fbpx

الجولان؛ وسيرة آل الأسد؟

عادت خلال الأيام القليلة الماضية قضية الجولان السوري المحتل إلى واجهة الحديث السياسي وغيره من أحاديث، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن اعتراف الولايات المتحدة بالجولان كجزء من أرض إسرائيل، ترافق ذلك مع حملة بيانات استنكار وإعلان مواقف رافضة مليئة بالشعارات والتوصيفات العاطفية من قوى سياسية عديدة لها خلفياتها الفكرية اليسارية والقومية والدينية، وكلها قوى وشخصيات معروفة طيلة عملها السياسي في العقود الخمسين الأخيرة التي مرت على احتلال إسرائيل للجولان السوري في جنوب غرب البلاد. من جانبه نظام الأسد قدم رؤيته التي باتت أشبه بالنكتة الساخرة لدى الجمهور بصفته نظاماً ممانعاً مقاوماً، وتوعد إسرائيل بالويل والثبور وعظائم الأمور، وتوعد وزير الخارجية وليد المعلم أميركا بمزيد من العزلة الدولية بسبب قرار ترامب، ورأى أن الجولان محصن بالقرارات الدولية وبجيش نظامه “الباسل”، فيما عجت وسائل التواصل الاجتماعي بمواقف عدد كبير من السوريين الذين لم يجدوا وسيلة أمامهم لرفض القرار سوى تلك التعليقات التي كان بعضها ساخراً من الحالة كلها في أوطان أصلا هي مباعة ومحتلة ولا تتمتع بأي صفة لاحتواء شعبها بمفهوم المواطنة الكريمة فكيف بالقضايا الكبرى، وهي التي تلاحق مواطنيها إلى آخر أنفاسهم. عند الحديث عن الجولان السوري المحتل، سيتبادر أمام الذهن مباشرة القضية الفلسطينية والقدس والمسجد الأقصى بالإضافة إلى موضوع غزة وحصارها والضفة الغربية وتآكلها وفلسطينيي الشتات الذين يتم تشديد الحصار عربياً عليهم بحجة حق العودة فعاشوا بصفة لاجئين غرباء في مخيمات بائسة، أصبحت تضيق عليهم أكثر وأكثر بعد دخول جيش صدام حسين إلى الكويت ومن ثم المد الإيراني بالمنطقة والتغطي بقضية القدس ثم تبني التنظيمات الإسلامية المتطرفة لقضية فلسطين والنضال لأجلها بالتزامن مع التضييق على الحركة الوطنية في لبنان وكافة الفصائل والتيارات الفلسطينية برعاية من نظام حافظ الأسد، فكانت الفرصة ذهبية لنمو وتوسع تلك الحركات الدينية ومنها حزب الله اللبناني كتنظيم إسلامي بمرجعية إيرانية على أرض عربية، فبنيت ونمت تيارات وأحزاب في مرحلة تسعينات القرن الماضي على ما تأسس في الثمانينات بعد اجتياح إسرائيل للبنان وصولا إلى بيروت، وأخذت تلك التنظيمات تكرس بنيتها وحضورها لاحقا لتكبر وتبتلع الكثير من القوى ومنها حركتي حماس والجهاد الإسلامي التي اقتطعت قطاع غزة وبنت هيكلية دولة من كرتون تطبق فيها قوانينها الخاصة التي لا تختلف عن أية ديكتاتورية، وكان هذا كله مع ازدياد تبني الغرب لفكرة الإرهاب “الإسلامي”، وهذا سيقود إلى أن قضية فلسطين أصبحت في مرمى أي نيران تدعي أنها تكافح الإرهاب، فقدمت تلك التنظيمات الميليشياوية خدمة جليلة لإسرائيل في تعاطيها مع القضية بأريحية وهذا كله سيؤدي بوجود نظام كنظام الأسد إلى أن تصل الجولان إلى ما وصلت إليه القدس سابقا بالقرارات الأميركية. أيضاً كان لجامعة الدول العربية موقف احتجاج على قرار ترامب، حيث أعلن أحمد أبو الغيط أمين عام الجامعة عن “استنكاره بأشد العبارات” لذلك واعتبر أن توقيع ترامب على ذلك “باطلاً شكلاً وموضوعاً” وأكد أن الجولان أرض سورية. لا شك تبقى للمواقف السياسية دلالتها ومكانتها أحياناً ولكن هذا قد ينسحب على دول فاعلة ومؤثرة، وهنا يمكن القول إن رفض الاتحاد الأوربي للقرار الأميركي قد يكون هو الأهم من حيث النتيجة والأثر وهذا بدوره يدعم موقف الأمم المتحدة في هذا السياق، لكن كيف يمكن النظر للمواقف العربية ومنها موقف النظام السوري تجاه القضايا الكبرى في وقت تدار المنطقة من حكومات غير مؤتمنة بالحفاظ على ما هو موجود تحت يدها، وتلك الحكومات أسهبت في تغييب الشعوب التي ستدفع هي بالنتيجة ثمن كل ما تقوم به تلك الحكومات، ولعل المثل السوري برمته خير دليل ملموس على ذلك منذ هزيمة حزيران/ يونيو 1967 عندما كان حافظ الأسد والد بشار وزيراً للدفاع وأعلن سقوط القنيطرة بالبلاغ الشهير رقم 66 الذي أعلنه في 10 حزيران من ذاك العام قبل أن يدخل الجيش الإسرائيلي إلى مدينة القنيطرة، وتم إخلاء الجبهة كاملة وكان الأمر بالانسحاب الكيفي وقد تركت كافة الآليات والمعدات الحربية مكانها بالجبهة ومعهم عدد من الجرحى السوريين أو العاملين في بعض المراكز الطبية الذين ما زال بعضهم حتى اليوم بحكم المختفي ولا توجد معلومات عنهم إن كانوا أسرى أحياء أو شهداء، ونظام الأسد لم يسعَ لتقديم أي معلومة لذويهم. منذ إعلان تأسيس دولة إسرائيل قبل سبعين سنة، بنت الديكتاتوريات العربية بالمنطقة منظومة حكمها من خلال التلاعب بالمشاعر العامة للناس نحو قضاياهم ومنها قضية فلسطين، وصنعت تلك الديكتاتوريات أمجاد وهمية مبنية على الهزائم استطاعت أن تحولها إلى أكوام من الشعارات عملت كفعل المواد المخدرة غيبت وعي الجماهير وجعلتها تعيش في هويات وطنية وهمية، وكان الأسد الأب بارعاً في ذلك كونه طور دوره القمعي في المنطقة إلى نظام أمني متكامل يقدم كافة الخدمات الأمنية المطلوبة للشرق والغرب، وعمل بشكل دؤووب على تفكيك البنى المجتمعية وحرف مسار النضال المشروع للشعوب لنيل حريتها إلى أداة بيده تعينه على تثبيت حكمه واتهام الآخرين من خلال هذا الباب بالخيانة التي لا يمكن للناس المعالجة بها. أثبتت كل المراجعات السياسية بما فيها المذكرات الذاتية لعدد من الشخصيات التي رافقوا فترة الهزيمة وتوطيد الأسد الأب لحكمه العسكري بالاعتماد على حزب البعث، أن حافظ الأسد قدم الجولان لإسرائيل بصفقة كاملة مقابل إطلاق يده في حكم سورية والمساعدة الأميركية الإسرائيلية بالتغاضي الدولي عن كل مايقوم به من جرائم ضد شعبه وشعوب المنطقة، وقد تبين لاحقاً بأن تلك الجرائم هي من طبيعة الصفقة التي سمح له من خلالها التباهي بتكريس شعاراته بأن الجولان في قلب سوريا ولن يتخلى عن متر واحد منه، مقابل أن يُسقط سوريا كلها كدولة كان لها مكانتها المتصاعدة على كافة المستويات بعد الاستقلال عن فرنسا. عاش أبناء الجولان النازحين  في جوار المدن السورية وخاصة العاصمة دمشق، ضمن مخيمات وحارات شبه مغلقة، واستمر نظام الأسد بإطلاق صفة نازحين عليهم ليصبحوا أمام السوريين كمواطنين من الدرجة الثانية، وحافظ على بيوتهم التي كانت في الجانب السوري من الجولان وهي مهدمة ومنعهم من إعادة بنائها وصيانتها ومن تقديم تسهيلات لهم لإحيائها، فأخذ مساعدات كبيرة عليها من دول العالم، وحرم أهلها من شعور الانتماء للمكان والوطن تحت صفة النزوح، بالمقابل كان واضحاً لكل زائر للشريط الحدودي للجولان كيف أن إسرائيل عملت على تنمية ذلك الجانب اقتصادياً وخدمياً واستغلته زراعياً وسياحياً، بينما يتطلب من أي مواطن سوري يرغب بزيارة المنطقة الحصول على تصريح أمني خاص بذلك، وكم حوصرنا ونحن طلاب جامعات بسبب رغبتنا بالوصول إلى الجولان في ذكرى الاستقلال لمنعنا من التعبير عن دعمنا لأهله. عندما انطلقت الثورة السورية لإسقاط حكم آل الأسد، تبين أن هذا النظام يتمتع بامتدادات دولية غير مسبوقة تاريخياً سوى برعاية إسرائيل شريكته بتدمير المنطقة، وكلاهما يتمتع بذات الأسلوب الفج الذي يتم التعاطي فيه بالقرارات الدولية وكأنهما فوق تلك القرارات، فكما بدا أن جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين قابلها العالم بقرارات أممية بقيت حبراً على ورق، كذلك جرائم نظام الأسد في سوريا ولبنان، فما فعله بشار الأسد خلال السنوات الثمان الماضية من تدمير للمدن وتهجير للسكان كان واضحا للمتابعين بأنه مرتبط تماماً بوضع الجولان، وأن كل تلك  الجرائم كان مقبوض ثمنها سلفاً وهي كما تم وصفها بمهمات قذرة لا يقوم بها سوى العصابات لصالح حكومات لا تريد أن يتم وصمها بتلك الجرائم، وهذا تماما ما فعله النظام ومعه التنظيمات المتطرفة من تنظيم داعش إلى حزب الله اللبناني تحت العباءة الإيرانية. استطاع بشار الأسد أن يدمر أسس الدولة السورية لإيصالها إلى مجموعة كيانات طائفية وعرقية وقومية، وأعاد العشائرية إلى واجهة الفعل السياسي والاجتماعي، كذلك أنهك الجيش وأنهى دوره الوطني وجعله مجرد ميليشيا للنهب والقتل وقطع الطريق وأسقط كل هيبته أمام السوريين ودول الجوار، وأدت أيضاً الأحداث وتجزئة الجغرافيا السورية إلى تجزئة التعليم والمدارس والجامعات بمناهج مختلفة ومتباينة كلياً ما بين مناطق سيطرته والمناطق التي تتقاسمها بقية القوى المتصارعة أيضاً، وكثير من الأمثلة التي أدت إلى أن أصبح المواطنون في المجتمع السوري يهتمون بقضاء يومهم مع أفراد أسرتهم بأقل خسائر ممكنة ولم تعد القضايا الوطنية تشغلهم، بالمقابل نشأت معارضة كررت عنجهية النظام بتعاطيها مع السوريين، وهي بالوقت نفسه منقسمة على بعضها ولا تملك مشروعاً واضحاً، كل هذا يجعلنا نسأل عما إذا كان قرار ترامب منذ ضم القدس واعتبارها عاصمة لإسرائيل إلى الاعتراف بالجولان كجزء من إسرائيل مرتبط برغبات ترامب نفسه أم بسيرة آل الأسد منذ انقلاب حافظ الأسد إلى توريث ابنه بشار بكل ما حملته تلك المرحلة من مآس وويلات، وهل قانونية حكمهم توافق قانونية وجود إسرائيل لكي نفهم قانونية قرارات ترامب ضمن هذا الخط المتصاعد للدوس على العدالة بمفهومها المحلي والدولي. تعريف: الجولان أرض سورية مساحتها نحو 1860 كم2، وهي تحد سوريا مع فلسطين، ومن أهم معالمها الجغرافية جبل الشيخ الذي يطل على كامل المنطقة حتى العاصمة دمشق ويبلغ ارتفاعه عن سطح البحر نحو 2814 م، قدر إحصاء عام 1966 أن عدد سكان الجولان يبلغ حينها نحو 153 ألف نسمة منهم 138 ألف نسمة في المنطقة المحتلة وقد نزح من هؤلاء نحو 131 ألف نسمة، وتتميز المنطقة بغناها بالمياه الجوفية والينابيع وبغنى أرضها الزراعية وتنوعها، وقد احتلته إسرائيل في حزيران/ يونيو 1967، ثم بعد حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 عملت الديبلوماسية الأميركية لتثبيت وقف إطلاق النار فوقع حافظ الأسد مع إسرائيل في أيار/ مايو 1974 اتفاقية فك الاشتباك وبناء عليه ستمتنع الدولتان عن كافة الأعمال العسكرية في الجو والبحر والبر تجاه بعضهما تنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم 388 لعام 1973، مع وجود بنود تنفيذ توضيحية لذلك وأعلن حينها أن هذا الاتفاق يعتبر خطوة على طريق تحقيق سلام دائم مستنداً إلى ذلك القرار الدولي، بقي في الجولان المحتل 6 قرى مأهولة من أصل 137 قرية، وهي مجدل شمس ومسعدة وبقعاثا والغجر وعين قنية وسحيتا، وفي كانون الأول/ ديسمبر 1981 تبنى الكنيست قرار ضم الجولان وفرض قانون إسرائيل عليه، فتبنى مجلس الأمن قراراً بنفس الشهر حمل رقم 497، يعتبر فيه أن ضم الجولان غير قانوني. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى