fbpx

هل يمكن ارجاع التطرف الإسلامي إلى القرآن؟

الكاتب: محمد سيد رصاص عندما ينظر المرء إلى الحفلات التلفزيونية التي كانت تحييها أم كلثوم كل خميس في حدائق الأزبكية بالقاهرة بالستينيات، لايجد من بين آلاف النساء الحاضرات واحدة محجبة.. يروى في مراجع كثيرة، بأنه في أول لقاء بين عبدالناصر وحسن الهضيبي المراقب العام للآخوان المسلمين، جرى بعد أيام قليلة من يوم 23 يوليو1952، أن طلب الهضيبي من مجلس قيادة الثورة فرض الحجاب في مصر فرد عليه عبدالناصر: قم أولاً بفرض الحجاب على ابنتك التي هي في الجامعة. لم تكن كتابات سيد قطب قبل سجنه عام1954متطرفة، بل بعضها معتدل مثل كتاب:”العدالة الاجتماعية في الاسلام”، فيما نجد كتابه المنتج بالسجن، أي “معالم في الطريق”، هو الذي أصبح المرجع الفكري لمتطرفي الاخوان المسلمين، مثل مروان حديد وسعيد حوى في سوريا، ثم للحركات الجهادية التي نشأت لاحقاً مثل تنظيم (القاعدة) الذي كان تلاقحاً بين فكر جهادي (أيمن الظواهري) وفكر وهابي (أسامة بن لادن). يؤشر ماسبق إلى أن هناك ظروف تنتج التطرف:الاضطهاد السياسي للحركات السياسية هو السبب في توليد التطرف الفكري- السياسي.. هذه الأخيرة لاتزدهر بسبب أفكارها بحد ذاتها، بل بسبب ظروف تهميش اقتصادي- اجتماعي – ثقافي لفئات وطبقات اجتماعية ، تدفع هذه الطبقات والفئات الاجتماعية إلى أن تحمل تلك الأفكار المتطرفة الموجودة عند الحركات السياسية، مما يجعلها تنتقل من تنظيم محطم، مثل الاخوان المسلمون بعد خروج قياداته وكوادره من السجن عام1971بعد ضربتين ماحقتين وجههما عبدالناصر له بعامي1954و1965، إلى تنظيم بمئات الآلاف من حيث العضوية بالنصف الثاني من السبعينيات، وملاييني الامتداد الاجتماعي لدى المصريين. طبعاً، كان هناك بالتأكيد لظروف هزيمة حزيران نصيب في انحسار الموجة العروبية وفي بدء انتعاش الفكر الاسلامي من الكويت إلى الرباط ومن حلب إلى صنعاء، في فترة حكم حسني مبارك (1981-2011) انتقل تنظيم الاخوان المسلمين من تنظيم يسيطر عليه معتدلون مثل عمر التلمساني (مرشد الجماعة1974-1986) إلى تنظيم سيطر عليه تلاميذ سيد قطب بعد انتخابات مجلس الشورى لجماعة الاخوان المسلمين في كانون أول 2009 الذي انتخب الدكتور محمد بديع مرشداً للجماعة والدكتور محمود عزت نائباً له، وقد كان (القطبيون) هم الذين قادوا ميدان التحرير الذي تحول لحالة مليونية منذ يوم الجمعة 28 يناير2011 إثر انضمام (الاخوان) لثورة 25 يناير التي كانت أساساً طلابية وشبابية، ثم هم الذين قادوا عملية الوصول للسلطة عبر انتخاب محمد مرسي رئيساً للجمهورية في انتخابات يونيو2012. في سوريا أنتج (الاخوان المسلمون) مروان حديد وسعيد حوى وعدنان سعد الدين ورياض الشقفة وفاروق طيفور بدءاً من الستينيات بدلاً من مصطفى السباعي المعتدل (مراقب عام ال جماعة1946-1964). في انتخابات البرلمان السوري عام1954كانت أكثر من نصف المقاعد البرلمانية التي نالها حزب البعث قد أتت من محافظتي حماة وحلب (كان ضمن الأخيرة ادلب).. وكانت هذه المناطق توصف بالمدن ، وفي أحداث 1979 -1982ثم في أزمة2011-2018 بات الريف هو القاعدة الاجتماعية الأساسية لحركات المعارضة الاسلامية بطبعتيها الأصولية الإخوانية والسلفية الجهادية ضد حكم حزب البعث بدمشق. في كانون الثاني عام 2014 قتل مؤسس تنظيم “داعش” الفعلي سمير الخلفاوي (الملقب بـ”حجي بكر”)، في بلدة تل رفعت شمال حلب على يد فصيل مسلح اسلامي سوري معارض. فوجئ المهاجمون لبيته حيث قتل، بأن المنزل لا يحوي نسخة من المصحف، بل كومبيوترات وكروت “سيم” وجهاز GPS مع مخطط تفصيلي لبنية “داعش” مكتوب بخط يده مع مهمات تنفيذية محددة لأجهزة التنظيم. في التحقيق المطول الذي نشرته مجلة دير شبيغل الألمانية، عن ذلك بما فيها صور الوثائق، يوم 18 نيسان 2015، يروي صحافي عراقي شيعي عن ابن عمه الذي كان يخدم معه كضابط مخابرات في قاعدة الحبانية الجوية بفترة ما قبل سقوط بغداد بيد الأميركي الوصف التالي للخلفاوي: “لم يكن إسلاميًا بل ذو نزعة قومية”. عندما سرّح الحاكم الأميركي، بول بريمر، الجيش العراقي وألغاه كمؤسسة، اشتغل العقيد السابق في المخابرات سائق تكسي ثم سرعان ما التحق بالزرقاوي مؤسس “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين” عام 2004، وبعد مقتل الأخير عام 2006 دخل الخلفاوي إلى سجن بوكا حتى 2008 حيث تعرف إلى أبو بكر البغدادي، وعندما قتل جميع أفراد قيادة “دولة العراق الإسلامية” في نيسان 2010 بغارة أميركية على مقر اجتماع تلك القيادة قام الخلفاوي باستدعاء البغدادي وتنصيبه “أميرًا” وشكّل مجلس القيادة الجديد، وكان نصفه من ضباط الجيش والاستخبارات العراقية السابقين، وأصبح هو المسؤول العسكري، وكان هو من أقنع البغدادي بإرسال الجولاني إلى سورية أواخر 2011، ثم ذهب إلى هناك أواخر 2012 وعندما رأى نمو “جبهة النصرة” الكبير قام بإقناع البغدادي لكي يعلن “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) يوم التاسع من نيسان 2013. عند السنّي المتدين هناك “عِدّة” في المنزل: المصحف وصحيح البخاري وسجادة الصلاة، وبخاصة في منزل رجل يعيش سرًا ولا يختلط بالناس ولا يذهب إلى المسجد. لم تكن تلك العدّة موجودة في ذلك المنزل في تل رفعت. هناك روايات تتداول شفهيًا وصلت إلى الصحف الأجنبية، بأن الخلفاوي لم يكن فقط غير متدين في زمن صدام حسين بل كان يشرب الخمر. لا يمكن تفسير تحوله في مرحلة ما بعد سقوط بغداد بيد المحتل الأميركي يوم 9 نيسان 2003 (لاحظوا إعلان تأسيس “داعش” في الذكرى العاشرة لذلك اليوم) ليس عبر الثقافة و”الهداية الدينية” بل عبر ممرٍّ من مسربين: المحتل الأميركي والأحزاب الشيعية السياسية التي تولّت الحكم بفعل التحالف الأميركي ــ الإيراني في العراق المغزو والمحتل بكل ما تعنيه السلطة والحكم من مصالح اقتصادية ــ اجتماعية.. لا يمكن تفسير خلعه القميص العروبي من دون هذا الممر وارتدائه القميص السلفي الإسلامي الجهادي: جاءت إسلاميته الجديدة رد فعل على ذلك، وعلى الأرجح ،هنا، أن الخلفاوي هو حالة تتميز عن حالة سيد قطب في سجن عبدالناصر: شعور شخص، كان يملك سلطة هو والكثير من سنة العراق الذين كانوا يحكمون بغداد من أيام أبوجعفر المنصور حتى صدام حسين، بالتهميش الطائفي من قبل طائفة أخرى أوصلها للسلطة في بغداد أجنبي غاز ومحتل للبلد.. أكثر من هذا هو شعور من فقد سلطة وامتيازات ترافق الأولى وتنتج عنها.هنا، لم يشعر سنة العراق (وهم أقلية فعلاً) بأنهم أقلية إلامنذ يوم9 نيسان2003.. صدام حسين كان يشعر بأنه أكثرية بحكم الغالبية العددية للسنة في المحيط العربي وهذا هو شعور السني البيروتي أيضاً.. في الهند وفي ولاية حيدر آباد بالجنوب حيث الأكثرية هندوسية كان هناك شعور مماثل للخلفاوي أحسه أبوالأعلى المودودي صاحب فكرة (الحاكمية لله) التي نبعت منها فكرتي سيد قطب حول (الجاهلية ) و (التكفير) عندما كتب كتابه :”المصطلحات الأربعة في القرآن”عام1941حيث أتى تطرفه من احساس أقلية مسلمة بالهند بأن الاستقلال القادم عن بريطانية سينتج حكماً للأكثرية الهندوسية على المسلمين الذين كانوا حاكمين بعموم الهند قبل مجىء البريطانيين بالقرن الثامن عشر.. لم يكتف المودودي بفكرة (باكستان)، كبلد خاص لمسلمي الهند بعد الانفصال، وإنما أراد أن تكون (الحاكمية لله) في ذلك البلد وفي عموم بلاد المسلمين.. كمكثف: في الغرب لم يعد هناك تفسير ثقافي للظواهر السياسية، بل حتى في اليمين الليبرالي الغربي هناك تبني لتفسير كارل ماركس للظواهر السياسية من خلال تفسير اقتصادي- اجتماعي.. في العالم العربي حتى أغلب الماركسيين ،ومعهم الليبراليون والعلمانيون، يمارسون تفسيراً ثقافياً لنشوء ظاهرة التطرف السياسي الاسلامي.. طبعاً هذا يدل على ضعفهم الفكري ماركسياً وكذلك ضعفهم في فهم العملية السياسية.. لن أتحدث هنا عن حالة الليبراليين والعلمانيين الذين هم حالة بدون قوام فكري – ثقافي وإنما مجرد حالة طارئة نشأت ،كليبرالية جديدة، عند متحولين من الماركسية منذ احتلال بغداد ومجيء الأميركي ، وكعلمانية هي حالة غير متمأسسة في بناء فكري- ثقافي- سياسي محدد، مثل حالة كليمنصو بفرنسا التي كانت علمانيته ممزوجة براديكالية سياسية، وإنما هي مجرد رد فعل على المد الاسلامي عند الكثير من أبناء الأقليات الدينية والطائفية بالمشرق العربي. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى