fbpx

بـروكـسل ولـنـدن؛ لا رابـح في عـملية الانفصـال عـن التكـتل الأوروبي

الكاتب: وحدة تحليل السياسات في المرصد منذ إعلان البريطانيين في استفتاء 23 يونيو/ حزيران 2016 رغبتهم في الخروج من الاتحاد الأوروبي، شهدت العلاقة بين بروكسل ولندن حالات من الشد والجذب والتصريحات والردود الساخنة، سبقت مفاوضات البريكست التي انطلقت في يونيو/ حزيران 2017، وستستمر عامين. لاحقاً أعلنت الحكومة البريطانية اللجوء إلى المادة 50 من معاهدة لشبونة لبدء مفاوضات الخروج من الاتحاد، تسلم رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك في 29 مارس/ آذار 2017 رسالة من رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تطلب فيها رسمياً تفعيل المادة خمسين من معاهدة لشبونة المنظمة لانسحاب أي دولة عضو من الاتحاد الأوروبي، وهو ما يطلق العد التنازلي لعملية تفاوضية طويلة وشاقة بشأن ملفات معقدة ترتبط بمصالح متشابكة ومتباينة في الوقت نفسه بين الطرفين. وتحدد “المادة 50” من معاهدة لشبونة التي وقع عليها قادة الاتحاد الأوروبي يوم 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2007 في العاصمة البرتغالية لشبونة، ودخلت حيز التنفيذ يوم 1 ديسمبر/ كانون الأول 2009 سبل انسحاب إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد طوعاً ومن طرف واحد “وفقاً للمتطلبات الدستورية الخاصة بها”. وهو حق للأعضاء لا يتطلب استخدامه تقديم أي تسويغ له، كما هو حال بريطانيا من بوابة الاستفتاء المومأ إليه آنفاً. لكن، وبعد مضي أكثر من عام على بدء مسيرة المفاوضات الشاقة والطويلة لعملية الخروج وما يلحقها من تبعات، اتضح لبروكسل ولندن أن “البريكست” لن يكون تلك الخطوة السهلة، وذلك بسبب مسار الخروج المعقد من الاتحاد، وكثرة الاتفاقيات والقوانين المنظمة لعمل المنظومة الأوروبية، وكثرة الأعضاء، واحتمال أن تلجأ بعض الدول إلى تنظيم استفتاءات شعبية قبل الموافقة على الاتفاق. إذ تتعدد الآراء والاتجاهـات حيال عملية الانفصال تلك بالنسبة إلى كل جهة على حدة، سواء داخل بريطانيا بين الحكومة والمعارضة أم بين لندن وبروكسل. فمن جهتها، حرصت تيريزا ماي على انتهاء مدة المفاوضات من دون التوصل إلى اتفاق لأن ذلك يبقى أفضل من أن توقع لندن على اتفاق لا يلبي المطامح البريطانية، وأبرزت أنه في تلك الحالة ستضطر البلاد إلى التعامل وفق قوانين منظمة التجارة العالمية. بعكس ذلك، يرى حزب العمال البريطاني أن الحكومة يجب أن تعمل بالسبل كلها للوصول إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وأن تفهم أن الانتهاء من المفاوضات من دون التوصل إلى اتفاق “ليس خياراً وارداً”. في حين يريد الأوروبيون أن يجري التفاوض مع بريطانيا لإبرام اتفاقين منفصلين، الأول هو اتفاق الانفصال الذي يوضح كيفية الانفصال وتبعاته، والثاني هو اتفاق العلاقات المستقبلية بعد الانفصال، وهو يشمل عدداً من المجالات السياسية والقانونية والاقتصادية والأمنية وغيرها. ويقول الأوروبيون إنهم يريدون أن يستهلوا المفاوضات بموضوع تكلفة خروج بريطانيا المقدرة بمئة مليار يورو، وتمثل الالتزامات التي قطعتها لندن في إطار الموازنة الأوروبية حتى عام 2020. وعلى خلفية الصعوبات إيَّاها التي تكتنف عملية “البريكست”، دعت المفوضية الأوروبية أخيراً الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى زيادة الاستعدادات من أجل مواجهة النتائج كلها التي قد تنتج من مفاوضات خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي، مع وجود مخاوف متزايدة من إمكان حصول الخروج من دون “التوصل إلى اتفاق”. إذ أكدت المتحدثة باسم المفوضية، مينا أندريفا، أن الانسحاب من شأنه أن يحدث “اضطرابات” سواء جرى التوصل إلى اتفاق مع بريطانيا أم لا. “وفيما يتعلق باحتمال عدم التوصل إلى اتفاق فإن ما هو واضح بعد الاتصالات التي جرت، هو أننا نستعد للنتائج كلها”. هذه التصريحات تأتي بعد أن عقد دومينيك راب، الوزير المكلف بملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) أولى مباحثاته مع ميشيل بارنييه كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي في الآونة الاخيرة. فعلى الرغم من أن بريطانيا والاتحاد الأوروبي توصلا إلى اتفاق انتقالي بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في المدّة ما بين مارس/ آذار من العام المقبل وحتى نهاية 2020، إلا أن الاتفاق لم يجرِ التصديق عليه بعد. ويعني ذلك أن المؤسسات المالية التي توجد مقراتها في بريطانيا قد تواجه مفاجآت حول إمكان دخولها إلى أسواق الاتحاد الأوروبي. على صعيد الداخل البريطاني تواجه تيريزا ماي تمرداً من المعارضين للاتحاد الأوروبي في صفوف حزبها بعد أن أعلنت عن خططها للتفاوض على علاقات تجارية وثيقة مع الاتحاد عقب خروج بريطانيا من هذا التكتل في العام المقبل. إذ تعيش الحكومة البريطانية حالة عدم استقرار في مسألة الانسحاب، تجلت حديثاً من خلال استقالة ديفيد ديفيس الوزير المكلف بملف “بريكست”، بسبب خلافٍ مع رئيسة الوزراء ماي حول مسألة المحافظة على علاقة تجارية مع الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه. وجرى تعيين دومينيك راب المشكك في الاتحاد الأوروبي وزيرا لبريكست في الحكومة البريطانية. فمن المقرر أن تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي في 29 مارس/ آذار المقبل، ولم تتوصل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي حتى الآن إلى توافق داخل حزب المحافظين الذي تتزعمه حول نوع العلاقة مع الاتحاد الأوروبي في المستقبل، علاوة على التوصل إلى اتفاق نهائي مع الاتحاد الأوروبي. وتوقع صندوق النقد الدولي الخميس أن دول الاتحاد الأوروبي ستعاني أضراراً طويلة الأجل، تعادل نحو 1.5 في المئة من الناتج الاقتصادي السنوي إذا غادرت بريطانيا التكتل الأوروبي في العام المقبل بدون اتفاق للتجارة الحرة. وستبلغ تكلفة الخسارة الاقتصادية التي سيتكبدها الاتحاد الأوروبي حال عدم التوصل إلى اتفاق نحو 250 مليار دولار وفقاً لحسابات مستندة إلى تقديرات صندوق النقد الدولي لحجم اقتصاد الاتحاد من دون بريطانيا هذا العام. وقد ترجم صندوق النقد النتيجة عبر معادلة مفادها أن قوة التكامل بين منطقة اليورو والمملكة المتحدة تعني أنه لن يكون هناك فائزون في خروج بريطانيا من الاتحاد. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى