fbpx

الحرب على ضفاف المتوسط

حسنًا فعلت اليونان بطرد سفير تركيا من بلادها، فالرئيس التركي رجب الطيب أردوغان، وقد امتدت يده إلى الشمال السوري، بات يطمح للتمدد من الساحل الجنوبي لتركيا على المتوسط، إلى الساحل الشمالي الشرقي لليبيا، وذلك عبر تحالفه مع حكومة السراج الليبية، وقد جمعتهما لعبة “الاخوان المسلمين”، لتتعدى المسألة تحالف أردوغان / السراج إلى أبعد من ذلك، حيث

ستلعب الأصابع التركية مع كل من اليونان وقبرص، الدولتان اللتان توجد بينهما وبين تركيا نزاعات منذ وقت طويل، وهما بلدان يدركان مخاطر التمدد التركي في هذه المنطقة.

على الجانب الآخر، ستكون تونس في معمعة الصراع، فالرئيس التونسي قيس سعيّد قدّم مبادرة للسلام في ليبيا، والغريب أن مبادرته تلك لم يتقدم بها إلى أي من طرفي النزاع في ليبيا، لا لخفتر ولا للسراج بل تقدّم بها إلى أردوغان، وكأنه بذلك يمنح أردوغان سلطة وصاية على المنطقة، وليس من الممكن استبعاد سطوة جماعة الاخوان المسلمين على تونس، بل وعلى الرئيس التونسي شخصيًا، ومع خطوة سعيّد تلك، تتفاقم الصراعات في المنطقة، فخطوة الرئيس التونسي أثارت حفيظة مصر، التي تعلم تمام العلم بأن السطوة التركية على هذه المنطقة تعني فيما تعنيه تهديدًا لتصدير الغاز المصري إلى اوربا، فيما سيضيف الاتفاق الليبي عبر السراج / أردوغان حزمة لانتنهي من المشاكل، ستتمثل في عرقلة جهود قبرص واليونان ومصر لعمليات التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، واضعة حاجزا أمام خط أنابيب مقترح يمتد إلى أوروبا عبر إيطاليا. وسيتعين أن يمر خط الأنابيب، الذي تتراوح تكلفته بين سبعة إلى تسعة مليارات دولار، في المنطقة الاقتصادية التركية-الليبية المزمع إقامتها.

فيما يخص ليبيا، فإن الدافع الرئيسي لحكومة السراج، هو مجرد احتفاظه بسلطته حتى ولو استلزم الأمر بيع ليبيا للأتراك أو رهنها في أفضل تقدير،دون نسيان أن تقديرات المسح الجيولوجي الأمريكية كانت قد أشارت إلى أن حوض شرق المتوسط يحتوي على غاز طبيعي بقيمة 700 مليار دولار. وهاهي أنقرة تستخدم الاتفاق مع حكومة السراج لتكثيف مطالباتها للتنقيب عن مصادر الطاقة في مياه قبالة قبرص، حيث أرسلت على مدى أشهر سفنا للتنقيب، وأطلقت في الأيام القليلة الماضية طائرات مسيرة لعمليات استكشاف.

كان لدى المحللين شكوكاً بشأن امكانية نجاح عمليات التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط بسبب صعوبات تصديره والسعر الذي سيباع به في النهاية، إذ تحظى أوروبا بقدر وافر من غاز أرخص يأتي من روسيا وقطر. والتحرك التركي-الليبي سيزيد فقط من تعقيد تلك الصورة الصعبة.

تلك خارطة الصراع، ولكن السؤال ماهي انعكاسات هذا الصراع، وهل سيبشر بحرب جديدة؟

نعم قد تذهب الامور في هذا الاتجاه، فالتصادم مع اليونان وقبرص، سيرفع من حدة التوترات التركية الأوربية، وسيضاف إلى النزاعات الحالية المتعلقة بسياسة الهجرة وتساؤلات أوسع بشأن دور أنقرة في حلف شمال الأطلسي.

كما يزيد الاتفاق المخاطر مع مصر. فالقاهرة على خلاف مع أنقرة منذ أن أطاح الجيش المصري في 2013 بالرئيس محمد مرسي الذي كان ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين. وفي ليبيا، فإن مصر متحالفة بشكل أوثق مع حفتر، وهو ما يعني أن القاهرة وأنقرة على طرفي نقيض فيما يتعلق بالاتفاق البحري.

بعد ذلك ماهو دور روسيا في هذه الاحجية؟

روسيا قطعة أخرى في “الأحجية”. ففي حين أنها على خلاف مع تركيا بشأن سوريا، فإن البلدين ينسقان فيما يتعلق بسياسات الطاقة وموسكو حريصة على أن تكون تركيا نقطة عبور لإمدادات الطاقة. لكنّ الاتفاق يضعهما على طرفي نقيض في ليبيا، حيث تميل روسيا إلى جانب حفتر.

أساس الحكاية سيعود إلى سياسات السراج في المقام الأول. إذ وعدت تركيا بتعزيز الدعم العسكري لحكومته التي تخوض صراعا مع قوة عسكرية منافسة في الشرق هي قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر.

وبالنتيجة؟

سيكون آل ليبيا كما كان مآل سوريا، بلاد مباعة من أجل سلطة تستمد شرعيتها من غريب يحميها، وفوق هذا وذاك، ستكون فتيل النار الذي إن اشتعل فلن تطفئه مياه البحر المتوسط.
سيكون الأمر كذلكـ بانتظار حروب جديدة وضحايا جد ومترزقة يبيعون البلاد.

Read More

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى