fbpx

أهداف الجامعات الإيرانية في سوريا

إذا كانت السفارات الإيرانية، والمراكز الدينية في أوروبا قد استخدمت من قبل السلطات الإيرانية في وقت سابق في أنشطة إرهابية، وهوما اثبتته التحقيقات الاوربية في برلين وباريس وبروكسل وغيرها، وإذا كانت المدارس الدينية أو ما تسمى بـ (الحوزات العلمية) في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن قد استخدمت التعليم الديني لغايات التحريض العقائدي، وبث النزاعات داخل تلك البلدان، فما الذي يمكن ان تأتي به الجامعات الإيرانية التي خرجت من بلد صانع للتطرف مثل إيران، إلى بلد منهك مثل سوريا، اوصلته الآلة العسكرية الإيرانية ذاتها الى الحضيض. فدمرت كل منشآته الحيوية ضمن خطة مبرمجة، كانت تهدف الى إعادة سوريا الى القرون الوسطى، باعتبار أن العقل الفارسي لم يتجاوز بعد الحقبة الاموية من التاريخ. ما نحاول فهمه هنا، هو تقديم تفسير منطقي وموضوعي لهذه الظاهرة، خصوصاً وان التعليم هو أداة التغييّر الأولى في المجتمعات، وأنه وسيلة وطريقة للتعاون الثقافي، وأنه يمكن استخدامه أيضاً كنوع من الغزو الثقافي الذي يهدف إلى محو ذاكرة جيل بأكمله، وبالتالي قد تبدو كل هذه الملامح جميعها واردة ضمن الأهداف الإيرانية، الكامنة وراء فكرة إنشاء هذه الجامعات في سوريا. العقل الإيراني المشتت: التعامل مع العقل الإيراني كعقل مميز وخطير هو نوع من أنواع الوهم، فالنظام المؤسساتي الإيراني فاقد لمفهوم التشبيك بين المؤسسات، وفاقد لمفهوم المركزية السياسية، وفاقد لفن الإدارة المعاصرة، وهو يشبه الى حد بعيد العقل الذي يعمل بطريقة التجزئة، وهي تعتبر سمة ملازمة للمؤسسات العاملة في الدول المتخلفة، والتي تعمل على طريقة نظام القبيلة، أو نظام الإمارة الصغيرة، بحيث يقوم كل مسؤول اداري بإدارة المؤسسة التي يشرف عليها، وفق الطريقة التي يريد، شريطة أن يكون موالياً حتى النخاع، وهو ما يمكنك أن تلمسه تماماً  لدى التعامل المباشر مع المؤسسات داخل البلاد، حيث التناقض الصارخ في عمل تلك المؤسسات، فالدولة في جانب، والحرس الثوري في جانب، والمؤسسات الدينية في حارة ثالثة، وأما المؤسسات التعليمية، فهي ضائعة بين سطوة رجال الدين، والحرس الثوري، إضافة الى ما تعرف بوزارة الارشاد، ما يعني أن الخطة التعليمية داخل إيران ذاتها عجزت طوال العقود عن إحداث نمط تعليمي مميز داخل البلاد، كما فشلت في صناعة الانسجام بين ما يسمى عقيدة الثورة الإيرانية، وجيل الشباب الجديد، وهوما يعني فشل السياسة التعليمية لهذه الجامعات داخل (البلد الأم) وبالتالي كيف يمكن لها أن تصبح مؤسسات تعليمية ناجحة وقابلة للتصدير؟ لذلك، وانطلاقاً من حالة الشتات العقلي الموجود في إيران فسوف نجد أن هدف الجامعات الإيرانية هو التالي: تدرك المؤسسة السياسية الحاكمة في طهران أن وجودها في سوريا هو وجود مؤقت، وأنها خارجة ومطرودة من سوريا لا محالة، لأن مصالح الدول الغربية تنافى وواقع التمدد الإيراني، لذلك بات يؤمن هؤلاء الساسة، أن القواعد الإيرانية العسكرية في سوريا سوف يتم تفكيكها عاجلاً أم آجلاً، وهو ما يستوجب عملياً البحث عن قواعد استثنائية، وهو ما ستقوم به مؤسسات إيرانية مثل الحرس الثوري، والتي ستذهب للعمل تحت مظلة جديدة،  وهنا تأتي فكرة  الجامعات الإيرانية في سوريا، فهي ستكون غطاءً ناجحاً ومحتملاً لأنشطة الحرس الثوري الإيراني، خصوصاً ان النظام الإيراني يعتقد، ان بقاء هذه الجامعات لا يتطلب بالضرورة صفقة سياسية معينة، وهو ما يعني أمكانية استخدام هذه الجامعات، كغطاء جيد للأنشطة المستقبلية لإيران. ستحقق الجامعات الإيرانية في سوريا استقطاب جمهور واسع من الطلبة العرب، أمام العجز التاريخي لدوائر التعليم الإيرانية، فهي لم تنجح طوال ثلاثين سنة ماضية باستقطاب الشباب العربي الى جامعاتها، وبالتالي فقد بات الذهاب الى بلاد العرب ممكناً من خلال بوابة سوريا، وبما أن إيران عاجزة عن بناء جامعات في بقية الدول العربية، فهي تعتقد أن وجود جامعات إيرانية داخل سوريا سيكون مناسباً لاستقطاب الطلبة العرب، وبالتالي يمكنها العبور الى المجتمعات العربية من خلال النخبة المتعلمة الجديدة، من خلال المرور في سوق التعليم في سوريا، بعدما تسببت الحرب بهجرة نخبة كبيرة من أساتذة الجامعات، خصوصاً وأن الجامعات السورية كانت خلال العقود الماضية قبلة تعليمية مهمة، كان يقصدها الطلبة العرب للدراسة فيها من مختلف الدول العربية، وهي ما يراهن النظام السوري على إعادة إحيائها بالتعاون مع إيران، وذلك لإعادة استقبال الطلبة العرب، بما يعيد الانفتاح على نظامه من جديد. وأما أصحاب الحوزات الدينية، فهم يدركون حجم الصدمة التي يتلقاها الطالب العربي الذي ينشأ في الحوزات الدينية وذلك عندما يرغب بمواصلة تعليمه في إيران، حيث السلوك العنصري واحتقار العرب هناك ظل يشكل تحدياً للطلبة الذين كانوا يسافرون لإكمال تعليمهم الجامعي أو الديني في إيران، وهو شعور عبّر عنه عشرات الطلبة من فلسطينيين ولبنانيين عاد الكثيرين منهم إلى بلدانهم قبل بدء الحرب في سوريا، وهو أيضاً ما عبر عنه اللاجئون العراقيون إلى إيران والذين هاجروا إليها أثناء حكم صدام حسين، فمع إنهم كانوا موالين من الجانب العقائدي، لكنهم كانوا يواجهون تمييزاً قاسيا في مؤسسات الدولة الإيرانية، وكانوا لا يستطيعون مجرد السفر داخل المحافظات الإيرانية بدون الحصول على اذن مسبق للسفر. وأما أصحاب فكرة المليشيا، فهم سيجدون الفكرة مقبولة بالنسبة لهم، لأنها ستتيح لهم وجود مؤسسات تعليمية للقبائل التي أحضروها الى سوريا وقاموا بتجنيسها بالجنسية السورية بقصد إحداث التغيير الديموغرافي الذي يرغبون به. مستقبل الجامعات الإيرانية في سوريا: من المهم أن ندرك أن الإيرانيين لا يملكون نموذجاً تعليمياً مميزاً يمكنه تقديم أشياء مفيدة للسوريين أو لدول الجوار، لأن الدولة الإيرانية تعيش في مستنقعين، الأول هو ذلك المستنقع الطائفي الحاقد على دول الجوار، والثاني هو تلك النزعة القومية التي تقوم عليها مؤسسات الدولة الإيرانية، فهي دولة غارقة في التطرف الديني، وغارقة في التطرف القومي، وهذان النموذجان يجعلان من إيران دولة مارقة، في عصر الانفتاح، وعصر العالم الكبير الواسع الذي يعرف بعضه وكأنهم جميعاً أبناء قرية واحدة. ما هو مهم لإحباط هذا المشروع هو العمل على ألا يتمدد فعلياً داخل سوريا أو نحو الشارع العربي، بحيث من الضروري العمل على كشف اهداف هذه الجامعات، ودورها التخريبي المستقبلي، اذ إن إيران سوف تسعى للتأثير على الطلبة العرب والسوريين الذين سيلتحقون في جامعاتها، وهي تريد من هؤلاء الطلبة مستقبلاً أن يكونوا في مواجهة شعوبهم، وهذا ما يجب أن تعيه الدول العربية، لأن هذه الجامعات ليست مؤسسات تعليمية خالصة، وإنما هي مشاريع ذات طابع سياسي واستخباراتي، تمس عمق الأمن القومي العربي، ومن المهم جداً أن نعيد التذكير والتنويه، أن المؤسسات الإيرانية التعليمية خارج إيران، لم تحترم أبسط القوانين الدولية، تماماً كما حدث في باريس مؤخراً، حيث استخدمت المراكز الإيرانية لخدمة الإرهاب. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى