fbpx

لا عيد هذا العام للأطفال السوريين في تركيا

علي العساف

على وقع انهيار الحلول السياسية، واستمرار اشتعال الحرب وعدم توفر أسباب الأمان في سوريا، وتمادي نظام الأسد في إجرامه، تأتي الحملة التي أعلنتها تركيا الثلاثاء السادس عشر من تموز، والموجهة ضد مئات الآلاف من الأيدي السورية العاملة ظاهرياً، ولكنها في واقع الحال تستهدف ملايين اللاجئين السوريين، الذين إذا توقفت أعمال أبنائهم المسؤولين عن الإنفاق عليهم، فسوف يكونون أمام مصير الجوع أو الرحيل نحو المجهول.

التوقيت الذي اختارته الحكومة التركية لهذه الحملة جاء قبيل العيد بأسابيع، ولم يكن ذلك مصادفة، لأنه الوقت الذي يتقدم فيه عشرات الآلاف السوريين بطلبات للحصول على الموافقة للعودة المؤقتة إلى سوريا، ما يعني أن توقيت الحملة سوف يضع السوريين أمام خيار عدم العودة إلى تركيا حيث لا عمل بعد اليوم.

مستقبل غامض:

هو عيد قاسٍ على غالبية أطفال اللاجئين السوريين في تركيا، لأن توقف الأعمال قبيل العيد، يعني توقف مسار الحياة الاجتماعية لغالبية اللاجئين السوريين، إذ إنه وبحسب المصادر التركية المعلنة، فإن عدد الحاصلين على إذن العمل داخل تركيا بلغ 60 ألف سوري فقط، من أصل ثلاثة ملايين ونصف لاجئ سوري يقيمون في تركيا، ما يعني أنها نسبة ضئيلة جداً، ويرجع ذلك، بحسب المصادر التركية ذاتها إلى رغبة أرباب العمل الأتراك استمرار عمل السوريين خارج نطاق قوانين العمل، وذلك لأن ذلك يعفي أرباب العمل الأتراك من الضرائب المترتبة عليهم للدولة، مثل كلفة التأمين الصحي للعمالة وغير ذلك. يضاف إلى ذلك مسألة الأجور، حيث يضطر العمال السوريون للعمل بأجور متدنية، تصل في غالب الأحيان إلى نصف أجرة العامل التركي، وهو ما يستهوي أرباب العمل الأتراك، إذ إنهم يفضلون استغلال العمالة السورية الرخيصة، للتقليل من كلفة المنتجات بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ سنوات.

بالتالي، ومع إغلاق طريق العمل في وجه السوريين، يصبح المستقبل بالنسبة للوجود السوري في تركيا كله قاتماً، لأن ما تم إعلانه من إجراءات عقابية، تقوم على قاعدة طرد العمالة التي تعمل خارج القانون من البلاد، وحرمانها من حق اللجوء، كل هذه القضايا تجعل مجرد فكرة التفكير بالعمل مسألة غاية بالخطورة، وبالتالي إن خيارات السوريين هي بين أمرين، الأول العودة إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، والثاني هو قرار العودة إلى المخيمات في جنوب تركيا، والتي لن تتمكن من استيعاب ملايين اللاجئين، وبالتالي خيارات السوريين هي العودة القسرية في ظل ظروف استثنائية غير طبيعية بتاتاً.

هل أغلقت تركيا باب اللجوء:

لم تعلن تركيا إغلاق باب اللجوء عملياً، لكن غالبية الولايات في تركيا لم تعد تمنح السوريين بطاقة اللجوء، أو الإقامة المؤقتة للاجئين، ما يعني أن وجود عشرات آلاف السوريين بدون هذه البطاقة، كان بمثابة معضلة، والآن بات خيار هؤلاء تسليم أنفسهم والعودة إلى سوريا، وسبب ذلك أنه بمجرد إلقاء القبض عليهم تجري لهم عملية ترحيل قسرية.

وأما العمالة السورية غير المرخصة فهي تعاني تماماً ذات المشكلة، فهي سوف تكون في أي لحظة أمام خطر الترحيل الفوري، والذي قد لا يخضع لمعايير حقوقية تضمن سلامة الذين تتم إعادتهم إلى سوريا، لأن كثير من السوريين لديهم مشاكل مع بعض فصائل المعارضة، لا سيما الإسلاموية منها، ومسألة إعادتهم القسرية التي تتم بشكل عشوائي وسريع وعاجل، لا يمكنها أن تكون عودة آمنة ومطمئنة لهم بتاتاً، وذلك في ظل غياب المنظمات السورية المعنية بأمور اللاجئين السوريين في تركيا، وفي ظل تجاهل القيادات السياسية للمعارضة السورية لمقتضيات ومصالح اللاجئين، وتركهم دون مساندة، ليس في تركيا فحسب ولكن في مختلف دول اللجوء.

الحاصلون على الجنسية التركية ليسوا بمأمن:

نسبة محدودة من اللاجئين السوريين استطاعوا الحصول على إذن العمل من خلال افتتاح مشاريع خاصة بهم، لأنهم كانوا يمتلكون الأموال اللازمة لذلك. وهؤلاء حصل بعضهم على الجنسية التركية، ولن تكون لديهم مشكلة قانونية في العمل، لكن قسماً آخر، مثل الأطباء وبعض الشهادات العلمية الأخرى التي حصل أصحابها على الجنسية التركية، لم تعد تحميهم هذه الجنسية بتاتاً، لأن المطلوب منهم هو الحصول على تعديل قانوني للشهادات العلمية التي حصلوا عليها سابقاً في سوريا، ومسألة التعديل القانوني للشهادات تتطلب وقتاً يتجاوز الثلاث سنوات، إذ إن المطلوب لإجراء هذا التعديل إتقان اللغة التركية بنسبة معينة، ثم العودة إلى مقاعد الجامعة من أجل دراسة مواد إضافية، ثم سينتظرون فرصة النجاح أو الفشل، وما تعنيه العودة من جديد للدراسة الجامعية هو عامل الوقت الذي قد يستغرق بعضه عامين وربما أكثر، وهو أمر في غاية التعقيد والصعوبة، خصوصاً على حملة الشهادات العلمية الذين تخرجوا منذ سنوات طويلة، وبات أمامهم أطفال وعائلات يحتاجون إلى إعالتهم يومياً.

المسألة أيضاً لا تنتهي بالحصول على التعديل الجامعي، بل تتعداها لانتظار الموافقات الخاصة، التي تعني أن السوري الحاصل على الجنسية بات مواطناً تركياً، وأنه لا يحق له الحصول على التوظيف إلا بعد اجتيازه للامتحان الخاص بالوظائف للمواطنين الأتراك، وهو امتحان يشكوا منه المواطنون الأتراك أنفسهم، إذ إن بعض الأسئلة فيه قد تتعلق بقضايا تاريخية وجغرافية وثقافة وطنية خاصة بالأتراك، غالباً لا يعرفها السوريون.

أسئلة واسئلة:

ما هي الخيارات التي يملكها السوريون الذين سيكونون أمام وحش الجوع من جانب، وخطر العودة إلى مناطق غير آمنة في بلادهم، ثم هل هناك بنية تحتية قابلة لاستيعابهم، أم هي المخيمات التي تغرق شتاءً، وتحرقهم بصيفها الحار، حيث تنتشر الأمراض التي تحصد يومياً أرواح الأطفال بلا بواكي ولا رقيب.

المسألة الثانية، من هي الجهات التي ستتكفل بإعانتهم أم أنهم سيجدون أنفسهم أمام وقع بيئة مليئة بالجوع والمرض، ناهيك عن عدد الذين سيعودون مجبرين إلى مناطق سيطرة النظام، ما يعني تعزيز جيش نظام الأسد بجيل شاب جديد، سيعيد لجيشه القوة العددية اللازمة لإطالة عمر هذا النظام وبالتالي استمرار خطره على الجميع، بما فيها تركيا، ثم ما هو الحال إذا ما انخرط آلاف العائدين من الشباب السوري لدى المنظمات الجهادية، التي بدورها ستتلقفهم، وستكون تركيا أول الخاسرين من ذلك.

لهذا كله، ولأسئلة كثيرة سنترك غيرنا يثيرها، يبقى أن نقول إن الطريق الذي يسير وينتهي بطرد السوريين من تركيا وغيرها قبل انتهاء الحرب، لا يخدم السوريين، ولا يخدم البلدان المضيفة، ولا يخدم مصلحة أحد، وكل ذلك مجرد عبث لن يؤدي الى نهاية الحرب، بل إلى استمرارها، بما يضر الجميع.

من غير المقبول تماماً أن يكون العيد، بما يعنيه من معانٍ إنسانية موعد العقاب وموعد الجلد لاعتبارات سياسية خالية من أدنى المسؤوليات والاعتبارات الإنسانية.

مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى