fbpx

الهجرة إلى أوروبا وأسبابها

وحدة دراسة السياسات في “مينا” يأتي تصريح وزير الخارجية الإسباني، كتغريدة خارج السرب الأوروبي، ليطرح أسئلة جديدة حول مسألة الهجرة واللجوء المفتوحة على مصراعيها في هذه الأيام في البلدان الأوروبية بخاصة، والعالم أجمع، إذ دافع الوزير جوزيب بوريل عن سياسة الهجرة قائلا: “600 شخص ليس عدداً ضخماً مقارنة بمليون و300 ألف لاجئ سوري يوجدون حالياً في الأردن، استقبلنا هذا العام نحو 20 ألف (مهاجر) في بلد يفوق عدد سكانه 40 مليوناً، هذه ليست هجرة جماعية”. لم يكتف الوزير بالدفاع عن سياسة الهجرة، بل بيّن السبب الذي يدفعه إلى تبني هذا الموقف إذ قال: “ما لم نكن نريد أن نصبح قارة معدلها العمري مرتفع، فإن التطور الديموغرافي في أوروبا يبين أننا نحتاج إلى دماء جديدة، ولا يبدو أن هذه الدماء الجديدة ستكون نتاج قدراتنا الإنجابية”. كلام الوزير هذا، يعيد الأسئلة المطروحة حول مسألة اللجوء حقاً، وحول الهدف الذي يدفع دولاً كثيرة إلى استقبال عدد كبير من اللاجئين، فيما يمنع دولاً أخرى من استقبال أي عدد، لنصل إلى أسئلة من نوع آخر: هل هذا الأمر مقصود؟ وهل تلعب بعض الدول دوراً في تحقيق هذا الهدف؟ أي تفتح الباب حتى تأخذ حاجتها ثم تغلق الباب حين تكتفي؟ وهل لتحقيق ذلك يمتد الأمر إلى لعب دور ما في الحروب الدائرة بغية دفع الناس إلى الهجرة؟ هل ثمة علاقة ما بين حاجة الدول إلى العمالة والشباب والحروب الدائرة في الشرق الأوسط؟ فما هي الأسباب التي تدفع بعض الدول إلى قبول اللاجئين، بل تتخذ مواقف مرنة من مسألة الهجرة؟ أولاً، يدرك الجميع أن أوروبا وبعض البلدان تعاني قلة عدد الشباب مقارنة بعدد العجائز، الأمر الذي يحولها إلى مجتمعات هرمة. وهو أمر لم يخفه الوزير الإسباني كما لاحظنا أعلاه. إذا ذهبنا إلى النسب، سنجد أن ألمانيا تفقد سنوياً 2 في المئة من سكانها، وإيطاليا 0.5 في المئة، وفق ما نقل الكاتب “خالد عزب” في أحد مقالاته. فيما أورد الكاتب علي أغوان هذه النسب: “الأطفال بين عام واحد و15 عاماً من الجنسين 12 في المئة، والشباب بين 16 عاماً و30 عاماً من الجنسين 27 في المئة، والمتجاوزين لسن الثلاثين عاماً من الجنسين 61 في المئة، ونسب المتجاوزين لسن العمل في أوروبا مرتفعة للغاية مقارنة بقلة الوفيات وقلة الولادات إذ تراوح أعمار المتجاوزين لعمر 60 عاماً 17 في المئة، و61 في المئة العابرين لسن الثلاثين”، الأمر الذي يوضح لنا أن هذه المجتمعات مهددة في المدى البعيد بالزوال ما لم تجد حلاً لمسألة الإنجاب. وهنا ترى بعض هذه الدول أن الحل يكمن في استقدام الشباب من الدول الفقيرة، وفي فتح باب الهجرة لعائلات كبيرة العدد، سواء بشكل مباشر، أم عن طريق ما بات يعرف بلم الشمل، إذ لوحظ مؤخراً أن لم شمل العائلات التي تملك مواليداً صغار السن أسرع من العائلات التي تملك كباراً في السن. وقد سبق أن عبر مندوب الوكالة الدولية لشؤون اللاجئين لدى روسيا “بايس فاك فويا” عن أمر كهذا خلال لقاء عقده ممثلون عن رؤساء إدارات الهجرة في بلدان بريكس في سوتشي الروسية عام 2015، إذ قال إن “دول الاتحاد الأوروبي، وأوروبا بمجملها تطلب اللاجئين ممن سيعودون بالنفع عليها. وبحسب تصورنا فإنه لا يمكن النظر إلى اللاجئين بوصفهم فقراء وأميين، وإنما بوصفهم سيأتون بالمنافع. لن يجلب هؤلاء معهم أي ضرر لأوروبا، يقتصر دور الدول الأوروبية على تقديم العمل والسكن للاجئين بما يمكنهم من العمل في مصلحة الدولة المضيفة وأنفسهم”. وضمن هذا السياق، تشجع هذه الدول بشكل كبير ما يعرف بهجرة العقول، إذ تعمل على استقطاب أصحاب الكفاءات والشهادات العالية، ممن يدخلون سوق العمل حال تعلمهم اللغة وبعض أساسيات الوجود في البلد، وهذه عملية مربحة أكثر من عملية استقطاب لاجئين مع عائلاتهم ومن ثم تعليمهم وانتظارهم حتى يبلغوا سن العمل. وهذا أمر تقوم به الدول كلها عموماً، وتعمل ألمانيا اليوم على سن قانون جديد يشجع هذا النوع من الهجرة، ويقدم تسهيلات كبرى، وهذا النوع من الهجرة موجود في دول عدة من مرحلة ما قبل الأزمة، مثل كندا وأستراليا. ثانياً، إن مستوى الرفاه الذي وصلت إليه بعض الدول أدى إلى وجود خلل في ما يخص الأيدي العاملة التي تعتبر ذات تكاليف عالية في أوروبا وبعض الدول التي وصل فيها مستوى الدخل الفردي والقومي إلى مستويات مرتفعة، الأمر الذي يجعل من مسألة اللجوء حلاً لهذه المسألة، إذ يقبل اللاجئون والمهاجرون بأقل الأجور، ويعملون في بعض الأحيان في السوق السوداء التي تلبي حاجة بعض القطاعات في هذه البلدان إلى الأيدي العاملة الرخيصة. ولكن هنا يبرز سؤال آخر: إذا كان الأمر كذلك، فلم لا يجري استيراد عمالة رخيصة من بلدان معينة، أو إقامة مصانع في بلدان الجنوب؟ يجيب الكاتب، علي أغوان، عن أمر كهذا، بالقول إن “الأوروبيين يسعون لتقوية الناتج القومي الإجمالي داخل أوروبا، فاستيراد العمالة الآسيوية أو الأفريقية الرخيصة يعني خروج أموال كثيرة خارج أوروبا وهذا ما يضعف الاقتصاد ويرهله، لكن سياسة استيراد العمالة وتجنيسها تساهم بشكل كبير في بناء الناتج القومي الإجمالي وتعضيده داخل البلدان الأوروبية، فالأوروبيون يفكرون بالتأكيد في المستقبل”، من ثم فإن العائدات المالية في هذه الحالة ستبقى داخل أوروبا ولن تخرج إلى بلدانهم الأصلية إلا بشكل صغير، و”هذا سيزيد متانة الاقتصاد الأوروبي والنواتج القومية الإجمالية وفقاً لفكرة (بدلاً من أن أجلب عاملاً أجنبياً، أجلب مهاجراً وأجنسه) لكي تبقى العائدات تدور داخل البلد”. ثالثاً، تمتلك بعض الدول مساحات كبرى غير مستثمرة، مثل كندا وأستراليا، وتسعى حكومات هذه الدول لاستثمار تلك المساحات، ولكنها لا تمتلك الموارد البشرية اللازمة لذلك، لذا تكون مسألة الهجرة حلاً لهذا النوع من المسائل، وهو ما تقوم به عملياً، برامج الهجرة في كل من كندا وأستراليا منذ زمن بعيد. رابعاً: إن مسألة الرفاه والتقدم الاقتصادي أدت إلى قلة عدد الناس المنتسبين إلى الجيش والعاملين في السلك العسكري، الأمر الذي أدى إلى خلق فجوة لدى الدول في مجال بناء الجيوش وزيادة عدد أفرادها، إذ يؤمل أن تؤدي هذه السياسات في الهجرة إلى ملء هذا الفراغ. وبالطبع سيشغل المهاجرون الرتب الدنيا في الجيش، أي سيكونون جنوداً عاديين في حين تبقى المراكز الحساسة والأمنية في أيدي السكان الأصليين. بعد أن شرحنا الأسباب التي تدفع أوروبا وغيرها إلى استقبال اللاجئين، تبقى مسألة الإجابة عن سؤال: هل هناك علاقة ما بين حاجة هذه الدول إلى الهجرة والحروب؟ وهل تلعب تلك الدول دوراً ما للحصول على المهاجرين؟ وهل يلعب السلاح المصنع في تلك الدول والمباع للدول التي تقتل فيها السلطات شعوبها بهذه الأسلحة دوراً؟ لاحظنا في بداية الأزمة السورية، أن مخميات اللجوء في بعض دول الجوار، قد بدأت تبنى وتهيأ لاستقبال اللاجئين حتى قبل أن تصبح هناك مسألة هجرة أو لاجئين، الأمر الذي يضعنا في مواجهة سؤال: لم بنيت تلك المخميات قبل أن تتحول الأمور إلى حرب مدمرة؟ وهل كان هناك نية لتهجير الناس ولم؟ لا شك في أن الحروب هي أحد العوامل المشجعة على بيع السلاح، ولا شك في أن باعة السلاح يسعون لإشعال الحروب وتهجير الناس. ولكن حتى اليوم لم يثبت وجود أي علاقة بين الهجرة والحرب، مع أن صمت الدول المستفيدة من الهجرة يبقى مريباً. هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى