هل ينفّذ الأمريكيون ورقة عملهم الخاصة بسوريا؟
بدا واضحاً أن الأمريكيين بلوروا ورقة عملهم الاستراتيجية الخاصة بالصراع في سوريا، هذه الورقة أفصح عنها المبعوث الأمريكي الخاص بسوريا السيد جيمس جيفري، والذي قال في مؤتمر صحفي بعد اجتماع ” المجموعة المصغّرة بشأن سوريا ” يوم الأثنين المنصرم 3/12/2018 : ” أن الولايات المتحدة لن تبقى في سوريا إلى الأبد، بل حتى تحقيق شروطها، وهي إلحاق هزيمة نهائية ب (داعش)، وانسحاب القوات الإيرانية من جميع أنحاء سوريا، وتنفيذ عملية سياسية لا رجعة عنها “. هذه الورقة تأتي في وقت تزداد فيه حدّة التناقض بين الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع السوري مع اقتراب استحقاقات العملية السياسية الخاصة بحل هذا الصراع. وتبدو هوّة التناقض بين الرؤيتين الأمريكية والروسية أعمق مما تحاول وسائل إعلام مختلفة ترويجه، والذي ينصّ دون وثائق أن ثمة تفاهمات أمريكية روسية حدثت من قبل ويتمّ تنفيذها بشكل تدريجي. ورقة العمل التي كشف عنها السيد جيمس جيفري بيّنت بشكل جلي سعة وعمق الهوة الفاصلة بين موقفي الولايات المتحدة وروسيا من الصراع السوري وطريقة حلّه. الأمريكيون ثبّتوا ضرورة ” تنفيذ عملية سياسية لا رجعة عنها “، وهم يعنون تنفيذ القرار الدولي رقم 2254 ، الذي ينصّ على عملية انتقال سياسي للسلطة في سوريا. هذا الموقف الأمريكي يمكن اعتباره رسالة موجهة إلى الروس بأن مسار أستانا لم يعد بوابة حلٍ للصراع السوري، وبالتالي لن يكون بمقدور روسيا وحلفها الثلاثي المؤقت إنجاز هذا الحل وفق الرؤية الروسية. لذلك أمهل السيد جيفري الروس إلى يوم الرابع عشر من ديسمبر/ كانون أول الجاري، لإقرار تشكيل اللجنة الخاصة بالدستور وفق مقترحات ديمستورا. ورقة العمل الأمريكية شكّلت قاعدةً للعمل الاستراتيجي الأمريكي حيال الملف السوري، هذه القاعدة قابلت قاعدة عمل روسية تريد فرض حلٍ روسي للصراع السوري خارج قرارات الشرعية الدولية. لذا بدا الأمر، أن مسارين مختلفين لحل الصراع السوري، يتقابلان عبر عملية ضغوط سياسية وربما ديبلوماسية، وقد ترقى إلى مستوى تنازع عسكري عبر الأذرع التابعة لهما. الروس حاولوا استثمار الوقت لتغيير ميزان القوى على الأرض، ولكنهم وجدوا أنفسهم أمام مسار يصطدم بعائقين كبيرين، هما الدور التركي في الشمال السوري، والدور الأمريكي الذي يوجد بقوة في شمال شرق سوريا. فإذا فكّر الروس مع حليفيهما إيران والنظام بمحاولة استعادة منطقة الشمال السوري من المعارضة المدعومة تركياً، فهذا سيضعهم بمواجهة حقيقية مع المصالح التركية، وهم يعرفون أنّ تركيا دولة ذات قدرات عسكرية واقتصادية كبيرة، وهم ان اصطدموا بها سيضعف تحالفهم الحالي وفق مسار أستانا. الأمر ذاته ينطبق على الوجود الأمريكي في شمال شرق سوريا، فالروس وحلفهم لا يستطيعون طرد الأمريكيين من هذه المنطقة، بسبب رجحان ميزان القوى العسكري والاقتصادي لمصلحة الولايات المتحدة. هذه الحالة تفترض عجزاً روسياً على تمرير مسار ونتائج أستانا وسوتشي وفق الأجندة الروسية . الروس خائفون من بدء تنفيذ الأمريكيين لورقتهم، وتحديداً ما يتعلق منها بطرد إيران من جميع الأراضي السورية، فهذا الطرد هو احتمال يقترب تحققه على الأرض زمنياً، فإذا تمّ طرد إيران من سوريا بالقوة العسكرية، فهذا سيجعل القوات الروسية في حالة انكشاف أمام قوى المعارضة وحلفائها. إذاً يمكن القول أن الروس استنفذوا فرصة تمرير رؤيتهم لحل الصراع السوري عبر أستانا، وهذا يعني اضطرارهم للبحث عن جسور تصلهم بالأمريكيين، لمقاربة مقبولة لتنفيذ القرار 2254. هذا الاستنفاذ يفرض على الروس ضرورة إعادة انتاج السياسة الروسية حيال الصراع السوري، وكذلك حيال علاقاتهم مع الغرب. إعادة انتاج هذه السياسة تعني ترتيب علاقات البيت الروسي مع إيران، والقبول بالوضع الروسي غير الندّي أمام الولايات المتحدة، فالروس يريدون عبر امتلاكهم للسلاح النووي فرض تعادلٍ في ميزان القوى مع الغرب اقتصادياً وسياسياً، وهذا ما لا يقبله الغرب عموماً والأمريكيون خصوصاً، وهم المتفوقون على روسيا بشكل هائل. ورقة العمل الأمريكية تعني ببساطة أن الصراع السوري استنفذ وظائفه الكبرى، فهو أخرج سوريا من شروط وضعها كقوة إقليمية، وهيّأ في المجال أن ينتقل موقع سوريا من وضعه السابق المتحالف مع إيران والروس إلى موقع جديد تحت هيمنة النفوذ الأمريكي. وهذا ما لا يريده الروس، ويعملون قدر استطاعتهم على منع حدوثه. ورقة العمل الأمريكية تعني أن الأمريكيين يريدون رفع اليد الروسية عن الكعكة السورية، والسماح لهم بالاحتفاظ المؤقت والمجدول بقاعدتيهما في طرطوس وحميميم. أما إذا ذهب الروس إلى المواجهة، فهذا يعني احتمال خسارتهم لنفوذهم في سوريا، ويتم ذلك عبر تقويض سلطة النظام الأسدي الحليفة لموسكو. فهل يحوّل الأمريكيون ورقة عملهم إلى فعل سياسي وعسكري منظور، أم أن الورقة ليست أكثر من ورقة ضغط على الروس لإجبارهم على تغيير مواقفهم من إيران المستهدف الأكبر أمريكياً في المنطقة؟. أيام قليلة تفصلنا عن الإجابة على هذه الأسئلة فلننتظر. – مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.