غزة المحاصرة تنتج آلاف الكمامات الطبية وتصدرها للخارج
مرصد مينا – غزة
بمعدل إنتاج يومى يصل إلى 10 ألاف كمامة, وبكوادر عاملة محلية قاربت على الـ 360 عاملاً, تمكن مصنع يونيبال المقام في المنطقة الصناعية بين إسرائيل والجانب الفلسطيني شرقي قطاع غزة, من استبدال عمله التقليدي في صناعة الملابس, بفتح خط إنتاج جديد قائم على صناعة الكمامات والأقنعة الواقية من فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) وتصديرها عبر معابر الإحتلال الإسرائيلى إلى عواصم عربية ودولية.
المصنع الوحيد في غزة وفي ظل الظروف السيئة التي تعاني منها المصانع نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض على مدار 14 عاماً, حقق طفرة اقتصادية ملحوظة بعد أن وفر مئات الفرص التشغيلية لفئة العاطلين عن العمل .
كانت باكورة العمل في هذا المصنع مع وصول فيروس كورونا إلى قطاع غزة, بعد إعلان وزارة الصحة الفلسطينية في 21أذار عن تسجيل أول حالتين إصابة بالفيروس لشخصين من رجال الدين عادوا إلى غزة من باكستان حاملين للفيروس, الأمر الذي بث الخوف والذعر في أوساط الغزيين فور سماعهم للخبر, ما دفعهم للتهافت على شراء الواقيات والمعقمات بعد الإجراءات الإحترازية التي أطلقتها الجهات المختصة, ونتيجة للنقص الكبير في المستلزمات اللازمة نتيجة الحصار, ولدت الفكرة لدى صاحب المصنع بشير البواب ( 59 عاماً).
“البواب” قال في حديثه لـ”مرصد مينا”: إن فكرة إنتاج الكمامات والأقنعة والمعاطف جاءت بسبب النقص الحاد للمستلزمات الوقائية في أسواق غزة والضفة الغربية, خاصة بعد أن تفشى الفيروس كافة أرجاء العالم وتوقف على إثر ذلك إستيراد الواقيات من الخارج, فكانت فكرة تحويل العمل داخل المصنع كبادرة إنسانية في المحصلة الأولى, لتوفير المستلزمات الطبية وتغطية العجز داخل فلسطين بشكل مبدئي.
وأشار طالبواب” إلى أن مصنعه حقق إكتفاء ذاتي من المنتجات الوقائية خلال بضعة أيام من وصول الجائحة إلى غزة, من خلال تلبية كافة احتياجات السوق المحلية, بالإضافة إلى احتياجات المراكز الصحية والمستشفيات سواء في قطاع غزة والضفة الغربية بكافة مستلزمات الوقاية اللازمة قبل البدء بالتصدير للخارج.، مشيرا إلى أن العلاقات التجارية الواسعة التي تمتع بها مع تجار وشركات في العالم الخارجي خلال سنوات عمل المصنع في تصدير الملابس إلى الأسواق الأوروبية والعربية, قد ساعدت المصنع على فتح خط تصدير في مدة زمنية قصيرة منذ الأيام الأولى للعمل, وهو ما حقق نجاحاً باهراً في تحقيق طفرة اقتصادية للمصنع والعاملين فيه.
أما عن إجراءات السلامة الوقائية للعاملين داخل المصنع نتيجة اكتظاظ العمل بداخلة, أوضح البواب أن العمل داخل المصنع يسير وفق إجراءات وقائية وصحية حيث يجبر صاحب المصنع كافة العاملين بضرورة الإلتزام بها, ومن هذه الوسائل بحسب صاحب المصنع, إرتداء كمامات ومعاطف لكل عامل داخل المصنع, بالإضافة إلى وجود عمال نظافة مختصون برش المطهرات والمعقمات داخل المصنع .
في سياق ذلك يقول باسم الطنانى( 27 عاماً) أحد العاملين في المصنع, أنه يعانى منذ سنوات من ظروف معيشية صعبة, حتى أنه بات غير قادر على تحقيق حلمه في الزواج نتيجة غياب مصدر دخل ثابت له يمكنه من ذلك, بفعل إغلاق العشرات من مصانع الخياطة العاملة في غزة أبوابها نتيجة الحصار الذي راكم أعداد كبير من الشباب على أعتاب البطالة, مشيراً في حديثه لـ”مرصد مينا”: إلى أن منحه فرصة عمل مؤقتة بداخل مصنع يونيبال, قد شكل له تحسن في ظروفه المعيشية في وقت يجتهد بالعمل لساعات إضافية تصل إلى 18 ساعة عمل متواصلة يومياً, في سبيل الحصول على راتب مضاعف ليتمكن من توفير متطلبات أسرته, ويعتمد الطنانى على دخله من خلال مخصصات الشؤون الاجتماعية التى تصرف كل ثلاثة شهور كمساعدة طارئة للفقراء والمحتاجين أمثاله, وهى مبالغ مالية رمزية لا تكاد تحسن من ظروفه إلا بعض الشئ.
لا يقتصر العمل داخل المصنع على توفير أيدي عاملة من الرجال فقط, بل أن للنساء نصيب من هذه المهنة, إذا سمح صاحب المصنع باستقطاب أيدي عاملة من النساء, ممن لديهن خبرة في مهنة الخياطة ومنحهن المجال في توفير مصدر رزق لهن, وذلك بتخصيص مساحة خاصة بهن داخل المصنع معزولة عن الرجال, وفى إطار ذلك تقول الفتاة “سحر خليل” (32عاماً) في حديثها لـ”مرصد مينا”: أنها ترددت في بداية الأمر للعمل في هذا المصنع, متخوفاً من نظرة المجتمع السلبية التي قد تسبب لها حرجاً في ظل إحتواء المصنع على مئات العمال من الرجال, ويخالف ذلك العادات والتقاليد الاجتماعية المحافظة, ولكن تخصيص صاحب المصنع مكان خاص بعمل النساء, شجعها للإلتحاق بالعمل لتعيل أسرتها المكونة من 7 أفراد ولا تجد مصدر دخل لها, بعد أن بات زوجها غير قادر على العمل نتيجة ظروف صحية ألمت به.
من جهته أوضح الخبير الإقتصادي ماهر الطباع, أن قطاع غزة يشهد إرتفاعاً حاد في معدلات الفقر المدقع في صفوف المواطنين, وذلك نتيجة غياب مصادر الدخل لكثير من المواطنين, بالإضافة إلى أن رواتب موظفى حكومة حماس في غزة والسلطة في رام الله, تشهد إقتطاع كبير في نسب صرفها نتيجة أزمات مالية تعصف بكلا الحكومتين, وهو ما راكم من حالة الفقر بمعدلات مرتفعة بين المواطنين.
الطباع في حديثه لـ”مرصد مينا اشار إلى أن التحاق المئات من العمال في مصنع يونيبال, قد شكل ذلك مصدر رزق لكثير من العائلات, خاصة وأن المصنع المذكور قبل أزمة كورونا كان يعمل بطاقة عمالية لا تتجاوز الأربعين عامل, نتيجة ضعف الإنتاج ومنع إسرائيل تصدير منتجات المصنع من الملابس للخارج, ولكن مع فتح خط إنتاج من الكمامات والواقيات ونتيجة للطلب الكبير عليها محلياً وعالمياً, ساعد ذلك إلى إستقطاب المزيد من الأيدي العاملة, كي يتمكن المصنع من توفير الطلبيات في مدة زمنية قصيرة.
وبين أن قطاع غزة بسبب الحصار, تحول إلى سجن كبير ورافق ذلك انهيار اقتصادي حاد شمل إغلاق للمصانع ومنع إدخال السلع التي من شأنها توفير مقومات مادية وتنمية اقتصادية, داعياً إلى ضرورة التدخل الدولي من أجل إلزام إسرائيل برفع الحصار الظالم, والسماح لسكان غزة العمل بحرية دون قيود وعراقيل.
ومعقباً على الظروف السيئة التي يعيشها سكان قطاع غزة, قال منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ماكسويل غيلارد, أن قرابة الـ80% من سكان قطاع غزة يعتمدون في حياتهم المعيشية على المساعدات المقدمة من قبل وكالة الغوث الأنروا والمؤسسات الدولية الإغاثية الأخرى, في حين ذكر غيلارد أن قطاع غزة وبحلول العام 2020, لن يكون ملائماً للعيش نتيجة النقص الحاد في المستلزمات الإنسانية الضرورية, والمتعلقة بتوفير مياه الشرب الصالحة والكهرباء, وخدمات الصحة والتعليم, مؤكداً على ضرورة إتخاذ تدابير فورية فيما يتعلق بالجوانب الأساسية للحياة كالصرف الصحي والتعليم والصحة, داعياً المانحين الدوليين إلى زيادة مساعداتهم المقدمة لقطاع غزة .