fbpx

المعتقلون بين وهنِّ المعارضة وتعنت النظام

تبدو قضية المعتقلين لدى نظام الأسد على خلفية الثورة السورية قضيةً مغفلةً من الاهتمام الحقيقي من قبل مؤسسات المعارضة الرسمية السورية، ومن الاهتمام الدولي المناسب. فحتى الآن لم تتداع الجهات الدولية المعنية بحقوق الانسان على وضع هذه القضية موضع بحثٍ ومطالبة جادين. فبعد جولات عديدة من محادثات أستانا، التي سعت إلى عقدها روسيا بين فصائل المعارضة السورية المسلحة والنظام، تبيّن أن سقف الموقف الروسي تمّ التعبير عنه عبر مقترح موسكو، والذي ينصّ على ” الإفراج عن 50 معتقلاً من كل جانبٍ بشكلٍ متزامن حتى نهاية العام.

هذا الموقف الروسي يكشف عن تواطئ موسكو مع النظام الأسدي، والمتمثل بإبقاء ورقة المعتقلين المدنيين السوريين لدى النظام خارج الحلّ الحقيقي لها، فالمعتقلون السوريون هم معتقلو رأي في غالبيتهم المطلقة، وقد اعتقلهم النظام الأسدي على أرضية محاولته تصفية الثورة السورية ضمن مخططٍ ممنهجٍ، بحيث يستطيع هذا النظام استخدام ورقة المعتقلين كورقة ابتزاز في أيّ مفاوضات دولية، من أجل تعويمه والسكوت عن جرائمه.

ويمكن للمراقب المحايد أن يطرح السؤال التالي: هل تستطيع موسكو أن تضغط على نظام بشار الأسد لحلحلة ملف المعتقلين في سجونه؟. أم أن موسكو لا تستطيع فرض رؤيتها بهذا الشأن على حليفها الأسد؟.

فإذا كان الجواب على السؤال الأول ب نعم، فهذا يقودنا إلى طرح سؤال آخر: لماذا لا تستخدم روسيا نفوذها لإغلاق هذا الملف، الذي بات ملفاً شائناً بحقها، باعتبارها طرفاً أساسياً في الصراع الجاري في سوريا وعليها؟. أما إذا كان الروس لا يستطيعون التدخل لدى النظام الأسدي لحلّ ملف المعتقلين، فمن الضروري أن يمرّروا قراراً دولياً من مجلس الأمن بحلّ هذه القضية الانسانية الفاجعة.

أما إذا كانت حكومة موسكو تغضُّ الطرف عن فتح هذا الملف لأسباب واعتبارات تخدم حليفها الأسدي، فهذا يعني أنّ حكومة بوتين شريكةٌ حقيقيةٌ في ملف الجرائم، التي لحقت بالمعتقلين المدنيين السوريين، الذين يندرج وضعهم تحت بند حقوقي هو أنهم معتقلو رأي.

إن المعارضة السورية بكل صفاتها الرسمية وغير الرسمية معنيةٌ بتصعيد وضع هذا الملف، وجعله هدفاً مستقلاً عن مفاوضات الحلّ السياسي، المزمع التوصل إليه في المرحلة القادمة، سيّما وأن سنوات طوال مرّت على اعتقال كثيرين، أدّت إلى تردي وضعهم الصحي والحياتي والنفسي. كذلك لا يبدو أن الروس كانوا جادين في أي مفاوضات على جعل هذا الملف فاتحة ثقةٍ لمفاوضات سياسية وفق القرارات الدولية ذات الشأن بالصراع السوري، أي بيان جنيف1 أو القرار الدولي رقم 2254.

إن جعل ملف المعتقلين المدنيين السوريين في سجون ومعتقلات الرعب لدى النظام الأسدي ملفاً هاماً، يحتاج من المعارضة الرسمية السورية، أن تقوم بخطوات ماديةٍ ملموسةٍ، تخصّ هذا الملف. ولعلّ أهم هذه الخطوات هي مركزةُ العمل بهذا الملف. أي بات من الضروري، أن تتشكّل هيئة وطنية مركزية خاصة بملف المعتقلين، ويأتي تشكيلها من مؤسسات المعارضة، ومن مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحقوق الانسان والحقوق القانونية، حيث تقوم هذه الهيئة بإنشاء “بنك معلومات” حقيقي ومركزي، يمتلك لوائح بأسماء المعتقلين، وكل ما يتعلق باعتقالهم، حيث يرفق مع كلّ اسم معتقلٍ تاريخ ميلاده، ورقم قيده المدني، ومنطقة سكنه، والجهة التي اعتقلته، والتهم التي وجهها زوراً النظام له.

كذلك يجب أن يكون هناك معلومات موثقة عن عدد المعتقلين الذين تمّت تصفيتهم في المعتقلات، وأن تسجّل عمليات الانتهاك الجسدي والجنسي لكل من تعرّض لهذه الانتهاكات. وينبغي توزيع نسخ بطرق مختلفة من معلومات البنك على جهات حقوقية وبرلمانات في الدول الديمقراطية، وتحديداً لدى منظمة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة، ولدى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولدى منظمة العفو الدولية “هيومان رايتس ووتش”. وأن تشمل المعلومات وسائل التعذيب وأدواته التي استخدمتها أجهزة النظام الأمنية، وأسماء ورتب الضباط والأفراد الذين مارسوا التعذيب بحقّ المعتقلين. ولعلّ الخطوة الثانية في هذا الاتجاه هي توزيع معلومات عن أوضاع المعتقلين، وأن يكون هذا التوزيع مركّزاً على غالبية منظمات المجتمع المدني الدولية، وكذلك على المنظمات الحقوقية في الدول الديمقراطية.

هذه الخطوات ستكون ناقصةً وغير فعالةٍ بدون التعبئة الحقيقية لعقد مؤتمر دولي خاصٍ بقضية المعتقلين المدنيين السوريين، هذا المؤتمر يحتاج إلى إعدادٍ حقيقي على صعيد الوثائق والأهداف المرجوة منه.

ربط ملف المعتقلين المدنيين السوريين لدى النظام الأسدي، بقضية المفاوضات والحل السياسي، هو هدرٌ لحياة هؤلاء المعتقلين، الذين تتمّ تصفيتهم عبر منهجية تصفيةٍ جسديةٍ يتبعها النظام الأسدي، والذي يمنع أي اتصال بهؤلاء المغيّبين قسريّاً، ويمنع عنهم حقوقهم الانسانية في الغذاء والعلاج والدواء، ويمارس أبشع أنواع التعذيب بحقهم.

إنّ المعتقلين الذين تمّت تصفيتهم، أو الذين يعانون من هول الاعتقال وفظائعه، هم بشر لهم حقوق إنسانية، ويجب أن لا تضيع هذه الحقوق، وخاصةً، أن تتمّ محاسبة الذين أمروا أو مارسوا تعذيب المعتقلين.

إنّ إضعاف الموقف الروسي، وموقف حلفاء النظام الأسدي، ومحاصرة هذا النظام دولياً يتطلب التحضير لعقد هذا المؤتمر الدولي، والذي سيشكّل نقلةً حقوقية جادة في الضغط الدولي، لحلّ ملف المعتقلين المدنيين السوريين. وأنّ عقد هذا المؤتمر سيوحّد جهود المنظمات الحقوقية الوطنية مع جهود المنظمات الحقوقية الدولية، وسينتجُ عن عقد هذا المؤتمر ضغطٌ دوليٌ كبيرٌ على النظام الأسدي، الذي انتهك كل قوانين وأعراف حقوق الانسان في العالم. فهل تقوم قوى المعارضة ومنظمات حقوق الانسان السوري بهذه الخطوة، أم أن المعتقلين لدى النظام الأسدي ليس لهم من يبكي عليهم ويناضل من أجل حريتهم؟.

مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا”

هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى