fbpx

التطرف الديني؛ المسببات والحلول

الكاتب: أحمد الرمح نسمع كثيراً في هذه الأيام شكوى من ظاهرة التطرف الديني؛ وهي ظاهرة أصبحت تطرح نفسها بقوة في الرأي العام في كل مكان من العالم، لكن عندما نريد معالجة ظاهرة سلبية؛ يجب تبيان أسباب نشوئها؛ والإشارة بوضوح إلى المتسبب فيها؛ حتى يوصف العلاج اللازم والنافع لها. هناك عاملان أساسيان لولادة هذه الظاهرة: ذاتي وموضوعي

  • أما الموضوعي

الغرب الذي يصرخ في إعلامه خائفاً ومُخوفاً الآخرين من هذه الظاهرة قد ساهم كثيراً في ولادتها ونموها؛ فعندما يقف متفرجاً على الاستبداد وهو يقمع الحريات؛ ويكمم الأفواه؛ ويملأ المعتقلات بآلاف من المتشوقين إلى الحرية؛ بل يدعم هذا الاستبداد أحياناً، لا بد أن ينتظر لكل فعل ردة فعل؛ ولا بد للمكبوت من فيضان. وعندما تصبح رموز الآخرين وقيمهم وعقائدهم مسرحاً مستباحاً باسم حرية التعبير غير العاقلة؛ ولا المقدرة لمشاعر الناس تجاه مقدساتهم؛ سيكون هناك تصرفات غير عاقلة ولا مسؤولة تنحو باتجاه التطرف؛ إذ يرونه معبراً طبيعياً أمام حالة العجز لمناهضة تلك الحالات المسيئة. نحن لا نسوّغ هنا التطرف أو الإرهاب ونرفضه بشدة، لكننا نشير بوضوح إلى مسبباته كي تعالج، لنتخلص من ظاهرة ساهم الغرب كثيراً في صناعتها، إنْ بدعم الأنظمة المستبدة أو السكوت عن تغولها بالاستبداد والقتل والتشريد، وإنْ بالكيل بمكيالين في نظرته إلى الإنسان ومقدسات الآخرين، فالملايين الذين قتلوا من العرب في فلسطين والعراق وسوريا واليمن بشر أيضاً. وها هي سوريا على مذبح الحرية منذ ثماني سنوات؛ لم يتحرك الضمير الغربي ليساند عشاق الحرية فيها؛ إنما تركوها لطاغية أعمل فيها آلة القتل والتدمير والتشريد؛ ووقف المجتمع الدولي متفرجاً على شعب يُذبح ويُشرد؛ وكأن مطالبته بالحرية والعدالة الاجتماعية جُرم يجب معاقبته عليه. استباحت أمريكا العراق ودمرت حضارته وقدمته لقمة سائغة لخصمه اللدود الإيراني ونهبت تراثه وثروته، وقتلت ملاييناً من أبنائه وشردتهم، بلاد العرب تنتهك فيها حقوق الإنسان كل يوم؛ والغرب يبارك الجلاد والمستعمر والمستبد ويقف إلى جواره، أليست هذه السلوكات الغربية من الدوافع التي تجعل ظاهرة التطرف تنمو؟. التطرف ينشأ غالباً في المجتمعات التي يُمارس فيها الاستبداد والظلم والقمع بشكل فاحش، أو عند المجتمعات الفاشية، فالتشدد وباء يُسيء إلى الفكرة الطاهرة، وأول علاج له العدل والوقوف إلى جانب المظلوم حتى ينال حقه.

  • وأما الذاتي

التطرف الديني غالباً ما يكون ناتجاً من سوء فهم رسالة الدين ومعرفةِ مقاصده مصحوباً بحماس ثوري، مترافقاً بقلة وعي، فتكون النتيجة الاستهانة واللامبالاة بسفك دماء الآخرين وتكفيرهم. فالإسلامويون لديهم بأس في القتال وبؤس في الوعي السياسي؛ ومعارك الإسلام السياسي كلها على مدار قرابة قرن معارك فاشلة وخاسرة، إذ إن السلطة كانت همها؛ وليس تحرير الإنسان ولا العدالة الاجتماعية. لكن التطرف ليس سمة بعض الإسلاميين فقط، بل كل من يؤمن أنه لا يحق لسواه ممارسة أفكاره والتعبير عنها متطرف؛ سواء كان متطرفاً إسلامياً أم مسيحياً أم يهودياً، علمانياً أم إلحادياً؛ يمينياً أو يسارياً.

  • الحلول

لا يمكن التخلص من ظاهرة التطرف هذه إلا إذا حققتَ القدر الأكبر من الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة في المجتمع، يُضاف إلى تلك الشروط عمل دؤوب يؤسس ثقافات راسخة في منهجية تفكير أبناء المجتمع الذي يعاني هذه الظاهرة، وذلك بتجذير ثقافة الحوار والعمل على المشتركات التي تحقق المصلحة العليا للمجتمع وقبول الرأي الآخر بوصفه حقاً يجب أن يمارسه الآخر في طرح أفكاره. من دون أن ننسى مبدأ ثقافة الديمقراطية بحيث نكون مؤمنين بالديمقراطية منهجية عمل استراتيجي لا تكتيكاً للوصول إلى غاية سياسية أو سلطوية، ومن الواجب أن نهيئ الأرضية الصالحة لنمو مثل هذه الثقافة علاجاً لظاهرة التطرف. إن العمل على إحياء ثقافة المواطنة وأن الوطن لأبنائه كلهم وليس حكراً على طائفة أو حزب أو جماعة أو قومية؛ ثقافة يجب أن يعمل عليها الجميع؛ بعد نمو ظواهر نشأت إبان الصراع الدامي في سوريا؛ رفعتْ شعارات تعلن أن الوطن يجب أن يكون أو يبقى حكراً لجماعة أو إثنية أو طائفة أو حزب بعينه. وينبغي ألا ننسى أن المجتمع الذي تشيع فيه مبادئ الحرية العاقلة والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون والمساواة بين أبنائه جميعاً؛ سيكون مجتمعاً واعياً لحقوقه عارفاً بواجباته؛ فلا يتجاوزها بظاهرة طارئة وغير مقبولة كظاهرة التطرف. ولا يُعقل أن نقاوم ظاهرة التطرف بالقوة العسكرية أو المعالجة الأمنية؛ كما هو ديدن الأنظمة الاستبدادية والقوى العالمية؛ لأن ذلك يساهم في بقاء هذه الظاهرة وتغولها في المجتمع، وينمي وجود متعاطفين ومناصرين لها، ومثل هذا السلوك تشجيع لظاهرة التطرف وليس وأداً لها كما أظهرت المعالجات لمثل هذه الظاهرة. وعلينا أن ندرك أخيراً وليس آخراً أن المجتمع الذي يوفر الفرص لأبنائه بحسب الكفاءة وليس الولاء، هو مجتمع يقاوم بطريقة واعية نشوء ظاهرة التطرف ونموها. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى