما، وَسُخِّرا لخدمة أسرة، بل لعصابة دججت نفسها، من قوت الشعب، ودمه، بالعسكر وأدوات القتل في إطار أسمته الدولة.. وحين ضاق بها الشعب، وطلب إليها الرحيل أبت واستكبرت، وتحصنت بوسائل قوتها وأدواتها..! نعم هي ثورة واضحة الدوافع والأسباب والغايات..! لكنها، الآن، وبالمعايير المادية الملموسة، هي “مسألة” تتولاها دول عظمى وإقليمية، هي من أكثر الدول شراسة وجشعاً، وقدرة على انتزاع مصالحها من جسد الضحية الملقاة اليوم على الأرض برعونة راعيها وذاتيته المفرطة. أما العقدة، الآن، فتكمن في الحصص التي لا يمكن أن تؤخذ إلا بتحقق توافق ما بين تلك الأطراف المتصارعة، متناقضة المصالح، أو بغلبة بعضهم على الآخر، فالكل، الآن، غارس سكينه (على اختلاف حجم السكين ورهافته) في جسد الضحية، يهزُّه عند اللزوم تنبيهاً للآخرين، وإشعاراً بوجوده، غير عابئ بآلام الضحية ونزيف روحها..! المبادرات: الأسباب والمسار إذا كانت المبادرات التي جرى الحديث عنها في المقدمة آتية من دول، ومنظمات دولية لها ثقوتها ولبعضها أيضاً مصالحه، وكان توجهها إلى النظام والمعارضة على السواء.. فإن مبادرات اليوم آتية من آلام الشعب ومن نزيفه المرعب الذي بات هاجس الجميع فاستدعى هذا الحراك الكلامي الذي يبدأ من أماكن متباعدة ومواقف متباينة.. ولكن، وبغض النظر عن ذلك يبقى الجواب على سؤال هو: لماذا؟! ولمن؟! وعما تريده؟! مَنْ خلفها؟ وما الدوافع..؟! وهل من مستمع إليها؟! اليأس والبحث عن خلاص أ- المعارضة للجواب على الأسئلة المتقدمة لا بد من قراءة دقيقة لواقع الحال السورية التي تشير إلى فقدان الشعب، لمسانديه ومؤيديه ومدعي تمثيله، فهو وحيد في ميدان الشقاء، إذ فشلت المعارضة منذ مجلسها الوطني إلى ائتلافها مروراً بهيئتي تفاوضها، وبحكومتيها: المؤقتة والإنقاذ.. فلا أحد يكتال بكيلها والكل استثمرها إلى حين ثم تخلى عنها، ناهيكم بأخطائها القاتلة وبتشرذمها، وبمحاولة سيادة طرف على آخر، وبالروائح النتنة لبعض أفرادها، وكذلك بالعسكر الذين آذوها أكثر مما جلبوا لها النفع، وربما انتفع الخصم بهم أكثر، إذ وجد الدليل الذي كان يبحث عنه ليبرهن للعالم بأنه يحارب إرهاباً، وبالفعل فقد كانت تلك الفصائل شواهد إثبات حي بما مارسه بعضهم من إرهاب يوازي إرهاب النظام إن لم يتفوق عليه..! ولم تثبت في النهاية أنها قيادة لثورة عميقة الجذور ونبيلة الغايات.. بل لم تكن غير صورة وواجهة تأتمر بأمر هذه الدولة أو تلك ممن تقدِّم لها بعض الخدمات مقابل مصالحها المرتقبة.. ب- النظام أما وضع من هم في الداخل الذين يُحسبون على الموالاة (انقسم المجتمع السوري إلى معارضة وموالاة، بحسب الداخل والخارج، وهذا ما سعى إليه النظام بقوة، ومارسه فعلياً مع كل من خالفه الرأي، فإما السجن وإما الهجرة، تحقيقاً لمجتمع “التجانس”) فهو أسوأ بما لا يقاس فالأوضاع المعيشية باتت من سوئها تذكّر كبار السن، بما سمعوه من آبائهم وأجدادهم، حول أيام “سفر برلك”. وفوق ذلك أخذت المخدرات تفتك بأذهان الشباب والمراهقين، تروِّج لها المليشيات المختلفة، وبخاصة حزب الله، أما الأخطر فانتشار الدعارة إلى جانب المخدرات وإكراه القاصرات على ممارستها، وبسبب الهوّة الساحقة بين الأجور والأسعار.. وتتراكم الآلام والأحزان في نفوس أبناء الشعب السوري الذين قدموا فلذات أكبادهم وشبابهم ضحايا دفاعاً عن الوطن كما فهموا، أو أريد لهم أن يفهموا.. وخصوصاً حين ظهرت القضية غير ذلك تماماً، إذ آل الوطن إلى خراب كلِّي لا في الأبنية فحسب بل في ناسه الذين ماتوا والذين عوِّقوا والذين غادروا بعقولهم وخبراتهم في المجالات كافة، وفي الشروخ التي حفرت عميقاً في نفوس من تبقى..! ويمكن القول، وبحسب مزاعم النظام: إنها مؤامرة فعلاً.. لكن النظام نفذها بوحشية غير مسبوقة إذ جيَّش وأنفق واستدان واستعان وهجَّر وسجن واعتقل وعذَّب كما في أبشع معتقلات التاريخ وأكثرها وحشية وانحطاطاً.. ذلك إضافة إلى تلال الخرائب المرئية في المدن السورية كافة.. وفي فقدان الأمن وكثرة التعديات من قتل واغتصاب وسرقات.. وأما من استعين بهم فإنهم اليوم يطلبون حقوقهم نفوذاً وثروات! وتراهم يتصارعون حولها ورئيس النظام يتقلب على جمر الروس والإيرانيين.. أما إسرائيل التي حدثت المؤامرة لأجلها فهي مستمرة في عدوانها، وتضيف عليه، إذ لم تعد تكتفي بعبارة الرد على عدوانها “في الوقت والمكان المناسبين..” بل إنها ضمت الجولان بصك أمريكي، وزاد “الأصدقاء” الروس بتسليمها رفات الجندي الإسرائيلي “زاخاريا باومل” القتيل في معركة “السلطان يعقوب” ليلة 10/11 حزيران 1982 والمدفون في دمشق مع زميلين قتيلين له بموجب برقية حافظ الأسد القائد العام للجيش والقوات المسلحة رقم 11ف/ تاريخ 24 / 4 / 1984 مع كامل مستلزماته المحفوظة لدى مخابرات الأمن العسكري من لباس وحذاء وسجادة صلاة وبطاقته المعدنية وفق كتاب اللواء علي حيدر إلى حافظ الأسد في 2/6/1984 نشرها مؤخراً المعارض السوري “نزار نيوف” على صفحته على الفيسبوك، وقد أخذها عن ضابط – وثيق القرابة منه – لم يذكر اسمه.. ج – مستقبل المبادرات؟! إذاً من خلال ما تقدم يمكن القول بأن الشعب السوري بجناحيه الداخلي والخارجي قد فرغ من النظام والمعارضة على السواء فكلاهما مسؤول عمَّا آلت إليه أوضاعه من مرارة.. وما هذه المبادرات التي تصدر من أفراد أو تجمعات صغيرة إلا تعبير عن يقظة الشعب، وتشكل وعي جديد ينبعث من هذا الركام، ويبدأ بالانفضاض عمَّن وَثِق بهم نظاماً ومعارضة، لإعادة اللحمة إلى صفوفه، على الأسس التي ترد في تلك المبادرات التي تحمل روح الشعب ومعاني احتجاجاته الأولى! ولأجل ذلك لا بد من برامج قد تتباين، لكنَّها سوف تلتقي حول وحدة سورية أرضاً وشعباً في فضاء من الحرية والديمقراطية اللتين تفسحان في المجال للخطوة الأولى على طريق لأم الجراح. ويبقى السؤال الأهم هو: لمن توجه هذه المبادرات ومن القادر على تنفيذها؟! لا أعتقد أنَّ ذلك مهم في الوقت الحاضر، فما هو واضح، أنَّها ليست دكاكين استعطاء، ولا استعطاف، ولن توجه إلى أيٍّ ممن ثبت فشلهم (الفشل في السياسة، إن لم يجر الاعتراف به، هو خيانة عظمى حين يتعلق الأمر بمصير وطن..) ولكنها بداية غيث في عالم تصحَّر.. وعلامات صحوة على درب مُرتقَب ومُنتَظر..! مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى